صندوق النقد يكشف أسرار اتفاقه مع مصر.. وشروطه لحصول السيسي على القرض كاملا
وافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، أمس، على عقد اتفاق ممدد مع مصر لفترة ثلاث سنوات تستفيد فيها من "تسهيل الصندوق الممدد" (EFF) بقيمة تعادل 8.579 مليار وحدة حقوق سحب خاصة (حوالي 12 مليار دولار أمريكي، أو 422% من حصة عضويتها)، لدعم البرنامج الوطني الذي وضعته السلطات المصرية لإصلاح الاقتصاد.
وأضاف المجلس، في بيانه، أنه سيساعد البرنامج الذي يدعمه تسهيل الصندوق الممدد على استعادة استقرار الاقتصاد المصري وتشجيع النمو الاحتوائي، وتهدف السياسات التي يدعمها البرنامج إلى تصحيح الاختلالات الخارجية واستعادة التنافسية، ووضع عجز الموازنة والدين العام على مسار تنازلي، وإعطاء دفعة للنمو وخلق فرص العمل مع توفير الحماية لمحدودي الدخل.
وتتيح موافقة المجلس التنفيذي لمصر اقتراض مبلغ فوري قدره 1.970 مليار وحدة حقوق سحب خاصة (حوالي 2.75 مليار دولار أمريكي)، مع صَرف بقية المبلغ على مراحل خلال مدة البرنامج، رهنًا بإجراء خمس مراجعات في تلك الأثناء.
تحديات الحكومة للحصول على القرض كاملا
وعقب مناقشة المجلس في هذا الخصوص، أدلت كريستين لاجارد، مدير عام الصندوق ورئيس مجلسه التنفيذي، بالتصريح التالي: "أعدت السلطات المصرية برنامجا اقتصاديا وطنيا سيدعمه الصندوق من خلال (تسهيل الصندوق الممدد)، من أجل معالجة التحديات طويلة الأمد في الاقتصاد المصري".
وتتضمن هذه التحديات، بحسب الصندوق، "مشكلة في ميزان المدفوعات تتمثل في سعر الصرف المبالغ في تقييمه، ونقص العملة الأجنبية؛ وعجز الموازنة العامة الكبير الذي أدى إلى تصاعد الدين العام؛ والنمو المنخفض المصحوب ببطالة مرتفعة.
وأضافت "لاجارد"، أن السلطات تدرك أنه من الضروري الالتزام الصارم بحزمة السياسات وفق البرنامج الاقتصادي من أجل استعادة ثقة المستثمرين، وتخفيض العجز إلى خانة الآحاد، وإعادة بناء الاحتياطيات الدولية، وتعزيز الموارد العامة، وتشجيع النمو بقيادة القطاع الخاص.
ووفقًا لبيان الصندوق، "كان تحرير نظام سعر الصرف وتخفيض سعر الجنيه المصري خطوتين أساسيتين نحو استعادة الثقة في الاقتصاد والتغلب على نقص العملة الأجنبية، وسيكون نظام سعر الصرف الجديد مدعومًا بسياسة نقدية ذات طابع انكماشي حذر، لتثبيت توقعات التضخم، واحتواء ضغوط الطلب المحلي والخارجي، والسماح بتراكم احتياطيات النقد الأجنبي".
وتابع البيان، أنه "يعتبر تحقيق خفض كبير في عجز المالية العامة، ومن ثم وضع الدين العام على مسار تنازلي واضح، بمثابة هدف مهم في برنامج السلطات المصرية"، لافتًا إلى أنه "لتحقيق هذا الهدف، تتمثل أهم إجراءات السياسة في تطبيق ضريبة القيمة المضافة، وتخفيض دعم الوقود، والوصول بفاتورة الأجور في القطاع العام إلى المستوى الأمثل".
وأوضح الصنوق، أنه "لتخفيف أثر الإصلاحات على الفقراء، تنوي السلطات استخدام جزء من الوفر المحقق في المالية العامة لتقوية شبكات الأمان الاجتماعي، ومن المتوقع أن يؤدي الضبط المخطط لأوضاع المالية العامة إلى تخفيض الدين العام بحوالي 10 نقاط مئوية من إجمالي الناتج المحلي مع نهاية البرنامج".
وأردف البيان: "للإصلاحات الهيكلية دور أساسي في نجاح البرنامج. والهدف منها هو معالجة العقبات الهيكلة المتجذرة التي تعوق النمو وخلق فرص العمل، وخلق بيئة مواتية لتنمية القطاع الخاص، وتتضمن مجالات الإصلاح الأساسية منح التراخيص للأعمال، والأطر الحاكمة لإجراءات الإعسار؛ وإدارة المالية العامة، بما فيها المؤسسات المملوكة للدولة؛ وإصلاح قطاع الطاقة ونظام الدعم؛ وإصلاح سوق العمل لخلق الوظائف وزيادة المشاركة في سوق العمل، وخاصة بين النساء والشباب".
وشدد الصندوق على أن "هناك مخاطر كبيرة تحيط بتنفيذ البرنامج، ولكن ما يخفف من حدتها هو حزمة السياسات القوية، والتركيز في البداية على إجراءات أساسية يتم تنفيذها كإجراءات مسبقة، والتأييد السياسي الواسع لأهداف البرنامج والجهود الطموحة على صعيد السياسات".
سر طلب مصر للقرض
وعرض الصندوق خلفيات قبوله دعم السلطات المصرية في الوقت الحالي، والتي جاءت كالتالي:
"تأثر الاستثمار المصري كثيرا بالتطورات السياسية والإقليمية منذ عام 2011. فقد تراكمت الاختلالات الاقتصادية الكلية بسبب التحديات الهيكلية الأساسية وامتداد فترة التحول السياسي. وأدى تقييم سعر الصرف المبالغ فيه إلى حد كبير إلى إضعاف التنافسية واستنزاف الاحتياطيات. ومع اقتران الإيرادات الضعيفة والدعم غير الموجه بدقة إلى المستحقين وفاتورة الأجور المتنافية في القطاع العام، زاد العجز وارتفع مستوى الدين العام.
وبدأت السلطات إجراءاتها لتعديل السياسات في 2014/2015. فخفض البنك المركزي سعر الجنيه المصري بنحو 5% ورفع أسعار الفائدة لاحتواء الضغوط التضخمية. وتم رفع أسعار الوقود والكهرباء، ووضع خطة مرحلية لإلغاء الدعم على هذه البنود. ونتيجة لذلك انخفضت فاتورة الدعم بنسبة 3% تقريبا من إجمالي الناتج المحلي في السنة المالية 2014/2015. وبالإضافة إلى ذلك، تم إعداد قانون للخدمة المدنية واتخاذ قرار بإحلال ضريبة القيمة المضافة محل الضريبة العامة للمبيعات. غير أن زخم الإصلاح تباطأ في عام 2015/2016. وتم تأجيل الزيادات المخططة في دعم الوقود، وتخفيض ضرائب الدخل، وتأجيل ضريبة الكسب الرأسمالي، وتأخير نظر مجلس النواب في ضريبة القيمة المضافة حتى عام 2016/2017.
وقد تباطأ النمو في 2015/2016، بينما ارتفع التضخم وزادت حدة مواطن الضعف الخارجية. وتشير التقديرات إلى نمو الاقتصاد بمعدل 3.8% في 2015/2016. وتعرض قطاع التصنيع لمعوقات بسبب نقص العملة الأجنبية وسعر الجنيه المبالغ في ارتفاعه، بينما أصيبت السياحة بضرر كبير من جراء القلق الأمني. وتكثفت الضغوط التضخمية في النصف الثاني من العام. فزاد ارتفاع عجز الحساب الجاري، وبلغت الاحتياطيات في يونيو 2016 ما يعادل حوالي 3 أشهر من الواردات المتوقعة. ولم يؤد تخفيض سعر الصرف الرسمي بنسبة 13% في مارس 2016 إلى استعادة توازن السوق، وظلت الضغوط قوية على سعر الصرف والاحتياطيات. ومع نهاية سبتمبر، كانت علاوة السوق الموازية قد تجاوزت 30%، وأشارت التقديرات إلى أن سعر الصرف الرسمي مبالغ في ارتفاعه بحوالي 25% بالقيمة الفعلية الحقيقية".
ملخص البرنامج
سيعمل البرنامج الذي وضعته السلطات المصرية ويدعمه اتفاق للاستفادة من "تسهيل الصندوق الممدد" على معالجة جوانب الضعف الاقتصادية الكلية وتشجيع النمو الاحتوائي وخلق فرص العمل.
ويقوم البرنامج على ركائز أساسية:
إجراء تعديل كبير في السياسات، بما في ذلك (1) تحرير نظام الصرف الأجنبي للتخلص من نقص العملة الأجنبية وتشجيع الاستثمار والصادرات؛ (2) انتهاج سياسة نقدية تهدف إلى احتواء التضخم؛ (3) القيام بإجراءات للتقشف المالي تضمن وضع الدين العام على مسار مستدام؛ (4)تقوية شبكة الأمان الاجتماعي عن طريق زيادة الإنفاق على دعم السلع الغذائية والتحويلات النقدية؛ وإجراء إصلاحات هيكلية واسعة النطاق تدفع إلى تحقيق نمو احتوائي بمعدلات أعلى، وزيادة فرص العمل للشباب والنساء؛ والحصول على تمويل خارجي جديد لسد الفجوة التمويلية.
وفيما يلي عناصر البرنامج الرئيسية:
1- سياسة سعر الصرف والسياسة النقدية وسياسة القطاع المالي: قام البنك المركزي المصري في 3 نوفمبر الجاري بتحرير نظام سعر الصرف واعتماد نظام صرف مرن. وسيؤدي الحفاظ على نظام سعر الصرف المرن، الذي يتحدد فيه سعر الصرف تبعا لقوى السوق، إلى تحسين تنافسية مصر الخارجية، ودعم الصادرات والسياحة، وجذب الاستثمار الأجنبي. وسيسمح هذا للبنك المركزي بإعادة بناء احتياطياته الدولية. وستركز السياسة النقدية على احتواء التضخم بتخفيضهإلى معدل في منتصف خانة الآحاد على المدى المتوسط. وسيتحقق هذا بالسيطرة على الائتمان المقدم للحكومة والبنوك وتعزيز قدرة البنك المركزي على التنبؤ بالسيولة وإدارتها وتحسين الشفافية والتواصل. ولدعم سلامة القطاع المصرفي وتشجيع المنافسة، سيراجع البنك المركزي نموجه الرقابي في ضوء أفضل الممارسات الدولية، بما فيها مبادئ اتفاقية بازل الثالثة.
2- سياسة المالية العامة، والحماية الاجتماعية وإدارة المالية العامة: ستكون ركيزة سياسة المالية العامة هي وضع الدين العام على مسار تنازلي واضح وإعادته إلى مستويات يمكن الاستمرار في تحملها. ومن المتوقع أن تزداد الإيرادات الضريبية بنسبة 2.5% من إجمالي الناتج المحلي على مدى فترة البرنامج، وهو ما يرجع في معظمه إلى تطبيق ضريبة القيمة المضافة التي وافق عليها مجلس النواب في أغسطس الماضي. وفي نفس الوقت، سيتم تخفيض النفقات الأولية بنسبة 3.5% بسبب تخفيض الدعم واحتواء فاتورة الأجور. وكان زيادة أسعار الوقود التي أعلنت في 3 نوفمبر الجارية خطوة مهمة في هذا الاتجاه.
سيتم تعزيز برامج الحماية الاجتماعية لتخفيف أثر عملية الإصلاح. وفي هذا السياق، سيتم توجيه نسبة من الوفر المحقق في المالية العامة تبلغ حوالي 1% من إجمالي الناتج المحلي إلى زيادة الدعم على السلع الغذائية، والتحويلات النقدية للمسنين والأسر محدودة الدخل، وغيرها من البرامج الاجتماعية الموجهة للمستحقين، بما في ذلك زيادة الوجبات المدرسية المجانية. والهدف من ذلك هو تنفيذ البرامج التي تقدم دعما مباشرا للأسر الفقيرة كبديل لدعم الطاقة غير الموجه بدقة إلى المستحقين.
يركز البرنامج أيضا على تعزيز إدارة المالية العامة (PMF) وشفافية المالية العامة. وتتضمن الإصلاحات المخططة في هذا المجال مراجعة الأداء التشغيلي للسلطات الاقتصادية بصفة منتظمة؛ وتحسين الإشراف على الضمانات الصادرة عن الحكومة من خلال إعداد التقارير؛ ووضع خارطة طريق لإصلاحات معاشات التقاعد؛ وإعداد كشف ميزانية يوضح تطورات الاقتصاد والمالية العامة وتقديمه لمجلس النواب مع كل موازنة عامة.
3- الإصلاحات الهيكلية والنمو الاحتوائي: سيساعد البرنامج على معالجة التحديات المزمنة التي يمثلها النمو المنخفض والبطالة المرتفعة. وتتضمن الإجراءات المزمعة ترشيد إصدار التصاريح الصناعية لكل منشآت الأعمال، وإتاحة مزيد من فرص التمويل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، ووضع إجراءات جديدة للإعسار والإفلاس. وسيتم تشجيع برامج الوساطة في مجال توظيف العمالة وبرامج التدريب المتخصص للشباب. ولدعم مشاركة المرأة في سوق العمل، ستتم زيادة دور الحضانة العامة وتحسين أمان المواصلات العامة.