قصر رأس التين شاهداً على نهاية الملكية في مصر
يعد قصر رأس التين في الإسكندرية واحدا من أجمل القصور الرئاسية في مصر وربما من أهمها للدور الذي لعبه في تاريخها حيث كان المحطة الأخيرة، وكان شاهدا علي نهاية الملكية فعلياً في مصر بمغادرة الملك (فاروق الأول) أرض البلاد عقب ثورة 23يوليو 1952م، قبل أن تنتهي تماماً بإعلان الجمهورية وإسقاط الملكية وذلك في 18يونيو عام (1953م).
ورأس التين من أهم أحياء الإسكندرية وأكثرها عراقة وشهرة، ومسمى المنطقة (رأس التين) أو ما كان يُعرف بمسمى (روضة التين) يرجع إلى ما قبل زمن (الحملة الفرنسية) على مصر عام (1798م)، حيث يصف تلك المنطقة العالم الفرنسي (جراتيان لوبير) في دراسته المفصلة عن (مدينة الإسكندرية)، وذلك من خلال العمل الموسوعي الضخم (وصف مصر)، فنجده يذكر: (أما شبه جزيرة الفنار والتي تسمى بالعربية روضة التين، إذ كانت تزرع هناك بنجاح كبير أشجار التين التي تنتج أفخر الثمار، فتغطي الميناء القديم- يقصد الميناء الغربي- بطول يبلغ 2650 متراً بالاتجاه نحو الجنوب الغربي، وتربتها الملحية الفاصلة ليست سوى صخرة جيرية).
كان أول ما أنشأ (محمد علي) بالإسكندرية سراي (رأس التين)، حيث اختار ذلك الموقع بشبه جزيرة (الفنار)، ليشيد أعظم قصوره وأفخمها على الإطلاق، وليجعل منها قصراً صيفياً يدير منه شئون البلاد، حيث فرغ من تشييدها في 22 شعبان عام (1245هـ) (1830م)، وهو الأمر الذي توارثه خلفاؤه من حكام مصر من ولاة وسلاطين وملوك من أبناء (الأسرة العلوية) وحتى قيام ثورة يوليو عام (1952م)، حيث اتخذ كل هؤلاء من ذلك القصر بالإسكندرية مقراً صيفياً لإدارة شئون البلاد.
وكما شهد سراي عابدين مجد (الأسرة العلوية) التي وضع دعائم ملكها محمد علي باشا، شهدت السراي نهاية هذه الأسرة، فكانت مغادرة الملك (فاروق الأول) لأرض مصر من ذات السراي في 26 يوليو من عام (1952م) بعد إجباره على التنازل عن عرش مصر لنجله الأمير (أحمد فؤاد)، وذلك على ظهر اليخت الشهير (المحروسة)، حيث ودعته البحرية المصرية على رصيف سراي قصر (رأس التين)، بإطلاق أعيرة مدافعها تحية وداع لملك مصر السابق لينتهي بذلك عهد حكم (الأسرة العلوية) لوادي النيل (1805- 1953م).
بُني القصر على الطراز الأوروبي الذي كان شائعا في الإسكندرية في ذلك الوقت، نظرا لكثرة الجاليات الأجنبية الموجودة في الإسكندرية في تلك الفترة، وقد استخدم في بناء هذا القصر عمال أجانب ومصريين، وقد بني القصر في أول الأمر على شكل حصن، وكان في مكانه أشجار التين التي كانت موجودة بوفرة في تلك المنطقة، ولذلك سمي قصر رأس التين وظل قصر رأس التين من أهم القصور الملكية، حيث كان مقرا صيفيًا للحكام على مر العصور ينتقلون إليه كل عام خلال فصل الصيف.
ولا يوجد من القصر القديم حاليًا سوى الباب الشرقي الذي أدمج في بناء القصر الجديد، ويتكون من 6 أعمدة جرانيتية تعلوها تيجانًا مصرية تحمل عتبًا به سبعة دوائر على هيئة كرون من النحاس كتب بداخلها بحروف نحاسية آية قرآنية وكلمات مأثورة عن العدل مثل (العدل ميزان الأمن) – (حسن العدل أمن الملوك) – (العدل باب كل خير) – (اعدلوا هو أقرب للتقوى)، ويكتنف هذا العتب من طرفيه تمثالا أسدين، وتتوسطهما كتلة رخامية بها طيور ودروع نسرين متقابلين، وكتب بوسطها اسم (محمد علي) وتاريخ 1261 وما زال موجود حتي الآن.
وقد أعيد بناء قصر رأس التين في عصر الملك فؤاد على طراز يتمشى مع روح العصر الحديث على يد المهندس الايطالى فيروتشى و المهندس حسن باشا العدوي (هو أيضاً الذي بنى قصر الحراملك بالمنتزة)، وتكلف وقتها أربعمائة ألف جنيه وأصبح مشابهًا لقصر عابدين ولكنه أصغر منه الدور الأول العلوي وأهم ما يوجد في الدور الأول العلوي بعد الصعود من سلم التشريفات (الصالونان الملحقان) بقاعة العرش.
ثم قاعة العرش الفسيحة الفخمة، وكانت تسمى سابقا قاعة الفرمانات، وهي أصغر من مثيلتها بقصر عابدين، والمكتب الخاص، ثم طرقة موصلة إلى قاعة الولائم الرئيسية، ثم حجرة المائدة والقاعة المستديرة المقفلة الأبواب، وهي تضاء صناعيًا ومملوءة بنقوش وحليات موزعة بين أرجائها الفسيحة.
وفي جناح الملك فاروق يوجد الحمام الخاص به وهو صورة طبق الأصل من حمام عابدين، وحجرة النوم وحجرة المكتب ثم صالون النظارة ثم الباب السري الموصل لجناح الملكة السابقة، حيث نجد صالون الزينة والمخدع والحمام الخاص وهو يشبه مثيلة في عابدين، ثم بعد ذلك نجد الصالون الكبير الفخم وبه (شرفة كبيرة) تطل على ميناء المحروسة، ثم قاعة الطعام الصغرى.
أما الدور الأرضي فيوجد به صالون الحرملك ذو الأبهة والعظمة وأجنحة الخدم والحاشية، ثم القاعة المستديرة حيث وقع الملك السابق فاروق وثيقة تنازله عن العرش، أما القبو ففيه أيضا الصالة المستديرة الثالثة التي توصل إلى السلم الموصل إلى مرسى الباخرة المحروسة التي غادر عليها الملك فاروق مصر متجها إلى إيطاليا، وكانت هناك محطة السكك الحديدية الخاصة التي تصل إلى داخل القصر والتي كانت مخصصة لانتقالات الملك فاروق.