لماذا لم يذكر المسيح الدجال في القران الكريم؟
لماذا لم يذكر المسيح الدجال في القران الكريم على عظم فتنته؟؟
مع العلم ان جميع الانبياء والرسل حذرو اقوامهم وتابعيهم من المسيح الدجال الا انه لم يذكر في القران الكريم..وهو سؤال طبيعي يطرح نفسه ...لماذا لم يذكر الدجال في القران ..وقد ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في احاديثه بشكل مفصل وطول؟؟
السوال قد يخطر على بالنا...والحمدلله ان الجواب موجود ..سبحان الله
الجواب هنا متشعب من وجوه علي التفصيل التالي
أحدها : أنه قد أشير إلى ذكره في قوله تعالى (( يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا )) سورة الأنعام ، الآية 158 .
قال أبو عيسى الترمذي عند تفسيرها : حدثنا عبد بن حميد ، حدثنا يعلى بن عبيد ، عن فضيل بن غزوان ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( ثلاث إذا خرجن لم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا الدجال والدابة وطلوع الشمس من المغرب أو من مغربها )) ثم قال هذا حديث حسن صحيح .
الثاني : أن عيسى بن مريم ينزل من السماء الدنيا فيقتل الدجال ، وقد ذكر في القرآن نزوله في قوله تعالى (( وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه مالهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا )) سورة النساء ، الآيتان : 157 – 159 .
وقد قررنا في التفسير أن الضمير في قوله : قبل موته عائد على عيسى ، أي سينزل إلى الأرض ويؤمن به أهل الكتاب الذين اختلفوا فيه اختلافا متباينا ، فمن مدّعي الإلهية كالنصارى ، ومن قائل فيه قولا عظيما وهو أنه ولد ريبة وهم اليهود ، فإذا نزل يوم القيامة تحقق كل من الفريقين كذب نفسه فيما يدّعيه فيه من الافتراء .
وعلى هذا فيكون ذكر نزول المسيح عيسى ابن مريم إشارة إلى ذكر المسيح الدجال شيخ الضلال ، وهو ضد مسيح الهدى ، ومن عادة العرب أنها تكتفي بذكر أحد الضدين عن ذكر الآخر كما هو مقرر في موضعه .
الثالث : أنه لم يذكر بصريح اسمه في القرآن احتقارا له حيث يدّعي الإلهية وهو ليس ينافي حالة جلال الرب وعظمته وكبريائه وتنزيهه عن النقص ، فكان أمره عند الرب أحقر من أن يذكر وأصغر وأدحر من أن يحكى عن أمر دعواه ويحذر ، ولكن انتصر الرسل بجناب الرب عز وجل فكشفوا لأممهم عن أمره وحذروهم ما معه من الفتن المضلة والخوارق المضمحلة فاكتفى بإخبار الأنبياء ، وتواتر ذلك عن سيد ولد آدم إمام الأتقياء عن أن يذكر أمره الحقير بالنسبة إلى جلال الله في القرآن العظيم ، ووكل بيان أمره إلى كل نبي كريم .
فإن قلت : فقد ذكر فرعون في القرآن ، وقد ادعى ما دعاه من الكذب والبهتان حيث قال (( أنا ربكم الأعلى )) ، وقال (( يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري )) سورة القصص آية 38 .
والجواب : أن أمر فرعون قد انقضى وتبين كذبه لكل مؤمن وعاقل ، وهذا أمر سيأتي وكائن فيما يستقبل فتنة واختباراً للعباد فترك ذكره احتقارا له وامتحانا به ، إذ الأمر في كذبه أظهر من أن ينبه عليه ويحذر منه ، وقد يترك الشيء لوضوحه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته وقد عزم على أن يكتب كتابا بخلافة الصديق من بعده ثم ترك ذلك وقال (( يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر )) .
فترك نصه عليه لوضوح جلالته وظهور كبر قدره عند الصحابة وعلم عليه الصلاة والسلام منهم أنهم لا يعدلون به أحد بعده ، وكذلك وقع الأمر ، ولهذا يذكر هذا الحديث في دلائل النبوة ، وهذا المقام الذي نحن فيه من هذا القبيل وهو أن الأمر أظهر وأوضح وأجلى من أن يحتاج معه زيادة على ما هو في القلوب مستقر ، فالدجال واضح الذم ظاهر النقص بالنسبة إلى المقام الذي يدّعيه هو الربوبية فترك الله ذكره والنص عليه لما يعلم تعالى من عباده المؤمنين أن مثل هذا لا يهدهم ولا يزيدهم إلا إيمانا وتسليما لله ورسوله وتصديقا بالحق وردا للباطل ، ولهذا يقول ذلك المؤمن الذي يسلط عليه الدجال فيقتله ثم يحييه ، والله ما ازددت فيك إلا بصيرة . أنت الأعور الكذاب الذي حدثنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم شفاهاً ، وقد أخذ بظاهره إبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه الصحيح عن مسلم ، فحكى عن بعضهم أنه الخضر ، وحكاه القاضي عياض عن معمر في جامعه .
وقد قال أحمد في مسنده وأبو داود في سننه ، والترمذي في جامعه بإسنادهم إلى أبي عبيدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( لعله يدركه من رآني وسمع كلامي )) .
وهذا مما قد يتقوى به بعض من يقول بهذا ، ولكن في إسناده غرابة ، ولعل هذا كان قبل أن يبين له صلى الله عليه وسلم من أمر الدجال ما بُيّن في ثاني الحال ، والله تعالى أعلم