أول حوار مع "ولاد العم " الغارقين في بحر رشيد
اللمبي: قررت الهجرة لأجل بنتي الرضيعة ولكني فارقت الحياة وإبن عمه: أردت حياه أفضل
إسم السمسار عشماوي ونطالب بمحاكمته
تفاصيل دقائق ما قبل الغرق
دموع وأهات، عيون تبرق، وقلوب منقبضة صراخ، وكراسي عزاء، رضيعه هزيلة نائمة على قدم أمها المتشحة بالسواد، أب ينام بغرفته كي لاترى دموعه النساء، إنه الحزن على ولاد العم محمد وسعد، أحد ضحايا مركب رشيد قدمنا واجب العزاء وتحدثنا مع أفراد المنزل حول تفاصيل رحلتهم وإليكم تخيل لها من البداية إلى أن رقدوا في قاع البحر المتوسط.
البداية
بعدما عقد محمد سعد عبد العظيم صاحب الـ 24 عامًا قراره بالهجرة من مصر ويقصد الدول الأوروبية نظرًا لضيق حالته المادية وقدوم مولودته مريم للدنيا منذ شهر واحد فقط، وطبقًا لما رأه لما رأه من أعمال سينمائية اشتهر أبطالها بعد الهجرة الى أوروبا أو لما سمعه من أصدقائه المهاجرين عن الأموال الطائلة والمكاسب الكثيرة التي يحصلون عليها فضلا عن أجواء أوروبا التي تعد مغريًا خاصًا للشباب في سن ما بعد الثمانية عشر وقبل الـ 26 أو بالأحرى نظرًا لتوجد أخيه في إيطاليا فقد فكر بالأمر يبدأ بمشورة أهله في الأمر.
وبعد إلحاح وتطبيقه للمثل المصري "الزن على الودان أمر من السحر" يوافقون لا نجزم بقول على إمتعاض لأن بعضهم يكون في رغبة أن يرى إبنه صاحب أموال، بعد ذلك يبحث الشاب عن طريق السفر وبالتحري يجد أن شروط الهجرة الشرعية لاتتناسب معه على الإطلاق فلابد من وضع مبلغ بالبنك فضلا عن شروط الحصول على التأشيرة وغيرها يفاجأ بعجزة أمام تحقيق حلمه في عبور المتوسط.
هنا لا يجد أمامه سوى طريق واحد "الهجرة غير الشرعية " وليأخذ أول خطوة في طريقة يبحث عن سمسار البلدة ويجده ويتفق معه على الأموال وتبدأ الرحلة.
الأجرة تصل إلى 60000 جنيها
بعد أن يصل إلى "العشماوي " سمسار الموت في قرية "ميت الغرقا " جلس محمد صاحب إسم الشهرة "اللمبي " أمامه وقد إعتقد أن الهجرة غير الشرعية مناسبة لحالته المادية يفاجئ بكسر أمله من جديد عندما يجد أن أقل سعر لها 20000 وقد تبلغ ستون ولكل منها مميزتها لكن العشماوي لم يخبره أن صاحبة العشرون ألفًا مصيرها إما الغرق أو التسليم كما أنها تستخدم مراكب عفا عليها الزمن.
وقبل أن يطئطئ رأسه ويزفر في ضيق ينظر إليه السمسار ويقول "إيه ماعكش فلوس " فيرد الأخر "العين بصيرة والإيد قصيرة "، يسهلها العشماوي ويحليها بعينه "ماتقلقش إنت إبن بلدي وزي أخويا الصغير أنا بس هاخد عليك شيك أضمن بيه حقي ولما توصل أنا هاخدهم من أهلك " هنا نظر إليه اللمبي في نظرة شكر وعرفان وقام ذاهبًا إلى منزله ليضع زوجته وأبويه أمام الأمر الواقع.
الضحية الأخرى في الطريق
قبل وصوله إلى منزله صاحب الواجهة التي إنتظرت أموال تشطيبها ولكنها لم تأتي، سمع كلاكسات وصوت لأغاني ونداء "إركب أوصلك يابن عمي " "حبيبي ياسعد "، هو سعد عبد العظيم يملك من سنوات العمر اربعة عشر عاما الضحية الثانيه من تلك البلدة بعد أن ركب اللمبي معه يبدأ بينهم الحوار.
"إيه ياعم عملت إيه في موضوع السفر "، "لسه جاي من عند العشماوي أهو "، "وقالك إيه "، "20000 "، "ينهار ازرق طب وهاتجبهومله إزاي "، "لأ منا إتفقت معاه هاكتبله شيك ولما أوصل هادفعهمله "، "طيب ماتشوف المصلحة دي لابن عمك بيقولوا لما أروح بيعلموني وبيدوني 100 يورو كل يوم وبتبقي الحياة عنب "، "طيب هاتصل بيه حالا بس إنت هاتعرف تقنع أبوك "، "هقنعه يعني هقنعه دول 100 يورو في اليوم يابا هما هزار واكل نضيف وشرب نضيف "، وتحدث مع العشماوي وقال له "بتقل عليك معلش يا عمنا " "ولا يهمك بس أبوه يمضي على الشيك ".
وداعًا "ميت الغرقا"
بعد أن تمكن أولاد العم من إقناع الأهل ولم يخبروهم عن موعد الإنطلاق، إجتمعا مساء الأحد على المقهى بعدما إنتهيا من يوم العمل وبدأو يرتبون لخطوات تحقيق الحلم المقبل،ماذا يحتاجون ؟،ماذا يأخذون في رحلتهم، كيف سيعبروا البحر المتوسط، فجأه قام محمد وأمسك بهاتفه "هاكلم أخويا علشان أعرفه إن إحنا رايحين له "، وبعد أن أنهى مكالمته عاد لمجلسه وهو يقول "كله تمام هايستنانه وفرحان " فيرد عليه سعد "طب كلم العشماوي إسأله هانتحرك إمتى " ينظر له اللمبي في دهشة " فيك شئ لله هو اللي بيتصل.. أيوا يا عم عشماوي هنتحرك إمتى ؟؟ " "جهزوا نفسكم هانتحرك بكرا العصر "، بعد أن أغلق الهاتف نظر لسعد وقال "يلا علشان ننام شويه هانتحرك العصر ".
ما قبل الرحيل "مع السلامة يا مصر"
بدون وداع للمنزل بدون أن يخبروا أحدًا، تقابل اللمبي وإبن عمه سعد على موقف المدينة وإنضم إليهم ثلاثة عشر فردًا أخرين أما العشماوي فجاء متمهلًا دقائق ووصل الميكروباص الذي سيقلهم إلى عذاب ماقبل الإنطلاق.
بعد ثلاثة ساعات أو أكثر بقليل وصلا أولاد العم إلى الإسكندرية بأحد القرى الشعبية الساحلية، إستقبلهم رجل عابس قائلًا "تعالوا ورايا " عبر زقاق في زقاق أخر في حارة متعرجه والبيوت حبالها متشابكه دخل بهم إلى بيت ترك فيه الزمن علاماته "هتناموا هنا اليله دي وبكره هاتتحركوا قبل ماتناموا كلوا يطلع بطاقته واي ورق معاه هنا " وبعد أن تجرد الواقفون من هويتهم فتشهم ليتأكد بنفسه مرة أخرى، فتح الباب وخرج ليعود في عصر اليوم التالي.
الثلاثاء "اليوم الدامي"
إقتادهم الذي أباتهم ليلًا بعد كمتين في الغرفه يلا هنتحرك دون أن يعلموا مصيرهم المؤسف تهاتف الموجودون وأبرق الأمل في أعينهم "الحلم سيتحقق أخيرا هنسافر أروبا " إقتادهم ذو الوجه العابس إلى منطقة بها زوارق صغيرة تنقلهم إلى نقطة الإنطلاق، "هاتتحركوا من هنا على رشيد ومن هناك على إيطاليا ".
عددهم كان بالعشرات ركبوا الزوارق الصغيرة وبدأت في نقلهم، وبعد أن وصلوا منطقة البرج برشيد تلقى محمد هاتفًا من والده الحاج سعد، "ركبتوا البحر يا محمد ولا لسه "، "هانركب دللوقتي يابا "،"سعد إبن عمك معاك " "أيوه يابا "، "طيب خلي بالك منه وخلي بالك من نفسك ".
النهاية "إلحقوني"
بعد ساعات أو دقائق كانوا جميعًا فوق المركب البالية التي لاتسع حمولتها سوى 11 شخص فقط ولكن لأجل المال حملت العشرات على متنها برغم أنها لاتبحر فوق العشرين ميل،صمم صاحبها على عبور البحر ليصل إيطاليا وينال الأموال.
الثالثة فجرًا، ميت الغرقا، منزل اللمبي وسعد، جالسين أمام التلفاز وينظرون الإطمئنان على أولادهم فجأه تصرخ مريم صاحبة الأربعون يومًا على يد أمها، يشحب وجه أمها وتنظر إلى حماها في زهول وتقول " محمد غرق يابا"، "غرق ايه يابت تفي من بوقك واقعدي ساكتة" دقائق ويظهر الخبر على الشاشة "غرق مركب هجرة غير شرعية برشيد " "مش قولتلك غرق يابا عريسي غرق يابا، بنتي اتيتميت".
من التلاجة للتراب
في اليوم التالي ذهب أل سعد للبحث عن الشابين الغارقين في سقيع الليل وبعد ثلاثة أيام من الجلوس على الشاطئ، قال أحدهم للحاج عبد العظيم أنا سمعت إنهم لقوا جثث في مستشفى دمنهور، دقائق وكان هو وأخيه في مستشفي دمنهور دخل لعامل الثلاجه "عاوز أشوف الجثث اللي عندك إبني كان في المركب"، إتفضل ياحاج.
بدأ عبد العظيم بفتح الدرج الأول وجد شخصًا لم يعرفه، إطمئن قلبه مع توتر طفيف فتح الثاني لم يجد ولده راح التوتر قليلا فتح الثالث ونظر فيه ثم سند على رمبه والدموع ترغرغ في عينه ووقع على الأرض.
بعدها نقل محمد سعد إلى قريته في سيارة لتكريم الإنسان وتم دفنه وظل البحث جاريًا على سعد إبن عمه.