حسين معوض يكتب: دعم الدولار
باب خفى من الأبواب التى تمتص دم و موارد الدولة.. دعم الجنيه فى مواجهة الدولار..
والمفارقة أن قيمة هذا الدعم ترتفع نظريا كلما ارتفعت قيمة الاحتياطى النقدى من الدولارات فى البنك المركزى، وترتفع قيمة هذا الدعم ايضا كلما زاد الفارق بين سعر الدولار الرسمى والدولار الاسود.
مثلا نحن نحتفظ بأكثر من 20 مليار دولار احتياطى نقدى، سعر الدولار فيها رسميا الآن 8.9 جنيه، وسعر نفس الدولار فى السوق السوداء 14 جنيها، بفارق أكثر من 5 جنيهات، ما يعنى أن على الدولة دعم كل دولار تملكه بـ5 جنيهات لأنها تمنح البنوك دولاراتها بالسعر الرسمى والبنوك تمنح المستوردين نفس الدولارات بالسعر الرسمى، بينما يتعامل السوق مع الدولار بالسعر الاسود.. النتيجة أن قيمة دعم دولارات الدولة سنويا 100 مليار جنيه، وأعتقد أن قيمة هذا الدعم اكبر اضعاف المرات فالدولة يتم تدوير كل دولاراتها الرسمية من خلال البنوك وبالأسعار الرسمية، وإذا افترضنا أن كل دولارات البلد 70 مليار دولار فقط سنويا، وعلى افتراض ثبات كمية الدولارات ولا قدر الله ثبات فارق السعر يكون فاتورة دعم دولارات الدولة سنويا 350 مليار جنيه.. بالطبع لا يتحمل أى اقتصاد فى العالم مثل تلك الفواتير السوداء.
ولا يملك عاقل أن يطالب محافظ البنك المركزى بعدم السعى لزيادة الاحتياطى حتى لا ترتفع فاتورة دعم الدولار.. فالاحتياطى هو مرآة الاقتصاد ودليل قوته وتأمين فى مواجهة الأيام الصعبة مثل تلك الأيام التى باغتتنا عام 2011، وهو أيضا عنوان قوة الدولة وسيطرتها على الأسواق.
قد يطالب العقلاء محافظ البنك المركزى ببيع الدولار بالسعر العادل مقابل الجنيه حتى يرفع عن كاهل الدولة دفع فواتير غير إلزامية، علما بأن الأسواق والأسعار تتعامل على اسعار السلع بحسبة سعر الدولار الاسود وليس الدولار الرسمى.. اسألوا تاجر الجبنة وبائع الفراخ وفرن العيش وسمسار الشقق، حياتنا ومصروفاتنا نحسبها بسعر الدولار الاسود ولا يذكر التجار ابدا سعر دولار البنك المركزى.
بالطبع هذه الأموال غير منظورة او مرصودة فى باب الدعم فى الموازنة العامة للدولة، تقول الارقام الرسمية ان فاتورة الدعم وصلت خلال العام الحالى إلى 201 مليار جنيه تمثل 24.8 % من جملة مصروفات الدولة.. تقريبا ضعف فاتورة الدعم التى كانت تدفعها الدولة منذ 6 سنوات فقط، وقتها تحديدا فى العام المالى 2009 / 2010 كانت فاتورة الدعم 103 مليارات جنيه وكانت تمثل 28% من مصروفات الدولة، وبالترتيب ارتفعت أموال الدعم فى السنوات التالية إلى 123 مليارا – 150 مليارا – 197 مليارا 229 مليارا – 199 مليارا، والعام الحالى 201 مليار، وكل الأرقام بالمليار جنيه، وكل المليارات لا يدخل بينها حسبة دعم الدولار.
حساباتنا القومية تقول إن دعم دولارات الاحتياطى النقدى فقط 100 مليار جنيه، تساوى نصف فاتورة الدعم المرصودة فى الموازنة.. وتقول حساباتنا النظرية أيضا إن دعم كل دولارات البلد سنويا 350 مليار جنيه أى ضعف قيمة الدعم الرسمى، وتساوى 4 اضعاف فاتورة الدعم سنة 2010.
بالطبع كل الحسابات مبنية على أرقام يوم قاسٍ، الفارق فيه بين الدولار الابيض والدولار الاسود 5 جنيهات، وهو يوم ندعو الله ألا يطول.. وندعوكم لقراءة حساباته الصعبة قبل الحديث عن تعويم الجنيه او تعديل قيمته فى مواجة الدولار، ندعوكم للتفكير قبل التكفير، لا تتركوا عقولكم لمنصات الوهم التى تدعى أن الرغبة الوحيدة فى التعويم هى إغراق المصريين فى الديون.. نحن شعب مديون لأننا لا نجيد لغة الحساب ولا نصدق الارقام ولا نتعامل معها بحياد.