عادل".. موهبة فنية هربت من الفقر لـ"رصيف المعز" بالفرشاة والألوان

جدارًا صغيرًا على أحد الأرصفة، معلقة عليه لوحات فنية تراثية، تلفت نظر المارين إليه من الوهلة الأولى، تتحدث عن تاريخ بأكمله تحمل في طياتها بساطة وعمق تجاعيد وجه ذات الرجل الخمسيني الذي نحتت ملامحه خبرة الدهر داخل لوحات سرمدية شكلها بنبض روحه وولعه بالرسم "الزيتي".

يرسم بعينًا واحدة وأخرى تترقب المارة من حوله، متأهبًا للدخول في أي وقت لمطاردات سائمها، لاسيما من قبيل هيئة الأثار، وضباط الداخلية، وكأن شارع "المعز"، أصبح محرمًا على رسامي اللوحات والفنانين التشكيليين، وبالرغم من ذلك لم يمنع من الشارع بل اتخذه مقرًا له ليعرض فيه لوحاته التاريخية التي توج فيها التراث الإسلامي والفرعوني.

استطاع "عادل محمد محمد عادل"، أن يتغلب على سوء أحواله المعيشية، بالفرشة والألوان وكانوا الدافع الأول في حياته حيث قرر أن يعود إلى هوايته التي كان يتفنن فيها(الرسم الزيتي)، بل عاد ليدرسها بشكل أكاديمي، وبالرغم من كبر سنه التحق بكلية الفنون الجميلة قسم الدراسات الحرة في جامعة حلوان، معلقًا: " بعد 35 عامًا مروا على حصولي على الثانوية العامة قررت أن التحق بكلية الفنون الجميلة لأتمكن من أدوات الرسم بشكل أوسع، وطوال هذه الفترة كنت لا أعمل سوى الرسم ووهبت حياتي له حتى لم أتزوج إلى الآن لكي لا يشغلني أحد عن فني، ولكي أكون متفرغًا له تمامًا".

وشرد بعينيه بعيدًا لبضعة ثواني ثم قال بصوت يملأه الحسرة: "الرسم موهبة من عند الله منذ نعومة أظافري، ولكن ظروف الحياة لم تدعني أتفرغ لها، فامتهنت العديد من المهن ثم استقريت عند تجارة ساعات إلى أن ساءت أحوالي وباتت تجارتي تخسر يومًا بعد يوم".
وأضاف أنه برجوعه بالذاكرة إلى تاريخ حياته وجد أنه يمتلك موهبة فنية كبيرة وحان الوقت لتصدير فنه للغير، وبالفعل بدأ يرسم لوحاته وشارك في أكثر من معرض وفاز فيهم بالمراكز الأولى، ولكن حال الأحوال الاقتصادية بالبلد أصاب لوحاته بالركود".

وبروح يملأها التحدي قرر "عادل"، أن يفتتح ورشة لتعليم الرسم "الزيتي" كي يقاتل بالفرشاة والألوان جميع التحديات الصعبة التي مرت عليه، ولكي يفتح طريق مضيء لجميع الموهوبين ويتبنى موهبته، قائلًا: "أخذت على عاتقي بناء كيان فني خاص بي وبجميع الموهبين لذا قومت بعمل مبادرة فنية ومدرسة على أحد الأرصفة بشارع المعز بمجهوده الذاتي، لكل من يحب التعلم لتمكن من إنتاج لوحات فنية تساعد في ظهور حضارة مصر، لاسيما وأن هذه الفترة نعاني من هبوط فني بل اندثاره وسط الأحداث السياسية التي تمر بها البلاد".
وأكد أن هذه خطوة تساهم بشكل كبير في تنشيط السياحة، وكان لابد من احتضان هذه المبادرة من هيئة الآثار والسياحة، خاصة وهو يوجهه مباشرة للسائح العربي والأجنبي لإظهار قيمة الإرث الثقافي والعمارة الإسلامية التي تعد من أدق صور التعبير عن الحضارة الإسلامية.
ولكن عدم حيازة "عادل " لرخصة تسمح له بالرسم بالشارع عرضته لكثير من المضايقات، قائلاً: "هيئة الآثار والداخلية يضطهدوني بشكل به تعسف، ومهدد بالحبس لمدة عام، ودفع غرامة عشرة آلاف جنيه غرامة، بادعائهم أنني تعديت على الحرم الأثري، وكل ذلك مقابل دفع رشوة لهم، ناهيك عن المطالبة بدفع إيجار من الباطل، وللأسف في مرات بدفع ومرات بهرب منهم، ومرات اتحبست".
وأشار إلى أن أعماله هي التصريح الذي يمتلكه، ولوحاته التي ملئت جدران العالم أجمع بلوحاته التي تتحدث عن القاهرة المُعزية، الفاطمية، والقاهرة القديمة بصفة عامة، أما مسألة الروتين والترخيص والبيروقراطية أن الأون أن ينتهي هذا العصر لكي ننهض بحضارتنا".
وبصوت أجش وسط الشارع الذي تنتشر به الشرطة، قال: "إن درجة الأمان في ذات المكان ليست على المستوى المطلوب، والأمن دائما أدائه ضعيف، ولكنه يحاول أن يقاوم كل ذلك لاسيما الجهل بالفرشاة والألوان، لكن المكان لا يتيح له الفرصة"، مطالبًا هيئة السياحة والآثار بتوفير مكان خاص لجميع رسامي مصر لنشر فنهم بعيدًا عن الفوضى التي تلاحقهم بكل مكان يقبعوا فيه، فضلا عن توفير تأمين لهم.
ولا تتوقف معاناة "عادل"، عند تلك الأزمات بل سوء الحالة الاقتصادية التي تمر بها البلاد أثرت بالسلب عليه من حيث ارتفاع سعر الخامات التي يستخدمها في لوحاته، لكنه يتغلب عليه ولا يعطي فرصة لهدم حلمه وتوقيفه، لاسيما وأنه اختار فنه على جميع مقدسات الحياة وكانت هي الحياة بالنسبة له.
وبسؤاله عن لماذا لم يتجه لتنظيم معارض، علق:" نظمت أكثر من معرض بسقية الصاوي، ودار الأوبرا، وبشارع المعز، أكثر من مرة لكن الفكرة ليست في المعارض لأن دورها ضعيف جدًا، وذلك لعدم توفير تكاليف المعرض ماديًا، ولكن الشارع بيوفر لي قوت يومي ونشر فني لاسيما وأن منطقة "المعز" يغزوها السياح، ناهيك عن لوحاتي تعبر عن روح الشارع وتتضمن تفاصيله، لذا يصطف حولها الكثير من السياح.
وبسؤاله عن أكثر المقبولِين على شراء لوحاته:" السياح الأكثر إقبالاً على الشراء، لاسيما لوحاته التي تتضمن رسومات المآذن، والقبب، والزخارف الإسلامية، والأحياء المصرية الشرقية، وذلك لأنهم يدركون القيمة الفنية لهذه اللوحات أكثر من المصريين، الذين اهتموا فقط بـ"البورترية"، وهذا بعيدًا عن فني لأني اهتم أكثر بتفاصيل تراثنا العربي"، مشيرًا أنه يبيع اللوحة بسعر زهيد يتراوح ما بين 200إلى 250، وتعتبر ثمن مواد الخام الذي يستخدمها.