تفسير قوله تعالى: " يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول "
( يانساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا ( 32 ) وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ( 33 ) واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا ( 34 ) )
هذه آداب أمر الله تعالى بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، ونساء الأمة تبع لهن في ذلك ، فقال مخاطبا لنساء النبي [ صلى الله عليه وسلم ] بأنهن إذا اتقين الله كما أمرهن ، فإنه لا يشبههن أحد من النساء ، ولا يلحقهن في الفضيلة [ ص: 409 ] والمنزلة ، ثم قال : ( فلا تخضعن بالقول )
قال السدي وغيره : يعني بذلك ترقيق الكلام إذا خاطبن الرجال; ولهذا قال : ( فيطمع الذي في قلبه مرض ) أي : دغل ، ( وقلن قولا معروفا ) : قال ابن زيد : قولا حسنا جميلا معروفا في الخير
ومعنى هذا : أنها تخاطب الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم ، أي : لا تخاطب المرأة الأجانب كما تخاطب زوجها
وقوله : ( وقرن في بيوتكن ) أي : الزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة ومن الحوائج الشرعية الصلاة في المسجد بشرطه ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ، وليخرجن وهن تفلات " وفي رواية : " وبيوتهن خير لهن "
وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا حميد بن مسعدة حدثنا أبو رجاء الكلبي ، روح بن المسيب ثقة ، حدثنا ثابت البناني عن أنس ، رضي الله عنه ، قال : جئن النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن : يا رسول الله ، ذهب الرجال بالفضل والجهاد في سبيل الله تعالى ، فما لنا عمل ندرك به عمل المجاهدين في سبيل الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قعد - أو كلمة نحوها - منكن في بيتها فإنها تدرك عمل المجاهدين في سبيل الله "
ثم قال : لا نعلم رواه عن ثابت إلا روح بن المسيب ، وهو رجل من أهل البصرة مشهور
وقال البزار أيضا : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عمرو بن عاصم ، حدثنا همام ، عن قتادة ، عن مورق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن المرأة عورة ، فإذا خرجت استشرفها الشيطان ، وأقرب ما تكون بروحة ربها وهي في قعر بيتها "
ورواه الترمذي ، عن بندار ، عن عمرو بن عاصم ، به نحوه
وروى البزار بإسناده المتقدم ، وأبو داود أيضا ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها ، وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها " وهذا إسناد جيد [ ص: 410 ] وقوله تعالى : ( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) قال مجاهد : كانت المرأة تخرج تمشي بين يدي الرجال ، فذلك تبرج الجاهلية
وقال قتادة : ( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) يقول : إذا خرجتن من بيوتكن - وكانت لهن مشية وتكسر وتغنج - فنهى الله عن ذلك
وقال مقاتل بن حيان : ( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) والتبرج : أنها تلقي الخمار على رأسها ، ولا تشده فيواري قلائدها وقرطها وعنقها ، ويبدو ذلك كله منها ، وذلك التبرج ، ثم عمت نساء المؤمنين في التبرج وقال ابن جرير : حدثني ابن زهير ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا داود - يعني ابن أبي الفرات - حدثنا علي بن أحمر ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : تلا هذه الآية : ( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) قال : كانت فيما بين نوح وإدريس ، وكانت ألف سنة ، وإن بطنين من ولد آدم كان أحدهما يسكن السهل ، والآخر يسكن الجبل وكان رجال الجبل صباحا وفي النساء دمامة وكان نساء السهل صباحا وفي الرجال دمامة ، وإن إبليس أتى رجلا من أهل السهل في صورة غلام ، فآجر نفسه منه ، فكان يخدمه واتخذ إبليس شيئا مثل الذي يزمر فيه الرعاء ، فجاء فيه بصوت لم يسمع الناس مثله ، فبلغ ذلك من حوله ، فانتابوهم يسمعون إليه ، واتخذوا عيدا يجتمعون إليه في السنة ، فيتبرج النساء للرجال قال : ويتزين الرجال لهن ، وإن رجلا من أهل الجبل هجم عليهم في عيدهم ذلك ، فرأى النساء وصباحتهن ، فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك ، فتحولوا إليهن ، فنزلوا معهن وظهرت الفاحشة فيهن ، فهو قوله تعالى : ( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى )
وقوله : ( وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله ) ، نهاهن أولا عن الشر ثم أمرهن بالخير ، من إقامة الصلاة - وهي : عبادة الله ، وحده لا شريك له - وإيتاء الزكاة ، وهي : الإحسان إلى المخلوقين ، ( وأطعن الله ورسوله ) ، وهذا من باب عطف العام على الخاص وقوله : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) : وهذا نص في دخول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في أهل البيت هاهنا; لأنهن سبب نزول هذه الآية ، وسبب النزول داخل فيه قولا واحدا ، إما وحده على قول أو مع غيره على الصحيح
وروى ابن جرير : عن عكرمة أنه كان ينادي في السوق : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ، نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، وهكذا روى ابن أبي حاتم قال :
حدثنا علي بن حرب الموصلي ، حدثنا زيد بن الحباب ، حدثنا حسين بن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة عن ابن عباس في قوله : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ) قال : نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصة
[ ص: 411 ] وقال عكرمة : من شاء باهلته أنها نزلت في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
فإن كان المراد أنهن كن سبب النزول دون غيرهن فصحيح ، وإن أريد أنهن المراد فقط دون غيرهن ، ففي هذا نظر; فإنه قد وردت أحاديث تدل على أن المراد أعم من ذلك :
الحديث الأول : قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد ، أخبرنا علي بن زيد ، عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمر بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول : " الصلاة يا أهل البيت ، ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )
ورواه الترمذي ، عن عبد بن حميد ، عن عفان به وقال : حسن غريب
حديث آخر : قال ابن جرير : حدثنا ابن وكيع ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا يونس بن أبي إسحاق ، أخبرني أبو داود ، عن أبي الحمراء قال : رابطت المدينة سبعة أشهر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، [ قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ] إذا طلع الفجر ، جاء إلى باب علي وفاطمة فقال : " الصلاة الصلاة ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )
أبو داود الأعمى هو : نفيع بن الحارث ، كذاب
حديث آخر : وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا محمد بن مصعب ، حدثنا الأوزاعي ، حدثنا شداد أبو عمار قال : دخلت على واثلة بن الأسقع وعنده قوم ، فذكروا عليا ، رضي الله عنه ، فلما قاموا قال لي : ألا أخبرك بما رأيت من رسول الله الله عليه وسلم ؟ قلت : بلى قال : أتيت فاطمة أسألها عن علي فقالت : توجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجلست أنتظره حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعه علي وحسن وحسين ، آخذ كل واحد منهما بيده حتى دخل ، فأدنى عليا وفاطمة وأجلسهما بين يديه ، وأجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما على فخذه ، ثم لف عليهم ثوبه - أو قال : كساءه - ثم تلا هذه الآية : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ، اللهم هؤلاء أهل بيتي ، وأهل بيتي أحق " ، وقد رواه أبو جعفر بن جرير عن عبد الكريم بن أبي عمير ، عن الوليد بن مسلم ، عن أبي عمرو الأوزاعي بسنده نحوه - زاد في آخره : قال واثلة : فقلت : وأنا يا رسول الله - صلى الله عليك - من أهلك ؟ قال : " وأنت من أهلي " قال واثلة : إنها من أرجى ما أرتجي
ثم رواه أيضا عن عبد الأعلى بن واصل ، عن الفضل بن دكين ، عن عبد السلام بن حرب ، عن كلثوم المحاربي ، عن شداد أبي عمار قال : إني لجالس عند واثلة بن الأسقع إذ ذكروا عليا [ ص: 412 ] فشتموه ، فلما قاموا قال : اجلس حتى أخبرك عن الذي شتموه ، إني عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء علي وفاطمة وحسن وحسين فألقى صلى الله عليه وسلم عليهم كساء له ، ثم قال : " اللهم هؤلاء أهل بيتي ، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا " قلت : يا رسول الله ، وأنا ؟ قال : " وأنت " قال : فوالله إنها لأوثق عملي عندي
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن نمير ، حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء بن أبي رباح ، حدثني من سمع أم سلمة تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بيتها ، فأتته فاطمة ، رضي الله عنها ، ببرمة فيها خزيرة ، فدخلت بها عليه فقال لها : " ادعي زوجك وابنيك " قالت : فجاء علي وحسن وحسين فدخلوا عليه ، فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة ، وهو على منامة له على دكان تحته كساء خيبري ، قالت : وأنا في الحجرة أصلي ، فأنزل الله ، عز وجل ، هذه الآية : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) قالت : فأخذ فضل الكساء فغطاهم به ، ثم أخرج يده فألوى بها إلى السماء ، ثم قال : " اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا " ، قالت : فأدخلت رأسي البيت ، فقلت : وأنا معكم يا رسول الله ؟ فقال : " إنك إلى خير ، إنك إلى خير "
في إسناده من لم يسم ، وهو شيخ عطاء ، وبقية رجاله ثقات
طريق أخرى : قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا عوف ، عن أبي المعدل ، عن عطية الطفاوي ، عن أبيه; أن أم سلمة حدثته قالت : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي يوما إذ قال الخادم : إن فاطمة وعليا بالسدة قالت : فقال لي : " قومي فتنحي عن أهل بيتي " قالت : فقمت فتنحيت في البيت قريبا ، فدخل علي وفاطمة ، ومعهما الحسن والحسين ، وهما صبيان صغيران ، فأخذ الصبيين فوضعهما في حجره فقبلهما ، واعتنق عليا بإحدى يديه وفاطمة باليد الأخرى ، وقبل فاطمة وقبل عليا ، وأغدق عليهم خميصة سوداء وقال : " اللهم ، إليك لا إلى النار أنا وأهل بيتي " قالت : فقلت : وأنا يا رسول الله ؟ صلى الله عليك قال : " وأنت "
طريق أخرى : قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا [ الحسن بن عطية ، حدثنا ] فضيل بن مرزوق ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، عن أم سلمة ; أن هذه الآية نزلت في بيتها : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) قالت : وأنا جالسة على باب البيت فقلت : يا رسول [ ص: 413 ] الله ، ألست من أهل البيت ؟ فقال : " إنك إلى خير ، أنت من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم " قالت : وفي البيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، رضي الله عنهم
طريق أخرى : رواه ابن جرير أيضا ، عن أبي كريب ، عن وكيع ، عن عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر بن حوشب ، عن أم سلمة بنحوه
طريق أخرى : قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا خالد بن مخلد ، حدثني موسى بن يعقوب ، حدثني هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ، عن عبد الله بن وهب بن زمعة قال : أخبرتني أم سلمة ، رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع فاطمة والحسن والحسين ، ثم أدخلهم تحت ثوبه ، ثم جأر إلى الله ، عز وجل ، ثم قال : " هؤلاء أهل بيتي " قالت أم سلمة : فقلت : يا رسول الله ، أدخلني معهم فقال : " أنت من أهلي "
طريق أخرى : رواه ابن جرير أيضا ، عن أحمد بن محمد الطوسي ، عن عبد الرحمن بن صالح ، عن محمد بن سليمان الأصبهاني ، عن يحيى بن عبيد المكي ، عن عطاء ، عن عمر بن أبي سلمة ، عن أمه بنحو ذلك
طريق أخرى : قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا مصعب بن المقدام ، حدثنا سعيد بن زربي ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن أم سلمة قالت : جاءت فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببرمة لها قد صنعت فيها عصيدة تحملها على طبق ، فوضعتها بين يديه فقال : " أين ابن عمك وابناك ؟ " فقالت : في البيت فقال : " ادعيهم " فجاءت إلى علي فقالت : أجب رسول الله أنت وابناك قالت أم سلمة : فلما رآهم مقبلين مد يده إلى كساء كان على المنامة ، فمده وبسطه ، وأجلسهم عليه ، ثم أخذ بأطراف الكساء الأربعة بشماله ، فضمه فوق رؤوسهم ، وأومأ بيده اليمنى إلى ربه ، عز وجل ، فقال : " اللهم ، هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا "
طريق أخرى : قال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا عبد الله بن عبد القدوس ، عن الأعمش ، عن حكيم بن سعد قال : ذكرنا علي بن أبي طالب عند أم سلمة ، فقالت : في بيتي نزلت : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) قالت أم سلمة : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيتي فقال : " لا تأذني لأحد " فجاءت فاطمة فلم أستطع أن أحجبها عن أبيها ثم جاء الحسن فلم أستطع أن أحجبه عن أمه وجده ، ثم جاء الحسين فلم أستطع أن أحجبه ، ثم جاء علي فلم أستطع أن أحجبه ، فاجتمعوا فجللهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكساء كان عليه ، ثم قال : " هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا " فنزلت هذه الآية حين اجتمعوا على البساط قالت : فقلت : يا رسول الله ، وأنا ؟ قالت : فوالله ما أنعم ، وقال : " إنك إلى خير "
حديث آخر : قال ابن جرير ، حدثنا ابن وكيع ، حدثنا محمد بن بشر عن زكريا ، عن مصعب بن شيبة ، عن صفية بنت شيبة قالت : قالت عائشة ، رضي الله عنها : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات [ ص: 414 ] غداة ، وعليه مرط مرحل من شعر أسود ، فجاء الحسن فأدخله معه ، ثم جاء الحسين فأدخله معه ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها معه ، ثم جاء علي فأدخله معه ، ثم قال : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )
ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن محمد بن بشر ، به
طريق أخرى : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا سريج بن يونس أبو الحارث ، حدثنا محمد بن يزيد ، عن العوام - يعني : ابن حوشب - عن عم له قال : دخلت مع أبي على عائشة ، فسألتها عن علي ، رضي الله عنه ، فقالت ، رضي الله عنها : تسألني عن رجل كان من أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت تحته ابنته وأحب الناس إليه ؟ لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليا وفاطمة وحسنا وحسينا ، فألقى عليهم ثوبا فقال : " اللهم ، هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا " قالت : فدنوت منه فقلت : يا رسول الله ، وأنا من أهل بيتك ؟ فقال : " تنحي ، فإنك على خير "
حديث آخر : قال ابن جرير حدثنا المثنى ، حدثنا بكر بن يحيى بن زبان العنزي ، حدثنا مندل ، عن الأعمش ، عن عطية ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نزلت هذه الآية في خمسة : في ، وفي علي ، وحسن ، وحسين ، وفاطمة : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )
قد تقدم أن فضيل بن مرزوق رواه عن عطية ، عن أبي سعيد ، عن أم سلمة ، كما تقدم
وروى ابن أبي حاتم من حديث هارون بن سعد العجلي ، عن عطية ، عن أبي سعيد موقوفا ، فالله أعلم
حديث آخر : قال ابن جرير : حدثنا ابن المثنى ، حدثنا أبو بكر الحنفي ، حدثنا بكير بن مسمار قال : سمعت عامر بن سعد قال : قال سعد : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزل عليه الوحي ، فأخذ عليا وابنيه وفاطمة فأدخلهم تحت ثوبه ، ثم قال : " رب ، هؤلاء أهلي وأهل بيتي "
حديث آخر : وقال مسلم في صحيحه : حدثني زهير بن حرب ، وشجاع بن مخلد جميعا ، عن ابن علية - قال زهير : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثني أبو حيان ، حدثني يزيد بن حيان قال : انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم ، فلما جلسنا إليه قال له حصين : لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا [ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعت حديثه ، وغزوت معه ، وصليت خلفه ، لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا ] ; حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا ابن أخي ، والله لقد [ ص: 415 ] كبرت سني ، وقدم عهدي ، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما حدثتكم فاقبلوا ، وما لا فلا تكلفونيه ثم قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما خطيبا بماء يدعى خما - بين مكة والمدينة - فحمد الله وأثنى عليه ، ووعظ وذكر ، ثم قال : " أما بعد ، ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين ، وأولهما كتاب الله ، فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به " فحث على كتاب الله ورغب فيه ، ثم قال : " وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي " ثلاثا فقال له حصين : ومن أهل بيته يا زيد ؟ أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال : نساؤه من أهل بيته ، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده قال : ومن هم ؟ قال هم آل علي ، وآل عقيل ، وآل جعفر ، وآل عباس قال : كل هؤلاء حرم الصدقة ؟ قال : نعم
ثم رواه عن محمد بن بكار بن الريان ، عن حسان بن إبراهيم ، عن سعيد بن مسروق ، عن يزيد بن حيان ، عن زيد بن أرقم ، فذكر الحديث بنحو ما تقدم ، وفيه : فقلنا له : من أهل بيته ؟ نساؤه ؟ قال : لا وايم الله ، إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها ، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده
هكذا وقع في هذه الرواية ، والأولى أولى ، والأخذ بها أحرى وهذه الثانية تحتمل أنه أراد تفسير الأهل المذكورين في الحديث الذي رواه ، إنما المراد بهم آله الذين حرموا الصدقة ، أو أنه ليس المراد بالأهل الأزواج فقط ، بل هم مع آله ، وهذا الاحتمال أرجح; جمعا بينها وبين الرواية التي قبلها ، وجمعا أيضا بين القرآن والأحاديث المتقدمة إن صحت ، فإن في بعض أسانيدها نظرا ، والله أعلم ثم الذي لا يشك فيه من تدبر القرآن أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم داخلات في قوله تعالى : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ، فإن سياق الكلام معهن; ولهذا قال تعالى بعد هذا كله : ( واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة ) أي : اعملن بما ينزل الله على رسوله في بيوتكن من الكتاب والسنة قاله قتادة وغير واحد ، واذكرن هذه النعمة التي خصصتن بها من بين الناس ، أن الوحي ينزل في بيوتكن دون سائر الناس ، وعائشة [ الصديقة ] بنت الصديق أولاهن بهذه النعمة ، وأحظاهن بهذه الغنيمة ، وأخصهن من هذه الرحمة العميمة ، فإنه لم ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي في فراش امرأة سواها ، كما نص على ذلك صلوات الله وسلامه عليه قال بعض العلماء ، رحمه الله : لأنه لم يتزوج بكرا سواها ، ولم ينم معها رجل في فراشها سواه ، فناسب أن تخصص بهذه المزية ، وأن تفرد بهذه الرتبة العلية ولكن إذا كان أزواجه من أهل [ ص: 416 ] بيته ، فقرابته أحق بهذه التسمية ، كما تقدم في الحديث : " وأهل بيتي أحق " وهذا يشبه ما ثبت في صحيح مسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم ، فقال : " هو مسجدي هذا " فهذا من هذا القبيل; فإن الآية إنما نزلت في مسجد قباء ، كما ورد في الأحاديث الأخر ولكن إذا كان ذاك أسس على التقوى من أول يوم ، فمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بتسميته بذلك ، والله أعلم
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو الوليد ، حدثنا أبو عوانة ، عن حصين بن عبد الرحمن ، عن أبي جميلة قال : إن الحسن بن علي استخلف حين قتل علي ، رضي الله عنهما قال : فبينما هو يصلي إذ وثب عليه رجل فطعنه بخنجر وزعم حصين أنه بلغه أن الذي طعنه رجل من بني أسد ، وحسن ساجد قال : فيزعمون أن الطعنة وقعت في وركه ، فمرض منها أشهرا ، ثم برأ فقعد على المنبر ، فقال : يا أهلالعراق ، اتقوا الله فينا ، فإنا أمراؤكم وضيفانكم ، ونحن أهل البيت الذي قال الله : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) قال : فما زال يقولها حتى ما بقي أحد من أهل المسجد إلا وهو يحن بكاء
وقال السدي ، عن أبي الديلم قال : قال علي بن الحسين لرجل من أهل الشام : أما قرأت في الأحزاب : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ؟ قال : نعم ، ولأنتم هم ؟ قال : نعم
وقوله : ( إن الله كان لطيفا خبيرا ) أي : بلطفه بكن بلغتن هذه المنزلة ، وبخبرته بكن وأنكن أهل لذلك ، أعطاكن ذلك وخصكن بذلك
قال ابن جرير ، رحمه الله : واذكرن نعمة الله عليكن بأن جعلكن في بيوت تتلى فيها آيات الله والحكمة ، فاشكرن الله على ذلك واحمدنه
( إن الله كان لطيفا خبيرا ) أي : ذا لطف بكن ، إذ جعلكن في البيوت التي تتلى فيها آياته والحكمة وهي السنة ، خبيرا بكن إذ اختاركن لرسوله أزواجا
وقال قتادة : ( واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة ) قال : يمتن عليهن بذلك رواه ابن جرير
وقال عطية العوفي في قوله : ( إن الله كان لطيفا خبيرا ) يعني : لطيف باستخراجها ، خبير بموضعها رواه ابن أبي حاتم ، ثم قال : وكذا روى الربيع بن أنس ، عن قتادة