سراي عابدين .. هكذا أصبحت مُستنقعات القاهرة قبلة ملوك و أمراء أوروبا
عبر صفحتين كاملتين استعرضت مجلة المصور في عددها رقم 168 الصادر بتاريخ الجمعة الموافق 30 ديسمبر 1927 كيفية أنشاء سراي عابدين كواحدة من أهم السرايات الملكية ، وكشفت المجلة عن شكل المنطقة قبل تشييد هذه التحفة الهائلة .
كانت لحظة ميلاد هذا البناء الضخم ، عندما تولى الخديوي إسماعيل حكم مصر، كان المقر الرسمي للحُكم هو قلعة صلاح الدين ، فأراد إسماعيل أن ينقل مقر الحُكم الى قلب القاهرة ، وقرر إنشاء قصر عابدين ليصبح مقراً جديداً، ووقع الاختيار على هذا المكان الذي كان في الأصل برك و مستنقعات من الماء الراكد عُرفت بأسم بركة الشقافة كما أطلق البعض عليها أسم مستنقع اليرقان ، وما تزال هناك حتى اليوم حارة صغيرة الى جوار سرايا عابدين تدعى حارة "الشقافين"نسبة الى هذه البركة القديمة.
لكن مساحة هذه البركة لم تتناسب مع حلم الخديوي ، فأمر بشراء العديد من البيوت المحيطة بالبركة ،ومن البيوت التي أشتراها الخديوي لهذا الغرض هو بيت الشربتلي باشا و بيت خورشيد باشا و بيت عبد الرحمن كتخدا بالأضافة الى دار إبراهيم بك الكبير ،حتى أنه أشترى عدداً من الحارات الملاصقة و كذلك عدداً كبيراً من البساتين , كما ضم ايضاً عدداً من الأضرحة والمساجد القريبة .
أدت التوسعات التي قام بها إسماعيل الى إختفاء العديد من المعالم و الدروب التي كانت مُسجلة على خرائط الحملة الفرنسية ومنها الدرب الجديد الذي شيدته الحملة الفرنسية وهو الذي أصبح معروفاً اليوم بأسم باب باريس و كان طريقأ طويلا يمتد من الجهة الشرقية لسرايا عابدين وحتى الناحية الغربية ، ومن الطريف أن هذا الدرب كان به حارة أسمها حارة الزير المعلق و كذلك مسجدا يحمل نفس الأسم وكان قد شيده عبدالرحمن كُتخدا و مسجد بأسم محمد بك المدبولي الذي كان يشغل منصب أمير الحج وغيرها من الجوامع الصغيرة
وبحسب عادات هذا الزمان فقد كانت الباحات الخلفية لهذه المساجد تضم عدد كبير من الأضرحة و مقابر أُسر من شيدوها، لذلك فقد بُني لها مدفن كبير بجوار جامع الخلوتي، فيما عادا جثة محمد بك المدبولي فأنها نُقلت الى جامع عابدين الى جوار مدرسة عابدين و سبيلها اللذين بنتهما "شئم افت" هانم الزوجة الثالثة للخديوي إسماعيل صاحبة الفضل في بناء المدرسة السنية للبنات والتي شُيد مكانها مقراً جديداً لوزارة الأشغال.
كذلك فقد كان الى جوار بركة الشقافة مدابغ لصناعة الجلود وكانت تقع الى الجهة الغربية في أتجاه شارع الدواوين ، ولما بدأ بناء السرايا ، شكا العاملون في تشيدها من تصاعد الروائح الكريهة ، فتم نقل المدابغ الى مكانها الحالي بمنطقة مصر القديمة سنة 1871م وذلك قبل افتتاح السراي رسمياً في العام التالي .
من أهم اعمال التطوير التي حدثت في سرايا عابدين ، كان أحاطتها بسور ضخم من الحديد المزخرف في عهد السلطان حسين كامل،الذي أضاف مسرحاً ضخماً الى مبنى السرايا وفي سنة 1918 جُلبت معدات عرض سينمائي من أوروبا لعرض الشرائط التي ترغب العائلة الملكية في مشاهدتها ، وهناك أيضا قاعة البلياردو والمتحف الصغير الذي كان يضم مجموعة من أندر اللوحات و التماثيل وكذلك مجموعات للطوابع البريدية التذكارية و النادرة
و يظل الخدم النوبيين بملابسهم الانيقة الموشحة بالفضة و القصب، أحد اهم المعالم الخاصة بالسريا يوم كانت قبلة كبار ملوك و أمراء أوروبا ،اذ تناولت العديد من الصحف الغربية في مطلع القرن الماضي مظهر هؤلاء الخدم بالاشادة و المدح .