محمد فوزي .. ليلة بكت فيها الموسيقى العربية
مع شروق شمس الغد تكون قد مرت خمسون عامأً على رحيل الفنان محمد فوزي ، حمل فوزي الرقم 21 بين أشقائه الخمس و عشرون وهو من واليد محافظة الغربية في أغسطس 1918، وعلى رغم من ضحكته و الحانه المرحة إلا أن حياته كانت في غاية الصعوبة ،وقابلت الدولة فنه و عطائه بمنتهى القسوة في التعامل مع هذا الفنان العملاق تأخر صدور قرار علاجه على نفقة الدولة لمدة اربع سنوات كاملة ، وهي نفس الدولة التي قامت بتأميم شركة الأسطوانات المملوكة لفوزي مع تحويل أسمها من مصر فون الى شركة صوت القاهرة و الغريب أن الدولة أمتنعت في نفس التوقيت عن تأميم شركة الأسطوانات المملوكة للموسيقار محمد عبد الوهاب والتي كانت تحمل أسم "كايروفون "
لم يكن محمد فوزى من الأغنياء فهو ابن أحد القرى الفقيرة في دلتا مصر ،ولم يكن له حظ كبير في التعليم ،فبعدما أنهى دراسته الإبتدائية جذبه عالم الموسيقى بفضل صول مطافي يدعى محمد الخربوطلي ،الذي كان له الفضل في تعليم فوزي الأساسيات الأولى في الموسيقى ، وبعدما قرر مغادرة بلدته و الحضور الى القاهرة أتجه الى الغناء في كازينو بديعة مصابني الذي كأن بمثابة مدرسة تخرج منها غالبية الفنانين اللامعين في تلك الفترة
.
و يكمن سر تميز موسيقى فوزي في كونه الحالة الوسطية بين كلاسيكيات عبد الوهاب و فريد و الموسيقى الشعبية التي كان يقدمها كارم محمود و عبد العزيز محمود، فهو صاحب مدرسة مستقلة ،وعلى الرغم من أن غالبية الفنانين في عصره كانوا يستثمرون في العقارات أو الأنشطة التجارية، إلا أن فوزي قرر أن يستثمر كلما جمعه في مشواره الفني ليؤسس شركة مصر فون لإنتاج الأسطوانات برأسمال أقترب من الثلاثمائة اللف جنيه هادفاً بمشروعه المبتكر هذا إلى ضرب الاحتكار الأجنبى لسلعة حيوية هى الاسطوانات الموسيقية والإنتاج الغنائى وبالفعل أفتتح فوزي شركته في أحتفالات ثورة يوليو في سنة 1958 و قام بأفتتاح المشروع وزير الصناعة الدكتور عزيز صدقى ، وحددت الشركة سعر بيع الأسطوانه بخمسة وثلاثين قرشاً وكانت الأسطوانات غير قابلة للكسر ويمكن استخدامها على الوجهين فتتسع لأعنيتين بينما كانت أرخص اسطوانة مستوردة فى ذلك الوقت بجنيه كامل ولا تستوعب إلا أغنية واحدة وقابلة للكسر
كانت بداية الشركة مع كوكب الشرق أم كلثوم، ووضع فوزي نظاماً جديداً فى التعاقدات مع المطربين ولم يكن معمولاً به من قبل،أذ كان الفنان يحصل بمقتضاه على نسبة من إيراد بيع الاسطوانات التى تنتجها له الشركة وبدأ تطبيق هذا النظام مع أم كلثوم. كان المتبع من قبل عند سيطرة شركات الاسطوانات الأجنبية على السوق فى مصر أن يمنح الفنان مبلغاً معيناً من المال مقابل حق استغلال أغانيه ومهما تحقق هذه الأغانى من الإيرادات والأرباح
و بعد تأميم شركة فوزي سنة 1961، قررت الحكومة صرف راتب شهرى مائة جنيه ، ليبدأ المرض في التفشي بجسد محمد فوزي ، وأحتار الأطباء في تشخيص المرض حينها أذ لم يصب بذلك المرض سوى خمس أشخاص على مستوى العالم ، وهذا المرض عُرف بعد وفاته بأنه سرطان العظم و مع شعور فوزي بدنو الاجل في ألمانيا فكتب رسالة أخيره عبر من خلالها عن حالته المرضية التي أحتار الأطباء في تفسيرها و فقدانه الوزن بصورة غريبة , مؤكداً على كونه لا يخاف الموت واختتم الرسالة بالقول بأنه لا يريد الدفن في نفس يوم كتابة الرسالة و أوصى بدفنه في اليوم التالي و تنطلق الجنازة من ميدان التحرير ، و المثير بحق أن ما شعر به محمد فوزي كان صحيحًا إذ وافته المنيّة في اليوم نفسه الذي كتب فيه رسالته وهو الخميس 20 أكتوبر 1966، عن عمر ناهز الـ 48 عاما.