"نادي القضاة" يشعل "فتنة" تعديلات قانون الإجراءات الجنائية بعد انتهائها منذ 15 شهرًا
- النادي يعيد طرح 4مواد سبق وأن رفض تعديلها من قبل "الأعلى للقضاء"
و"مجلس الدولة" و"المحامين".
- المواد أشعلت خلافات بين الهيئات والجهات القضائية مجددا..
وعضو القضاء الأعلى: "سماع الشهود" أبرز مواد الخلاف.
أشعل نادي القضاة برئاسة المستشار محمد عبدالمحسن، فتنة مشروع
تعديلات قانون الإجراءات الجنائية والتقاضي، مجددا، بين عدة جهات قضائية، بعد أن هدأت
منذ نحو 15 شهرا وتحديدا منذ أغسطس 2015، برفض مجلس القضاء الأعلى وقتها برئاسة المستشار
أحمد جمال الدين عبداللطيف، مشروع التعديلات التي أعدها قطاع التشريع بوزارة العدل
وقت تولي وزير العدل المقال أحمد الزند للوزارة.
حيث قام رئيس نادي القضاة خلال الأسبوع الماضي، بالإعلان
عن تشكيل مجلس استشاري يضم جميع أندية قضاة الأقاليم، تحت مسمى "المجلس الاستشاري
لأندية قضاة مصر"، والذي عقد أولى اجتماعاته يوم الجمعة الماضية الموافق 28 أكتوبر
الماضي.
وناقش في أولى اجتماعاته هذه التعديلات مجددا، بل وقام بتشكيل
لجان لمراجعة هذه التعديلات، تمهيدا لعرضها على مجلس القضاء الأعلى والبرلمان لإقرارها،
رغم الأزمات التي حدثت عندما عرض مشروع القانون العام الماضي، ورفض مجلس القضاء الأعلى
لها، واعتراض مجلس الدولة عليها، ورفض قطاع عريض من المحامين لها.
ووفقا للمعلومات التي حصلت عليها "الفجر"، فإن
التعديلات المقترحة شملت 4مواد من أصل 6مواد تم رفضها من قبل، وبذات صياغتها المتسببة
في الأزمة والتي إذا استمرت دون إدخال تعديلات عليها ستتسبب في تجديد الأزمة التي بدأت
ملامحها مبكرا بالفعل بين الجهات، مع استبعاد مادتين، أحدهما طالبت محكمة استئناف القاهرة
بإقرارها.
حيث شمل التعديل الأول المقترح إلغاء إلزام النيابة العامة
الطعن أمام محكمة النقض على الأحكام الصادرة بالإعدام، وذلك بإلغاء نص المادة 486 من
"أحكام وتعليمات النيابة العامة"، والتي تنص على أنه "على النيابة العامة
أن تعرض الحكم الصادر حضوريا بالإعدام على محكمة النقض مشفوعا بمذكرة الطعن وذلك خلال
60 يوما من صدور الحكم".
والثاني تقليص المدة المسموح فيها بالطعن على الأحكام إلى
40 يوما بدلا من 60 يوما، وذلك بتعديل نص المادة 34 من قانون حالات وإجراءات الطعن
أمام محكمة النقض رقم 57 لسنة 1959 والذي نص على أنه، "يحصل الطعن بتقرير في قلم
كتاب المحكمة التي أصدرت الحكم في ظرف ستين يوما من تاريخ الحكم الحضوري أو من تاريخ
انقضاء ميعاد المعارضة أو من تاريخ الحكم الصادر في المعارضة"، ليكون التعديل،
"يحصل الطعن بتقرير في قلم كتاب المحكمة التي أصدرت الحكم في ظرف أربعين يوما...إلخ".
والثالث أن يكون سماع الشهود أمرا جوازيا لرئيس المحكمة وليس
وجوبي، وذلك بتعديل نص المادة 277 من قانون الإجراءات الجنائية والذي ينص على أن،
"يكلف الشهود بالحضور بناء على طلب الخصوم بواسطة أحد المحضرين أو أحد رجال الضبط...إلخ"،
ليكون التعديل، "يجوز للقاضي تكليف الشهود بالحضور أو وفقا لما يرتأيه، بناء على
طلب الخصوم...إلخ".
والرابع تعديل خاص بإعادة الإجراءات للمتهمين الهاربين بعد
القبض عليهم أمام ذات المحكمة، وذلك بأن تصبح الأحكام حضورية بعد إعلان المتهمين وإلغاء
نظام إعادة محاكمة المتهم الغائب أو الهارب من جديد فور القبض عليه، وذلك بتعديل المادة
395 من قانون الإجراءات الجنائية والتي تنص على أنه، "إذا حضر المحكوم عليه من
غيبيه، أو قبض عليه قبل سقوط العقوبة بمضي المدة، يحدد رئيس محكمة الاستئناف أقرب جلسة
لإعادة نظر الدعوى، ويعرض المقبوض عليه محبوسا بهذه الجلسة"، ليكون التعديل،
"يصبح الحكم حضوريا على المحكوم عليه من غيبيه إذا أعلن بالحكم".
فيما تم استبعاد مقترح إصدار قانون بإنشاء محكمة للإرهاب،
لتكون مثل "محكمة الأسرة" أو "محكمة الطفل"، بدلا من "دوائر
الإرهاب" التابعة لمحاكم الجنايات، ومقترح إلغاء الطعن على أحكام الجنح أمام محكمة
النقض، بشكل كامل، من خلال إلغاء المادة الخاصة بها في قانون الإجراءات الجنائية.
وتشتعل فتنة الخلافات بين الجهات القضائية مجددا، بداية من
المقترح الأخير الخاص بإلغاء الطعن على أحكام الجنح أمام محكمة النقض، حيث طالبت محكمة
استئناف القاهرة بالنظر فيه، بل وإقراره وعدم تجاهله خاصة بعد أن تم نقل هذا الاختصاص
من محكمة النقض إلى محكمة استئناف القاهرة وحدها، وذلك بموجب التعديلات التي أقرها
البرلمان شهر يوليو الماضي بأغلبية الأعضاء، بشكل مؤقت لمدة 3سنوات، بهدف إسراع التقاضي.
محكمة النقض من جانبها رفضت أن يكون نقل الاختصاصات بشكل
نهائي، وأكدت أن المرحلة الحالية هي مرحلة مؤقتة وليست دائمة، واعتبرت ذلك سحب وانتقاص
لاختصاص من اختصصات محكمة النقض، وهو ما قد يحدث صدام بين محكمة النقض ومحكمة استئناف
القاهرة.
نقطة الخلاف الثانية يوضحها المستشار عادل الشوربجي، النائب
الأول لرئيس محكمة النقض، وعضو مجلس القضاء الأعلى، والذي أكد في بداية حديثه أن مجلس
القضاء لن يتوانى في الموافقة على أي تعديل يحقق المصلحة العامة، ويتوائم مع الأوضاع
المستجدة، مع الالتزام باحترام حق المتقاضين، لأن الحكم يصدر باسم الشعب.
وأضاف المستشار "الشوربجي" في تصريحات خاصة لـ
"الفجر"، أن الخلاف الرئيسي في وجهات النظر المختلفة بشأن المقترح الخاص
بسماع شهود الإثبات بالقضية، حيث أن نص القانون الحالي يلزم سماع شهود الإثبات في درجة
التقاضي الأولى، ودرجة التقاضي الثانية في حالة قبول النقض على حكم أول درجة وإعادة
المحاكمة مجددا.
وأضاف أن هناك فريق يطالب بأن يكون الاستماع لسماع الشهود
"إختياري" لرئيس المحكمة، وفقا لما يراه في أي من درجات التقاضي، وفريق يطالب
بأن يكون إلزامي في أول درجة واختياري في ثاني درجة، وفريق يطالب بالإبقاء على النص
الحالي دون تعديلات.
إلا أن الرأي الأصح وفقا للمستشار "الشوربجي" والذي
يتبناه مجلس القضاء الأعلى، إذا حدثت التعديلات، أن يكون الاستماع للشهود في أول درجة
إلزامي، واختياري بالنسبة للمحكمة في "ثاني درجة"، والاعتماد على أقوال الشهود
في "أول درجة"، وهذا يقلل فترة التقاضي ويحتاج تعديل يسمح للمحكمة بأن لا
تسمع الشاهد وأن تعتمد على سماع أقواله في محضر أول درجة، إلا أن هناك اعتراض شبة كامل
من المحامين على تعديل المادة من الأساس.
وفي سياق متصل، أكد قاضي بارز بمحكمة النقض، أن المقترحات
المعروضة رفضت من قبل لاعتبارها إجراءات استثنائية في القضاء لم تحدث من قبل، وقد تضر
أكثر منها تفيد، وتتنافى مع المبادئ القانونية التي رسختها محكمة النقض، وتهدر المبادئ
المقررة، وأنه لا مجال للقرارات الاستئنائية في القضاء، وفتحت باب الخلافات مجددا داخل محراب العدالة.
مصدر قضائي بارز بمجلس الدولة، أكد أن التعديلات الأربعة
المقترحة، لم تتضمن أي جديد عن التعديلات المطروحة من قبل، حتى الآن، وإذا استمرت على
هذا النحو فإن مصيرها الرفض القاطع أيضا من قبل مجلس الدولة لما يشوبها من عوار دستوري،
مشيرا إلى أن نادي القضاة لم يفتح أي قناة للتواصل والتناقش في التعديلات.
وجهة نظر الأغلبية العظمى من المحامين، وضحها المستشار القانوني
السابق لحركة استقلال جامعة عين شمس، صالح حسب الله، المحامي والباحث القانوني، والذي
أكد أن مقترح تقليص المدة المسموح فيها بالطعن على الأحكام من 60 يوما إلى 40 يوما،
لا يوجد سبب يبررها، وهو يعد إهدار لحق الدفاع ويجعل معه استحالة في الطعن لأن المحكمة
خصصت 30 يوم لوضع حيثيات القضية من قبل القاضي، ومن ثم يستحيل معه فحص الحيثيات وإعداد
مذكرة الطعن في أقل من 10 أيام، كما أنه سيتعارض مع نص المادة 312 من قانون الإجراءات
الجنائية.
وأضاف أن المقترح بتعديل سماع شهادة الشهود ليكون أمرا جوازيا
لرئيس المحكمة، يخالف ضمانات التقاضي المنصوص عليها في الدستور، وليس هذا فحسب بل إنه
يخالف ضمانات التقاضي الدولية في المعاهدات والمواثيق الدولية الموقعة من مصر، مشيرا
إلى أن هذا التعديل لاقى اعتراضا من أعضاء الجمعية العمومية لنقابة المحامين لما في
هذا التعديل من مساس بضمانات التقاضي، فهو يجعل المحاكمات أشبه بالمحاكمات الصورية
وليست بالقانونية.
أما التعديل الخاص بأن جميع الأحكام تعد حضوريا بعد إعلان
المتهمين، فأكد "حسب الله" أنه أمر غاية في الخطورة، حيث أن اعتبار المتهم
الغائب عن المحاكمة حاضرا ويعقبه تعديل مقترح أيضا بعدم الطعن على هذا الحكم أمام محكمة
النقض إذا كانت القضية جنحة، فإن ذلك يهدم فكرة التقاضي على درجتين، كما أنه يهدر حق
التقاضي الذي يعد أحد الثوابت والرواسخ القانونية التي أكدتها محكمة النقض في أحكام
عديدة.