د. رشا سمير تكتب: الخطاب الدينى.. مِن مَن؟ وإلى من؟
لم يكن الانفجار الذى وقع يوم المولد النبوى الشريف فى كاتدرائية العباسية هو الانفجار الأول من نوعه والمؤكد أنه لن يكون الأخير..فقبله بأيام انفجرت قنبلة وقت صلاة الجمعة بجوار مسجد وما بين هذا الحدث وذاك سقط جنودنا فى سيناء شهداء وزالوا يسقطون كل يوم.. وبكل أسف ستظل قنابل الغدر ورصاص الخونة يتصدران المشهد لوقت طويل قادم..
فلُبنان بعد سنين من الحرب والفتنة مازال يعانى من أعمال إرهابية حتى اليوم، ولن يكفكف العالم دموعه أبدا طالما انتشر الفكر الارهابى بهذه الطريقة الحقيرة وطالما أصبحت الدول رعاة الإرهاب تتصدر المشهد بكل فجور..
فحثالة البشر تم استقطابهم وتجنيدهم بالمال والوهم الدينى فى تلك العمليات القذرة ومازال حتى اليوم أبناؤهم يدخلون مدارس السمع والطاعة ويتدربون على أيدى ميليشيات داعش والجماعات التكفيرية..
إذن لا خلاص؟! نعم..لا خلاص.. فالإرهاب ولد وترعرع وانتشر وتغلغل والقضاء عليه سوف يكون صعبا.. ولكن..
تهيئة المناخ السهل للإرهاب هو خطؤنا الأكبر..
مازال الرئيس السيسى يؤكد ويكرر ويُطالب فى كل كلماته بإصلاح الخطاب الدينى ومطالبة الأزهر والأوقاف بمنع اقتراف الآثام التى تتم تحت ستار الدين وعلى لسان هؤلاء ممن يدعون الفضيلة ولا يجدون لها مكانا فى قلوبهم..
أرى وللأسف أن هناك هجمة شرسة على الدين الإسلامى والتباسا واضحا فى تفسيره على يد غير المتخصصين ولا الواعين..فمنذ وقع حادث الكنيسة انتبه الإعلام والصحافة إلى خطورة الإرهاب وكأن كل الحوادث الماضية لم تحدث..وفجأة أصبح كل من يمتلك منبرا إعلاميا أو صحفيا له الحق فى الإفتاء!.
على سبيل المثال استضاف إعلامى مخضرم أحد المُحامين الذى فسر نهاية سورة الفاتحة بالتحريض الصريح ضد المسيحيين وعليه طالب الإعلامى بحذفها من المنهج وبالمثل طالب به باقى الإعلاميين على القنوات الفضائية «ما هى بقت زيطة واحنا ما نصدق نزيط فى الزيطة»!
وانهالت الأقلام تُطالب بحذف حصة الدين من المدارس لأن من يقومون بتدريسها يحرضون ضد الأديان الأخرى.. وتحولت الأقلام إلى مزايدة مفتوحة بين كل من يمتلك مساحة للهجوم وإثارة المزيد من الفتنة..
لقد أصبح من الجلى أن من يقومون بعمليات انتحارية وأغلب المنتمين لداعش وجماعة الإخوان الإرهابية هم شباب فى عمر الزهور مما يعنى أن استقطابهم يتم فى مراحل متقدمة، تلك المراحل التى تسمح لهؤلاء الإرهابيين باحتلال عقولهم وبث سمومهم فيها بكل بساطة.. فالشاب الذى نشأ فى مدرسة يتم تدريس مادة التربية الدينية فيها على أنها مادة نجاح وسقوط فقط، لا يفهم تعاليم دينه.. ومن السهل والبديهى أن يحتل كل مدلس ومزور عقله ويحشوه بالفكر المتطرف..
ثم يأتى دور المساجد الصغيرة والزوايا التى يعتلى منابرها شيوخ لا يربطهم بالدين سوى الجلباب واللُحى، من يٌحاسبهم ولمن يخضعون؟!..
الدين يا سادة، ليس متهما ولا يصح أن يقف الإسلام فى قفص الاتهام، لأن الأديان لها احترامها وقدسيتها ولأن الدين الإسلامى تم استغلاله من قبل بعض المحرضين والمرتزقة لا يعنى أنه دين عنف أو دم، بل إن رسولنا الكريم جاء ليتمم مكارم الأخلاق..
إذن الدور السليم هو دور المدرسة.. استعدال الخطاب الدينى لن يتم إلا بتلقينه على يد معلمين متخصصين فى المدارس.. معلمين يتم إعدادهم بشكل صحيح وتتم مراقبتهم فى الفصول وإعداد تقارير دورية عنهم من خلال مشرفين، إنها مسئولية البيت والمدرسة معا.. وهى أيضا مسئولية البيت بالشكوى فى حالة استشعار خطاب ملتبس من أى مُدرس..
لا نحتاج إلى حشو المناهج ولا إلى إلغائها.. نحتاج أن نتجه إلى تحفيظ السور البسيطة التى هى لُب التعاليم الدينية والتى تؤكد على وحدة الأديان وسماحتها..
نحتاج إلى خلق حصة موحدة ما بين المسيحيين والمسلمين يتلقون فيها أخلاق الأديان وسماحتها معا..فالدين قبل أن يكون صلاة وصوما هو مُعاملة ومبادئ وقيم..أما إلغاؤه فهو خلق صريح لمساحة للمزيد من التطرف الفردى.. تدريس الدين يجب أن يكون مسئولية الدولة ويتم عن طريق مدارسها وتحت مراقبتها.
القضاء على الإرهاب لن يتم إلا لو سبقناهم نحن فى احتلال عقول هؤلاء الأطفال والشباب.. احتلالها بالفن والأدب والموسيقى.. بالتنوير لا بالإظلام..
آن أوان أن يكف الإعلام عن إشعال الفتنة الطائفية حتى لو لم يقصدها وآن الأوان لكل الأقلام أن تسطر فقط كلمة الحق..آن أوان أن نبدأ بالبذرة حتى ننتهى بالثمرة.