العرب اللندنية: الخوف من 11 نوفمبر دفع إعلاميين مقربين من "السيسي" لإطلاق مبادرات
قالت صحيفة العرب اللندنية، إن الإعلام المصري بدأ يرسم لنفسه دورا جديدا، ليتحول من”إعلام أزمة”، إلى أداة تدعم الاقتصاد الوطني، بإطلاق مبادرات خيرية واقتصادية في العديد من وسائل الإعلام المحلية، إلا أن هذه المبادرات لم تكن بعيدة عن أهداف وغايات سياسية في ظل دعوات واسعة إلى تنظيم مظاهرات في 11 نوفمبر المقبل، للاحتجاج ضد ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات الفقر.
وأثارت المبادرات الخيرية ردود فعل مختلفة لدى الرأي العام،
وظهر المشهد العام كما لو أن مقدمي البرامج يتسابقون لإطلاق حملات تحظى بتأييد رسمي
ومجتمعي، وكل مبادرة تهدف إلى تحقيق جملة من المنافع، للمواطن العادي، أو للحكومة نفسها،
لكن مصادر مطلعة أكدت أن المبادرات الخيرية جاءت بتوجيهات أمنية، ومن إعلاميين معروفين
بقربهم من النظام المصري والرئيس عبدالفتاح السيسي.
وأطلق الإعلامي عمرو أديب، مقدم برنامج “كل يوم” على فضائية
“أون” قبـل أيـام، مبادرة حملت اسم “الشعب يأمر”، ودعـت الشركات والمصانع والتجار إلى
خفض أسعار السلع دون استثناء، بنسبة 20 بالمئة، على مدار الأشهر الثلاثة المقبلة، لتخفيف
المعاناة عن كاهل المواطنين متوسطي ومحدودي الدخل.
ورأى مراقبون أن نجاح المشاركات والمبادرات المجتمعية الخيرية
لوسائل الإعلام، تخفف بشكل غير مباشر من حدة الانتقاد للنظام والحكومة، لا سيما أنها
جاءت في وقت تعاني فيه أجهزة الدولة من أزمة حقيقية في السيطرة على ارتفاع الأسعار
بشكل جنوني، وتفاقم أزمة نقص الدولار الأميركي، وارتفاع سعره إلى مستويات قياسية، ما
جعل الأصوات الإعلامية التي مازالت تحظى بقبول مجتمعي عناصر فعالة في حل الأزمة، من
وجهة نظر السلطة.
وقالت المصادر إن الشركات ورجال الأعمال تلقوا توصيات أمنية
بتوسيع هذه المبادرة وتبنيها، فحظيت باستجابة واسعة، من قبل العشرات من الشركات والمصانع
الكبرى في السوق المصرية، فأعلنت خفض الأسعار، ابتداء من السبت المقبل، وبدأت إعلانات
هذه المصانع والشركات تتوافد على القناة صاحبة المبادرة، لإعلان مشاركتها فيها على
نطاق واسع.
ويرى محمد شريف، أستاذ الإعلام السياسي بالمعهد العالي للإعلام
وفنون الاتصال بالقاهرة، أن مثل هذه المبادرات “نقطة تحول فارقة في المشهـد الإعلامي”،
وحتى إن كانت تحمـل في طيـاتها مساندة للحكومة بشكل مباشر أو غير مباشر، ولا يمكـن
أن يكـون الإعـلامي بعيـدا عما يجري في مجتمعه أو ينفصل عنـه دون أن يشـارك في حل مشكلاته
بشتى الطرق، لأن ميثاق شرف المهنة يحمّله مسؤولية مجتمعية وأخلاقية.
وقال شريف للصحيفة، إنه لا يمكن إبعاد “الصبغة السياسية بمضامينها
المختلفة” عن بعض هذه المبادرات، خاصة أن عمرو أديب يعد من الإعلاميين المقربين من
الرئيس عبدالفتاح السيسي، وظهر معه في مداخلات هاتفية أكثر من مرة على فضائية “اليوم”،
بل إنه كان يخاطب الشعب من خلاله، لكن الأهم حجم التفاعل الإيجابي مع المبادرة التي
أطلقها.
وأوضح أن مثل هذه المبادرات “تعيد تصحيح أوضاع الإعلام المصري
المتردية”، وتهدف أيضا إلى تحسين صورته أمام المجتمع.
وساعد على نجاح مبادرة أديب، المنصة الإعلامية التي يطل منها،
فقناة “أون”، مملوكة لرجل الأعمال أحمد أبوهشيمة، الذي أصبح أحد وجوه التكتلات الإعلامية
الكبرى في مصر والمدعومة من الجهات السياسية.
وكان من اللافت إعلان العديد من وسائل الإعلام المختلفة،
تلفزيونية وصحافية، تبني ومساندة الحملة، في سابقة نادرة في الإعلام المصري، إذ ليس
من المعتاد أن تؤيد وسيلة إعلامية مبادرة أطلقت على غير شاشتها، أو من خلال صحيفتها،
إلى درجة أن بعض الصحف قررت وضع لوحة شرف على صدر صفحتها الأولى لمن يشارك من الشركات
والمصانع في حملة خفض الأسعار، إلا أن هذا التضامن جاء بتوصيات حكومية، بحسب المصادر،
في محاولة لاسترضاء المواطنين وتقليص الاحتقان الشعبي على زيادة الأسعار وإبعادهم عن
فكرة المشاركة في مظاهرات 11 نوفمبر، قدر الإمكان خصوصا طبقة الفقراء التي يحاول الإخوان
استمالتها باستغلال الأزمة الاقتصادية، والانخراط في مظاهرات مناوئة للنظام.
وبدورها أطلقت الفنانة إسعاد يونس، مبادرة من خلال برنامجها
“صاحبة السعادة”، على فضائية “سي بي سي”، وحملت اسم “صنع بفخر في مصر”، لاقت تأثيرا
قويا عند الرأي العام، إلى درجة أن بعض المصانع المحلية في مجال الأغذية، أعلنت نفاد
منتجاتها، بعد زيادة معدلات البيع بشكل غير مسبوق.
واستهدفت الحملة دعم المنتجات المصرية، والترويج لها في مواجهة
السلع المستوردة من الخارج، كأحد الحلول للتخفيف من حدة أزمة الدولار، التي تعصف بالاقتصاد
المصري.
واعتبر بعض الإعلاميين أن الأهداف السياسية لهذه المبادرات
لا تلغي مصلحة المواطن، ولفتت ليلى عبدالمجيد، عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة سابقا،
إلى أن دخول الإعلام على خط الأزمة الاقتصادية، التي تواجه مصر حاليا “واجب أخلاقي
ومهني”، بل إنه تأخر كثيرا، وأن التحركات الأخيرة لعدد من الإعلاميين بإطلاق مبادرات
إيجابية ستعيد الثقة مرة أخرى في الإعلام برمته، تساعد في القضاء على الصورة الذهنية
التي ترسخت عند البعض بأنه “إعلام يصدّر الأزمات فقط”.
وأشارت للصحيفة إلى أنه “لا يمكن التوقف عند توقيت هذه
المبادرات، لأنها حتى لو كانت تصب في صالح الحكومة، فإنها تحقق أيضا صالح المجتمع كله”،
والجديد أن وسائل الإعلام بدأت تتوحد، وتدعم مبادرات لجهات منافسة لها، ولم يكن ذلك
موجودا من قبل، وبالتالي فإن الواقع يشير إلى أن الإعلام سوف يشهد حراكا شديدا خلال
الفترة المقبلة “نحو توحيد الأصوات الإعلامية للوقوف خلف الدولة ومنع تفاقم أزماتها”.