د. نصار عبدالله يكتب: خالد محيى الدين يتكلم «4»
رغم أننا قد عرضنا لكتاب: «الآن أتكلم»، فى ثلاث حلقات سابقة، إلا أننا لا نستطيع أن نغادره قبل أن نشير إلى حقيقة نستطيع أن نستشفها بوضوح شديد من سطور الكتاب، ألا وهى التغيير الذى يطرأ على المناضلين بعد الانتقال من موقع النضال إلى موقع السلطة، لقد كان النضال الذى حمل لواءه الضباط الأحرار يستهدف تحقيق مطالب الأمة وفى مقدمتها الاستقلال الوطنى والعدالة الاجتماعية والديمقراطية، فما الذى حدث بعد الاستيلاء على الحكم؟.. تحول مجلس قيادة الحركة إلى مجلس قيادة للثورة وأصبح هو السلطة العليا فى البلاد، وعندما تولى محمد نجيب رئاسة المجلس وبعد ذلك رئاسة الجمهورية، سعى بكل الوسائل إلى توسيع صلاحياته ومحاولة جمع كل السلطات فى يديه معلنا بوضوح أنه ليس فوزى سلو «سلو رئيس صورى للجمهورية السورية قام بتعيينه أديب الشيشيكلى بعد قيامه بانقلاب عسكرى عام 1949»، لكن جمال عبدالناصر وإلى جانبه باقى أعضاء مجلس القيادة كانوا له بالمرصاد، ورفضوا أن ينفرد بالسلطة، مما حدا به إلى الاستقالة بعد أن كان قد نجح فى تكوين شعبية كبيرة فى صفوف الجماهير، وهكذا خرجت الجماهير تعلن تمسكها باللواء نجيب مما اضطر مجلس قيادة الثورة لإحناء رأسه للعاصفة والإبقاء عليه رئيسا، لكنه فى الحقيقة كان يواجه مأزقا حقيقيا، يتمثل فى أنه إما أن يعيد الدستور والحياة الديمقراطية والحزبية كحل للخروج من الأزمة بشكل جذرى وهو ما يعنى أن يتخلى المجلس عن السلطات السيادية التى أصبحت فى يديه، وإما أن يذعن لطموحات نجيب الذى كان يرفض الحياة الدستورية والحزبية ويسعى إلى إقامة ديكتاتورية عسكرية يتربع وحده فوق قمتها ،...والواقع أن كل بديل من البديلين السابقين كان له أنصاره فى صفوف القوات المسلحة ذاتها، وهو ما ترتب عليه حدوث حركات داخلها كان أبرزها ما جرى فى سلاحى: المدفعية والفرسان، ففى سلاح المدفعية بدأ انتقاد «مجلس الثورة»، والتساؤل عمن اختار ضباطه، وكانوا يعترضون على أن يمثلهم فى مجلس الثورة عبد المنعم أمين وكمال الدين حسين، وأعربوا عن انتقاداتهم الشديدة لهاتين الشخصيتين كليهما، وطالبوا بأن ينتخب ضباط السلاح بأنفسهم من يمثلونهم! ثم بدأوا فى التحرك، وكان من بينهم: سامى شرف، وأحمد شهيب، ومحسن عبدالخالق، وفتح الله رفعت، ومصطفى راغب، وعندما بدأ زكريا محيى الدين فى التحقيق مع سامى شرف، اكتشف أن بإمكانه أن يتحول إلى «شاهد ملك»، فأدلى باعترافات عديدة .. والحقيقة أن سامى شرف لم يكن يمتلك معلومات كثيرة عن تحرك المدفعية، لكن أقواله ضد زملائه اتخذت دليلا على وجود «شىء ما»، وهو ما كان كافيا لدى عناصر معينة فى القيادة لتوجيه ضربة قاصمة لأصحاب هذا الـ ( شىء ما )، وعندما قدمت تلك المعلومات إلى مجلس القيادة، انبرى جمال سالم لتفجير الموقف وتصعيده، واقترح تقديمهم لمحاكمات صورية ثم إعدامهم بحجة أنهم هم الذين كانوا سوف يعدمون أعضاء مجلس القيادة، لو نجح تحركهم !!..وقد أيد هذا الاقتراح بحماس كل من أنور السادات وعبداللطيف بغدادى وعبدالحكيم عامر .. كل هذا رغم أنه لم يكن أحد قد عرف الحقيقة بعد، ورغم أنه لا يوجد دليل واحد على ما يقال، بل إن المتهمين لم يكونوا قد قبض عليهم، ولم يستمع أحد إلى أقوالهم.، ولحسن الحظ فإن عبدالحكيم عامر حث مجلس القيادة على الموافقة بالإجماع على الإعدام، وعندما أخذت الأصوات كان جمال عبد الناصر وخالد محيى الدين من المعترضين، وهكذا نجا هؤلاء الضباط من الموت!،