بعد رفع الفائدة الأمريكية.. "المعدن الأصفر والذهب الأسود" ينتظران تحديد المصير
رفع الفائدة الأمريكية يزلزل أسواق المال
زيادة تكلفة الإقتراض على الشركات
3 سناريوهات متوقعة لحماية الذهب الأسود بالشرق الأوسط
مازال قرار الاحتياطي الفيدرالي برفع معدل الفائدة لأول مرة منذ عام 2006" لحظة حاسمة في تاريخ لاقتصاد العالمي٬ وذلك لإنهائه سياسة تسهيل الاقتراض التي اتبعها لدعم النمو الاقتصادي الأمريكي بعد الأزمة المالية في عام 2008.
وكانت قد قررت لجنة السياسة النقدية في ختام اجتماع منتصف الشهر الماضى ٬ استمر لمدة يومين في العاصمة الأميركية واشنطن٬ رفع معدلات الفائدة الرئيسية التي ظلت قريبة من الصفر منذ أواخر عام ٬2008 بـ0.25%٬ لتصل إلى 0.5%.
ويعد قرار رفع الفائدة يعد خبراً سيئا بالنسبة لأسواق الأسهم إذ تنسحب السيولة من أسواق المال فى ظل عائد أفضل على النقد يمكن الحصول عليه فى اى وقت ونسبة مخاطرة تكاد تكون معدومة، كما أن ارتفاع الدولار يؤثر أيضا على الذهب والذى يأخذ فى الغالب اتجاهاً معاكسا للدولار.
ودعت رئيسة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي- جانيت يلين، إلى عدم المبالغة في تقييم آثار أول زيادة لمعدلات الفائدة قررها المصرف المركزي.
"فيتش" رفع أسعار الفائدة يوسع الإستهلاك المحلي
من ناحية أخرى ترى وكالة التصنيف الائتماني فيتش، أن ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية يؤكد التوسع القوي في الاستهلاك المحلي، وانتعاش سوق العمل، إلى جانب معدلات البطالة المستمرة في الانخفاض، وانتعاش الأجور الحقيقية.
وأضافت "فيتش" في تقرير لها عقب قرار الفيدرالي برفع الفائدة، أن التصنيفات السيادية للأسواق الناشئة لن تتأثر فقط بقرار رفع سعر الفائدة الأمريكي، ولكن أيضاً سيكون هناك تأثيرات كبيرة إذا ما تمت إعادة توجيه التدفقات النقدية الدولية إلى الأصول الأمريكية.
زيادة "أسعار الفائدة" يُضعف الاقتصاد الأمريكي بشكل مباشر
إلا أن هناك سناريو يتعارض مع رؤية فيتش يرى أن زيادة أسعار الفائدة تؤدي إلى إعاقة تعافي الاقتصاد الأمريكي بشكل مباشر، وذلك لأن ارتفاع أسعار الفائدة سيؤدي إلى زيادة تكلفة الاقتراض للاستثمار ويجعل الادخار أكثر جاذبية بالمقارنة مع الاستهلاك، ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى إضعاف الطلب المحلي، علاوة على ذلك، فقد يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى زيادة قيمة الدولار الأمريكي، مما سيضر بالصادرات الأمريكية، وبينما يعترف بنك الاحتياطي الفيدرالي بهذه المخاطر، إلا أنه يثق في الأسس القوية للاقتصاد الأمريكي بالنظر إلى الوضع الصحي للاستهلاك الخاص وتعافي سوق المنازل، وعلى أية حال، يجب أن ننتظر البيانات القادمة لنرى إذا كان هذا السيناريو سيتحقق فعلاً.
المصارف الخليجية ترفع أسعار الفائدة على غرار الفيدرالي الأمريكي
وبعد لحظات قليلة من إعلان مجلس الفدرالي الأميركي رفع أسعار الفائدة، قامت البنوك المركزية في السعودية والكويت والبحرين برفع أسعار الفائدة، إذ رفع البنك المركزي السعودي سعر اتفاقيات إعادة الشراء المعاكس "الريبو العكسي" ليوم واحد بواقع 25 نقطة أساس، ليصل إلى 50 نقطة أساس، لكنه ترك سعر الفائدة الأساسي لاتفاقيات إعادة الشراء ثابتا عند مستوى 2.0%.
وفي السياق ذاته رفع بنك الكويت المركزي سعر الخصم الأساسي بواقع 25 نقطة أساس ليصل إلى 2.25%، في حين أبقى البنك المركزي البحريني على سعر اتفاقيات إعادة الشراء ثابتا عند مستوى 2.25%، ورفع سعر الفائدة ليوم واحد بمعدل 25 نقطة أساس ليصل إلى 0.5%، كما رفع سعر الفائدة ليوم واحد بمعدل 25 نقطة أساس ليبلغ 0.5 %، وسعر الفائدة لأسبوع واحد بواقع 25 نقطة أساس ليصل إلى 0.75 %.
وكان الإجراء الذي اتخذته هذه البنوك المركزية الخليجية الثلاثة متوقعا، حيث إن دول الخليج ربطت أسعار صرف عملاتها بالدولار "باستثناء الدينار الذي يرتبط سعر صرفه بسلة من العملات يهيمن عليها الدولار". ومن ناحية أخرى، فإن عدم رفع أسعار الفائدة كان سيحث المستثمرين لبيع أصولهم في منطقة الخليج، وتوظيف عائداتها في الاستثمارات المقومة بالدولار ذات العوائد المرتفعة. إضافة إلى ذلك، فإن عدم رفع أسعار الفائدة كان سيضع مزيدا من الضغوط على العملات الخليجية.
وجاءت الزيادة في أسعار الفائدة في وقت تعاني دول الخليج تباطؤا حادا في النشاط الاقتصادي، بسبب اعتمادها المفرط على الإيرادات النفطية. إضافة إلى ذلك، تأثرت البنوك في منطقة دول الخليج سلبا بظروف السيولة المقيدة في الشهور الأخيرة، بسبب انخفاض أسعار النفط. وقد أثر تراجع عائدات النفط على تدفق الإيرادات النفطية في شكل ودائع مصرفية.
إضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع أسعار الفائدة على القروض المصرفية من شأنه أن يشكل عائقا أمام المقترضين في المنطقة، ومن الواضح أن التعديلات التي أجريت على سعر الفائدة الأساسي تؤثر على سلوك المستهلكين والشركات وأسواق الأسهم على حد سواء، وإن كان تأثيرها على الأخيرة ليس فوريا.
أسعار النفط تتراجع بفعل هدوء حدة المخاوف المتعلقة بهبوط المعروض
ويرى محللون أن معظم البنوك المركزية في دول الخليج بدأت تتفاعل مع القرار؛ وذلك تماشياً مع الأوضاع العالمية، لافتين إلى أن دول الخليج بشكل عام تتمتع بوضع مالي، واحتياطات نقدية كبيرة أفضل من غيرها من الدول، كما أن الدين العام لا يمثل نسباً كبيرة من الناتج المحلي.
وأشاروا إلى أن مبادرات البنوك المركزية الخليجية برفع الفائدة أعطت تفاؤلاً وثقة وقتية للمتداولين وخاصة الأجانب، مؤكداً أن تبعات القرار ستظهر نتائجها على اقتصاد كل دول من دول المنطقة خلال الأشهر القادمة”.
ونفى المحللون، أن القرار سيكون له أثر سلبي على دول الخليج والمنطقة، وأن العالم ينظر الآن إلى أسعار النفط والبترول، كما يتم النظر الآن إلى الدولار على أنه الملاذ الآمن.
محللون: القرار سيزيد من تكلفة الاقتراض على الشركات
ويري محللون آخرين، أن هناك تأثيرات لقرار رفع الفائدة على نشاط الشركات الصناعية التي ستواجه ضغوطا بسبب انخفاض صادراتها، خاصة مع ارتفاع سعر الدولار، مشيرًا إلى أن دول الخليج ستواجه تحديات في انخفاض أسعار النفط التي تتأثر سلبا مع قرار رفع الفائدة، وذلك في حالة توجهها لإصدار سندات أو صكوك لتغطية العجز المتوقع في ميزانياتها،حيث يؤثر ارتفاع سعر الفائدة على تلك الإصدارات وأضافوا أنه بالنسبة لشركات القطاع الصناعي وفي مقدمتها شركات البتروكيماويات فإن رفع الفائدة وبالتبعية سعر الدولار سيزيد من تكلفة الاقتراض عليها، كذلك الأمر نفسه مع شركات الاتصالات والمعادن.
وبحسب تقارير اقتصادية فإن العوائد المرتقبة في محافظ الإقراض المتغيرة في البنوك ستسجل ارتفاعا في سعر الفائدة، إلا أن هذه الفائدة تتقلص في محافظ الإقراض الثابت، حيث ستلعب البنوك دورا في تشكيل نسبة الإقراض للمحفظة الثابتة من نسبة المحفظة ذات العائد المتغير، في حين تتجه تكلفة تمويل الشركات للارتفاع، الأمر الذي سيحدث ضغطا على أسواق الأسهم، وذلك بسبب تحمل الشركات تكلفة أعلى في تمويل ذاتها.
النفط يرتفع رغم تباطؤ الطلب العالمي
ونجح الاقتصاد الأميركي بعد الأزمة المالية في 2008 في الخروج منها تدريجيا، وكانت قد أثرت وبشكل كبير على اقتصاد الولايات المتحدة الأميركية، وارتفع معها معدل البطالة، الأمر الذي دفع البنك المركزي إلى اتخاذ حزمة من الإجراءات، في مقدمتها خفض معدل الفائدة، الذي دفع البنوك لشراء سندات للحفاظ على تكاليف الإقراض طويلة الأجل منخفضة، إضافة إلى أن هذا الإجراء دفع أصحاب الأعمال للاقتراض وإنفاق الأموال لخلق فرص عمل جديدة.
وكانت الولايات المتحدة الأميركية اتخذت جملة من الإجراءات للعودة باقتصادها للمقدمة، وهذه القوة ستنعكس على الأسواق الناشئة من خروج الاستثمارات وتدهور عملاتها، بعد قرار رفع أسعار فائدتها بمستوى عالٍ للإبقاء على الودائع بعملتها المحلية لتجتذب استثمارات في أسواق السندات لديها.
ردود أفعال عنيفة من أسواق المال على القرار
السيناريو الثاني هو أن يؤدي رفع سعر الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى رد فعل عنيف في الأسواق المالية، ويمكن لهذا أن يؤدي إلى هروب رؤوس الأموال "وخاصة من الأسواق الناشئة"، وأن يؤدي أيضاً إلى تشديد السياسة النقدية العالمية، وبالتالي ضعف النمو العالمي، ويمكن لهذه الآثار أن تمتد إلى الاقتصاد الأمريكي عن طريق التجارة والروابط المالية، ويمكن تخيل حدوث هذا السيناريو إذا لجأ بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع أسعار الفائدة بوتيرة أسرع من توقع الأسواق.
هناك خطر تحقق السيناريو الثاني فعلياً لسببين، أولاً، في المرات السابقة الثلاث التي تم فيها رفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، أساءت الأسواق تقدير السرعة التي شدد بها البنك الفيدرالي أسعار الفائدة، ومن الممكن أن تكرر الأسواق إساءة التقدير هذه المرة.
هبوط حاد في أسعار الذهب بعد رفع أسعار الفائدة في أمريكا
تشير توقعات الكثير من البنوك الاستثمارية إلى أن عام 2016 سيكون عاماً صعباً آخر للذهب وسط انخفاض معدلات التضخم في كثير من دول العالم المتقدم وارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة.
ويتوقع "سوسيتيه جنرال" أن يكون الذهب ضحية لرفع سعر الفائدة٬ ليقع تحت مستوى ألف دولار للأونصة٬ حتى يصل بنهاية عام 2016 إلى 955 دولاراً للأونصة.
وقال بنك أوف أميركا ميريل لينش٬ إنه يتوقع انزلاق سعر الذهب إلى 950 دولاراً في العام المقبل في وقت مبكر نتيجة لارتفاع معدل الفائدة القادم من الولايات المتحدة.
ويرى جيمس ستيل٬ المحلل المالي في بنك “HSBC ” إن الذهب سينخفض كرد فعل أولي على ارتفاع الفائدة٬ ولكن رفع أسعار الفائدة سيعقبها على المدى القصير عمليات بيع قصيرة الأجل للدولار؛ مما يدعم أسعار الذهب نسبياً.
وفي أوائل شهر يوليو الماضي٬ قال جيفري كوري٬ المحلل بـ”غولدمان ساكس” الذي نصح المستثمرين بالبيع في عام 2013 قبل أكبر انهيار في أسعار المعدن الأصفر خلال ثلاثة عقود إنه يتوقع تراجعا كبيرا في تجارة الذهب سيؤدي إلى وصول الأسعار بالقرب من ألف دولار للأوقية.
وأضاف جيفري في مذكرة بحثية صدرت في يوليو: “نعتقد أننا في سوق هابطة٬ ليس فقط في الذهب٬ ولكن في جميع أنحاء مجمع السلع العالمية٬ مما يخلق حلقة سلبية مفرغة في أسواق السلع والمعادن الدولية”.
قفزة جنوينة في أسعار النفط على خلفية صدور القرار
ورغم التوقعات المتشائمة حول مستقبل أسعار الذهب٬ تظهر البيانات التاريخية أن هذا ليس الوقت الذي يستدعي بدء سرد الأقاويل حول “المستقبل الأسود” للمعدن الأصفر٬ فتدفق الذهب من صناديق الاستثمار المتداولة لا يزال مستمراً.
وبلغ مجموع حيازات الذهب لدى صندوق ” SPDR Gold Trust” أكبر صناديق المؤشرات العالمية المدعومة بالذهب نحو 634.63 طن٬ بنهاية الأسبوع الماضي٬ انخفاضاً من 638.8 طن في الأسبوع السابق.
ويرى بعض المحللين أن البيانات التاريخية تظهر مسيرات جيدة للذهب خلال دورات رفع الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي، وكان آخر تلك المسيرات بين منتصف عام 2004 ومنتصف عام ٬2006 عندما قفز الذهب فوق 700 دولار من 400 دولار٬ في حين رفع البنك المركزي الأميركي سعر الفائدة نحو 17 مرة متتالية.
ورغم أن التصور العام هو أن الذهب سيفقد بريقه كلما ارتفعت أسعار الفائدة الأميركية٬ فذلك لم يكن صحيحا في الماضي، وبمتابعة معدلات الفائدة في الولايات المتحدة على مدى السنوات الـ20 الماضية٬ نرى أن أسعار الذهب تتحرك صعودا خلال اتجاه صعودي مستمر في أسعار الفائدة الأميركية. وفي أعوام 1999 و1994 و2004 ارتفعت أسعار الذهب ما بين 5 إلى 10%، في ستة أشهر بعد أول وثاني رفع لسعر الفائدة.
ترقب حذر في الدول الخليجية بعد قرار المركزي الأمريكي
في معظم البلدان، لا يعد رفع معدلات الفائدة أمراً ساراً، لاسيما أنها تعيق النمو الاقتصادي عبر تراجع الاستهلاك والاستثمار، لكن الأمر هذا يختلف بالنسبة لمعظم البلدان الخليجية.
وعندما رفع مجلس الاحتياطي الفدرالي الأمربكي، سعر الفائدة آخر مرة خلال 2004، كان سعر برميل النفط الواحد يعادل 35 دولاراً، أي قريباً جداً من مستوياته الحالية.
وخلال تلك الفترة، لم يكن يقلق صناع السياسة والمحللون في الخليج حيال رفع سعر الفائدة وفق ما هو معتاد، بل كانت مخاوفهم من أن يقضي انخفاض النشاط الاقتصادي عالمياً على تصاعد أسعار النفط.
وقبل ذلك بعامين، تضاعفت الأسعار تقريباً حتى بلغت أعلى مستوياتها قبل أيام قليلة فقط من رفع سعر الفائدة، محققةً 37 دولاراً للبرميل الواحد.وثبُت مع مرور الوقت أن لا أساس من الصحة لمخاوف دول الخليج، إذ واصلت أسعار النفط ارتفاعها، وتضاعفت من جديد في العامين الماضيين.
نتيجة لذلك، زاد الإقراض بشكل كبير في المنطقة رغم ارتفاع الأسعار، ما يؤكد على أن معدلات الفائدة تلعب دوراً هامشياً بالمنطقة، في حين أن الطريقة التحليلية التي استخدمت خلال 2004 يمكن تطبيقها اليوم، وما اتفقت دول المنطقة على أهميته هو سعر النفط، وليس معدلات الفائدة.
إلى ذلك، تشكل ثقة المستثمرين والإنفاق الحكومي الدوافع الرئيسية للائتمان في الخليج، ويحددهما معاً إيرادات النفط، ويشهد استهلاك الأسر ترابطاً قوياً مع الرواتب، في منطقة تستقطب الوظائف الحكومية معظم المواطنين، إذ تبلغ نسبتهم في الكويت 80%، والسعودية والإمارات 90%.
الأمر ذاته ينطبق على الودائع الحكومية في البنوك الحكومية، والمشروعات الاستثمارية التي تقودها الدولة، حيث تعتبر من الدوافع الرئيسية لإقراض الشركات، وجميعها تعتمد على قدرة الحكومة على توليد الدخل، والنفط الذي يمثل 85% من إيرادات دول المنطقة.