عبد الحكيم عامر توقع قتله على يد رجال ناصر. وهيكل ظلمه كثيراً
بعد هزيمة يونيه 1967 والاعلان عن انتحار القائد العام للجيش والنائب الأول لرئيس الجمهورية المشير عبدالحكيم عامر، أكدت الممثلة برلنتي عبدالحميد التي كانت متزوجة منه في ذلك الوقت إنها توصلت إلى دليل مادي قوي على قيام أجهزة عبدالناصر بقتله بالسم للتخلص من الحقائق التي بحوزته بشأن أسرار حرب الأيام الستة.
وقالت برلنتي عبد الحميد إن الطبيب الذي حقق في الوفاة الذي تم توصيفه انتحارا، أكد لها أنه مات مسموما وتحقق من ذلك بأدلة مادية لا يمكن دحضها، وأطلعها على صورة التقرير الطبي الأصلي الذي يثبت ذلك.
وأضافت أنها تعرضت شخصيا، في أعقاب ذلك، للاعتقال والاقامة الجبرية لفترة طويلة، وحرمت من رضيعها الذي انجبته من المشير، ولم تكن تجد ثمن الطعام، وان جسدها تعرض للتفتيش من سيدات كان يتم إدخالهن معها في "الحمام" إمعانا في اذلالها.
وعبد الحكيم عامر، المولود في قرية اسطال بالمنيا في صعيد مصر عام 1919 من أقرب أصدقاء عبدالناصر، وشاركه في التخطيط وقيادة انقلاب يوليو 1952 الذي اطاح بالنظام الملكي. وكان نائبا أول لرئيس الجمهورية وقائدا عام للقوات المسلحة عندما شنت اسرائيل حرب الأيام الستة التي انتهت باحتلال سيناء والجولان والقدس والضفة الغربية لنهر الأردن.
واتهم بالمسؤولية وهو ما نفته تماما في حديث سابق لها متهمة عبدالناصر بالمسؤولية، لتهديده بالحرب ضد اسرائيل واغلاقه خليج العقبة وهو يعلم تماما أن جيشه ليس مستعدا، وثلثي قواته في اليمن في حالة انهاك، وأن المعدات والأسلحة لدى الجيش متهالكة.
وقالت إنها قامت بتوثيق أسرار هزيمة يونيه 1967 في كتابها "الطريق إلى قدري.. إلى عامر" معتمدة على وثائق مهمة للغاية احتاجت إلى 700 صفحة، وهو كتاب استغرق مجهودا هائلا، وسافرت من أجله إلى الولايات المتحدة حيث اطلعت على وثائق خطيرة في مكتبة الكونغرس، بعكس كتابها الأول "المشير وأنا" الذي كتبته على عجل بسبب ما كانت تعيشه من ظروف محيطة بها.
و بدأت في جمع وثائق هذا الكتاب بتأنٍ وسرية كاملة، وأخذت ما يلزمه من وقت، قابلت خلاله بعض صانعي قرار الحرب والمشاركين فيه، والذين كانوا في دائرة مناقشاته. واحتاج ذلك مني عامين كاملين، إضافة إلى ما حصلت عليه من مذكرات قادة كانوا في الخط الأول من الجبهة، والمعلومات التي كانت متوفرة عندي بصفتي زوجة المشير عامر القائد العام للقوات المسلحة أثناء حرب يونيه.
و أن أحدا لم يستطع أن يكذب جملة واحدة من الكتاب الذي صدر عام 2002 بسبب ما فيه من معلومات موثقة للغاية، حتى أن الكاتب المعروف أنيس منصور وصفه بأنه "بلع" كل الكتب التي صدرت عن حرب الأيام الستة، وعندما نشر شهود الحرب من القادة مذكراتهم أيدوا ما جاء في هذا الكتاب.
وكشفت أنها حصلت على شهادة مهمة للغاية من الطبيب الذي كتب التقرير الطبي حول وفاة عبدا لحكيم عامر، وكان يعمل في معهد البحوث.
وقالت أيضاً: عرفت ان اسمه "دياب" وأنه في إحدى مدن الصعيد، فاخفيت ملامحي. ارتديت "ايشارب" على رأسي وسافرت إليه وعرفته بنفسي فطلب مني أن أعود إلى القاهرة وسيقابلني فيها. وبالفعل حصل ذلك وأخبرني بأنه بحث عني طويلا، ليخبرني بحقيقة موت زوجي مسموما، وتأكد هو من ذلك بأدلة مادية لا تقبل المناقشة. ثم اطلعني على نص التقرير الطبي الأصلي الذي يثبت أن عامر مات مقتولا مع سبق الاصرار والترصد، وبطريقة ساذجة حيث دسوا له نوعا من السم المميت. وبذلك فقد شهد شاهد من أهله.
واستند استنتاج هذا الباحث بمقتل المشير على قواعد علمية وتحقيقات قام بها مكلفا من الجهات الرسمية.
ووصفت برلنتي كتابات هيكل عن عبدالحكيم عامر بأنها غير عادلة بسبب انتمائه – هيكل – العاطفي لعبد الناصر، كما أنه لا يعرف الكثير عن العلاقة الوثيقة جدا التي جعلت من الاثنين – ناصر وعامر – أشبه بالتوأم، لدرجة أن هناك معلومة بأن الاثنين عندما كانا في كلية الحقوق وحصلا على تقدير ضعيف، استطاع عامر دخول الكلية الحربية اعتمادا على اسم خاله حيدر باشا، ثم توسط لعبد الناصر ليدخل الكلية نفسها.
وقالت إن زوجها عبد الحكيم عامر ووالد ابنها "عمرو"، الذي كان رضيعا لم يتجاوز الشهرين في تلك الأيام، أخبرها بمخاوفه من أن تقوم أجهزة عبد الناصر بقتله للتخلص منه بسبب ما في حوزته من معلومات، كما أن عامر أخبر صلاح نصر – قائد المخابرات العامة في وقت الحرب – بتلك المخاوف.
و عن انتحار المشير عبد الحكيم عامر في 14 سبتمبر 1967، بعد حوالي ثلاثة شهور من انتهاء حرب الأيام الستة مستطردة: توقع بأنهم سيجعلونه كبش فداء للهزيمة، وأن ما يدور في الشارع وفي الاعلام عن تخاذل الجيش وقادته هو بمثابة تحضير لقتله، فعبد الناصر لم يكن ليرضى بأن يتحمل المسؤولية رغم أنه أخطأ عندما أعلن الحرب، فمعظم جيشه كان يحارب في اليمن وأسلحتنا متهالكة، وكنا في ذلك الوقت ننتظر معدات وأسلحة من الاتحاد السوفيتي. لقد أغلق خليج العقبة وهدد بالحرب ظنا منه أن الأمر لن يزيد عن "التهويش" فكان أشبه بمن يريد أن يدعو مجموعة من الناس للعشاء في فندق "الهيلتون" وليس في جيبه سوى خمسة جنيهات.
وأشارت الممثلة إلى أنها لم تتمكن من زيارة عامر أثناء خضوعه للاقامة الجبرية بعد الهزيمة واقالته من مناصبه، لكن الاتصالات ظلت بينهما بطريقة ما، وكان يستطيع تسريب الرسائل إليها.
وقالت إنهم اعتقلوها بعد ذلك شهورا طويلة في مبنى الاستخبارات "عوملت بقسوة ومهانة شديدة بلا ضمير أو دين، وحرموني من ابني الرضيع، رغم أنه لا ذنب لي في الهزيمة ولم أكن أعمل في السياسة. كانوا يدخلون معي سيدات إلى الحمام ليفتشوا في جسمي، وبعد ان افرجوا عني اخضعوني للاقامة الجبرية في شقة الزوجية بحي العجوزة، دون أن يكون معي اي مال اتعيش منه، واضطررت لتسريب راديو ترانزستور الى "البواب" ليبيعه بأربعة جنيهات عشت منها لمدة شهر كامل.
وأضافت: جاءت اجهزة عبد الناصر إلى بيتي كأنهم يشنون هجوما، فتحوا كل شئ، وسرقوا من "الخزانة" مجوهراتي وكانت عبارة عن طاقم فرنساوي، وأخذوا وثائق وأوراق وعبئوها في حقائب. لقد قتلوا المشير ليتخلصوا منه بسبب ما عنده من معلومات، فقد كان يمكنه أن يذهب إلى الاذاعة ليقول للشعب كل شئ ويكشف حقيقتهم.
وعن سبب تعرضها للاعتقال والتعذيب قالت عبدالناصر كان يعرف أن لي حس سياسي وانني استطيع ان اتكلم جيدا فقد كان يحدثني دائما بالتليفون كزوجة للمشير أيام علاقتهما الوثيقة وقبل الهزيمة، ويعرف انني استطيع ان ابرئ زوجي بقوة أمام الشعب واكشف لهم الحقائق التي اخفوها عنهم، ومن ثم رغبوا في أن يخمدوا صوتي.
وأدرك عبدالناصر وقتها أنني أعرف كثيرا من الحقائق، وأنني شاهدة على المكالمات والحوارات التي كانت تجري بينهما خصوصا أنه كان يزونا هنا في هذه الشقة – بحي العجوزة – وكذلك عندما نكون في الاسكندرية، وهو الذي أطلق على ابني اسم "عمرو". لقد كانت علاقة وثيقة لا يستطيع أحد أن يتخيلها، لكن يبدو أن أنياب السياسة أقوى من أي علاقة.
وقالت: ظلوا طوال فترة اعتقالي واقامتي الجبرية يقتلونني معنويا ونفسيا ويقومون باذلالي، كنت في اشد الحاجة للطعام في ظروف بالغة القسوة وفي وقت احتياج ابني عمرو للرضاعة من صدري، لكنهم للأسف لم يقدمون لي شيئا، فكنت اضطر إلى البحث عن اي شئ في البيت لتسريبه للبواب حتى يقوم ببيعه.
كل ما ذكرته السيدة برلنتي عبد الحميد، عكس ما طالعتنا به الصحف المصرية صباح الحادث، سنة1993.