فرح اليهود بقرار وقف إطلاق النار
بقبول الرئيس السادات منفردا بدون التشاور مع حليفه الرئيسى فى المعركة الرئيس السورى حافظ الأسد ، لقرار وقف إطلاق النار، فأنه وضع كل رهاناته فى سلة وزير الخارجية الأمريكى هنرى كيسنجر، وبعد زيارة كيسنجر إلى اسرائيل يوم 22 أكتوبر 1973، ولقائه بقادة اسرائيل ، رصد كيسنجر مدى عمق الصدمة التى تلقاها الإسرائيليون فى الحرب ، ويقول فى مذكراته إن اسرائيل كانت على وشك الانكسار نتيجة فداحة الهزائم فى بداية الحرب ، وان القادة الإسرائيليين الذين قابلهم قد فقدوا ثقتهم بأنفسهم، ولكنه خرج من لقائه معهم بطلب من جولدا مائير رئيسة وزراء اسرائيل بعودة الأسرى الإسرائيليين ، وان الجيش الاسرائيلى يحتاج إلى ثلاثة أيام أخرى لكى يحقق أهدافه على الجبهة المصرية ويستكمل حصاره للجيش الثالث، وعد كيسنجر بمساعدة إسرائيل ومنحها الوقت اللازم لاستكمال أهدافها العسكرية ، وطالب القادة الإسرائيليين بالإسراع فى تنفيذ أهدافهم على الجبهة المصرية.
بدأت القوات الإسرائيلية محاولاتها للسيطرة على مدينة السويس والاندفاع إلى ميناء الأدبية ، وتطويق وحصار الجيش الثالث المصرى ، ويرسل الرئيس السادات عدة رسائل إلى كيسنجر ، وإلى الرئيس الأمريكى نيكسون يناشدهما إجبار إسرائيل على فبول وقف إطلاق النار دون جدوى ، لأن الولايات المتحدة الأمريكية كانت ملتزمة بموقفها تجاه اسرائيل بإنهاء المعركة من مركز قوة وضغط على الجيش المصرى ، وهنا يعود الاتحاد السوفيتى للتدخل ، فيصدر الزعيم السوفيتى ليونيد بريجنيف بيانا يوم 24 أكتوبر فحواه أن الاتحاد السوفيتى سيتدخل منفردا لضمان وقف إطلاق النار الكامل واحترام قرارات مجلس الأمن ، كما قام بريجنيف بإرسال رسالة مباشرة إلى نيكسون يطالبه فيها بضرورة تطبيق قرار وقف إطلاق النار ، وإزاء تصاعد الأزمة بعد التدخل السوفيتى الذى عززه صلابة أبطال القوات المسلحة المصرية والمقاومة الشعبية فى التصدى لأهداف الجيش الاسرائيلى ، تم تثبيت وقف إطلاق النار فى الأيام الأخيرة من شهر أكتوبر 1973.
وفى يوم 27 أكتوبر كان لدى مصر 74 دبابة فقط على طول المسافة من السويس إلى القاهرة لكن الذى حدث فى الأيام الأخيرة من أكتوبر ، والأيام الأولى من نوفمبر، أن القيادة السوفيتية يوم 28 أكتوبر منحت مصر 250 دبابة هدية كتعويض عن خسائر الحرب ، وصلت مصر بعد 48 ساعة ، والرئيس اليوغوسلافى تيتو منح مصر لواء دبابات كامل ، والرئيس الجزائرى هوارى بومدين أرسل إلى مصر لواء دبابات جزائرى كامل ، والرئيس الليبى معمر القذافى أرسل لمصر لواء دبابات أيضا ، فإذا بحصيلة الدبابات على طول المسافة من السويس إلى القاهرة ترتفع إلى 800 دبابة.
وكان لدى السادات إضافة إلى ذلك موقف سياسى عربى موحد ربما للمرة الأولى فى التاريخ العربى المعاصر ، وموقف دولى داعم ، وجبهة عسكرية استعادت تماسكها وأفشلت خطط العدو الإسرائيلى بصمودها ، ولكن السادات الذى راهن منذ البداية على الموقف الأمريكى يقبل بإجراء أول مفاوضات مباشرة بين العرب وإسرائيل عند الكيلو 101 على طريق السويس ـ القاهرة ، وفيها قدم الجانب المصرى الذى كان برئاسة اللواء الجمسى ( وقتها ) ، للجانب الإسرائيلى الذى كان برئاسة الجنرال ياريف مشروعا لفض الاشتباك تضمن انسحاب القوات الإسرائيلية لمسافة 30 كيلومترا شرق قناة السويس ، وأن تحل قوات الأمم المتحدة كعازل بين القوات ، مع بحث حجم وتسليح القوات المصرية التى عبرت إلى سيناء. كان ذلك المشروع أقل بكثير من المشروع الذى عرضه وزير الخارجية الأمريكى ويليام روجرز عام 1971 ، بانسحاب القوات الإسرائيلية 40 كم شرق القناة ، ورفضته مصر قبل حرب أكتوبر بكل ما تحقق فيها ، وطلب بتحديد خط وقف إطلاق النار يوم 22 أكتوبر والعودة إليه ، كما طلب الوفد المصرى بضمان وصول إمدادات الجيش الثالث من الأغذية والأدوية ، ولكن الجنرال ياريف ذكر انه ليست له صلاحيات لبحث موضوع خطوط 22 أكتوبر ، ولا مشاكل تموين الجيش الثالث ، وأنه مهتم بالدرجة الأولى بموضوع إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين. وفى يوم 7 نوفمبر كان الرئيس السادات يستقبل هنرى كيسنجر فى قصر الطاهرة للمرة الأولى مباشرة بعد العديد من الرسائل بينهما قبل الحرب وأثناءها وبعدها ، وفى هذا الاجتماع المنفرد بين الرجلين فوجئ كيسنجر كما كتب بنفسه فى مذكراته بالسادات وأطروحاته ، فالسادات لم يطلب منه أن تعمل الولايات المتحدة على انسحاب إسرائيل من جميع الأراضى المحتلة فى حرب 1967 فى إطار تسوية شاملة للصراع العربى الإسرائيلى وتفاوض على حقوق الشعب الفلسطينى ، بل كل ما طلبه هو انسحاب إسرائيلى من ثلثى سيناء حتى خط العريش – رأس محمد ، وبهذا خالف السادات الموقف العربى الثابت منذ حرب 1967 ، وحتى هذا المطلب رغم سرور كيسنجر به ، رفضه كيسنجر قبل الرجوع للإسرائيليين.
والسادات يصارح كيسنجر أن حصار الجيش الثالث ليس جوهر المسألة وخطوط 22 أكتوبر لا تصلح للنقاش بين صانعى سياسة مثله هو وكيسنجر ، أن السادات راغب بشدة فى عودة العلاقات الدبلوماسية بين مصر و الولايات المتحدة ،وهى العلاقات التى تم قطعها بين مصر والولايات المتحدة عقب حرب 1967 وإثر الدور الأمريكى الواضح فى الحرب تخطيطا وتنفيذا ، وإثر هذا القرار المصرى قطعت معظم الدول العربية علاقاتها الدبلوماسية بالولايات المتحدة وتم خروج 62 ألف أمريكى من الوطن العربى فى مشهد مهين لهيبة وكرامة الولايات المتحدة الأمريكية ، وهاج الرئيس الأمريكى جونسون معتبرا ما حدث صفعة لمكانة الولايات المتحدة وتحريض شرير من الرئيس عبد الناصر ، وطوال الفترة من 1967 وحتى 1973 حاولت الولايات المتحدة العمل على عودة العلاقات الدبلوماسية المصرية الأمريكية دون جدوى لإصرار مصر على أن تلزم الولايات المتحدة إسرائيل بالانسحاب من الأراضى العربية قبل تلك الخطوة ، والأن يقوم السادات وبعد حرب ضارية اهتزت فيها ثقة إسرائيل وتم كسر جيشها بتقديم هذا العرض المجانى ، أغتبط كيسنجر لذلك وفى ذهنه ما هو أبعد وأهم ، فعودة العلاقات الدبلوماسية المصرية الأمريكية تفتح الباب لعودة علاقات أمريكا بكل دول العالم العربى.
ويبلغ السادات كيسنجر أنه قرر أن يرفع مستوى التمثيل الدبلوماسى فورا من قائم بالأعمال إلى سفير بالنسبة لمصر والولايات المتحدة ، وكل ذلك بدون مقابل ، ولم يكتف السادات بذلك بل يبلغ كيسنجر أنه ينوى تصفية ميراث سياسات الرئيس عبد الناصر وتوجهاته القومية ، و سيعمل على طرد السوفيت من الشرق الأوسط, ويقول لكيسنجر لقد كانت حماقة وطيش من عبد الناصر محاولاته الدائمة لابتزاز الأمريكان وتحقيق أهداف مصر من خلال محاربة السياسة الأمريكية فى العالم العربى وعلى امتداد العالم ، وإن مصر خاضت ما يكفيها من حروب وتتطلع إلى السلام.
الصورة لبعض الجنود اليهود يرفعون صورة السادات عالياً بعد الموافقه على قرار وقف اطلاق النار، وخروج بعضهم أحياء من الثغرة.