"داعش" وعناصره المصرية.. قصة متطرف من حي راقٍ إلى أرض الخلافة
نشرت صحيفة الحياة اللندنية، تقريرا تحت عنوان :" طريق العناصر المصرية في داعش: أوروبا ثم تركيا وصولاً إلى دولة الخلافة"، تحدث فيه عن عدد من المصريين انضم إلى تنظيم داعش الإرهابي.
وقالت الصحيفة إنه في مطلع (أغسطس) عام 2014، شغلت قضية انضمام
الشاب المصري إسلام يكن، لتنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، رواد مواقع التواصل الاجتماعي
في مصر ووسائل الإعلام والصحافيين العرب والأجانب.
ومثل سفر أبوسلمة يكن، كما عرف نفسه، على صفحته على موقع
تويتر، إلى سورية صدمة للمصريين، ليس لأنه انضم إلى تنظيم متطرف فحسب، بل لأن حياته
وسلوكاته وحتى تدويناته على مواقع التواصل الاجتماعي، لم تكن توحي بأن شاباً درس اللغة
الفرنسية، في مدارس الليسيه، وتخرج في كلية الحقوق، ويسكن في حي مصر الجديدة العريق،
لأسرة ميسورة الحال ويرتاد صالات اللياقة البدنية، يمكن أن يتحول إلى شخص آخر، ينشر
صوره، وهو يحمل رأساً مقطوعاً أو شاهراً سيفه مهدداً بقتل أصدقائه القدامى من الأقباط.
ولم يكد رواد التواصل الاجتماعي ينسون انضمام يكن إلى تنظيم
الدولة، حتى ظهر محمود الغندور، صديق يكن وزميله في كلية الحقوق، في فيديو مع إسلام
في سورية، يعلن فيه انضمامه هو الآخر، في شباط (فبراير) عام 2015.
الغندور، أو كما سمى نفسه أبو دجانة المصري، ولد في حي مدينة
نصر، شرق القاهرة، لأسرة هي الأخرى ميسورة الحال، ودرس في مدارس اللغات بالهرم بمحافظة
الجيزة، والتحق بكلية الحقوق جامعة عين شمس، وفي سنته الأولى التحق براديو الجامعة
وفي الثانية التحق بفريق التمثيل في الكلية، وفي الثالثة قرر أن يصبح حكماً للراية
في مباريات كرة القدم، اقتداء بعمه الحكم الدولي جمال الغندور.
ووفقًا لما نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، نقلاً عن أصدقاء
للغندور ويكن، في تقرير لها، (شباط 2015) في عنوان: «من مدرسة خاصة في القاهرة إلى
ساحات القتل في سورية»، فإن أسباباً سياسية واجتماعية ودينية عدة دفعت الشابين المرفهين
إلى الانضمام إلى تنظيم «الدولة» في سورية.
وحول الأسباب الدينية، قال ريتشار باريت، الرئيس السابق لوحدة
مكافحة الإرهاب في المخابرات البريطانية إم أي 6، إن الشباب المنضمين إلى «داعش»، بغالبيتهم
لم ينشأوا في بيئة دينية عادية أو أنهم لم يجدوا من يعلمهم صحيح الدين، أو أنهم تعرضوا
لأزمات حياتية دفعتهم إلى التشدد في ظل إهمال الأهل لهم. بينما رأى أن الدافع السياسي،
لا يبعد كثيراً عن الديني، إذ إن هؤلاء بمعظمهم، يعتقدون أن حكومات بلادهم، لا تحكم
بشرع الله - الذي يريدونه - مشيراً إلى أن الدوافع الاجتماعية تتمثل في سعي هؤلاء الشباب
لإثبات أنفسهم أو إظهار قدرتهم على تحدي الحكام.
وقال أصدقاء يكن أنه تعرض لصدمة كبيرة، بعد وفاة أحد أصدقائهم،
دفعته تدريجاً إلى التطرف بعدما بدأ رحلته مع الانطواء على الذات، فيما أشار أصدقاء
الغندور إلى أن أسرته تعمل في إحدى الدول العربية، بينما يعيش هو وحيداً في القاهرة،
علاوة على أنه سُجن عام 2013 عقب عزل الرئيس محمد مرسي، المحسوب على جماعة «الإخوان»،
بتهمة الانتماء إلى الجماعة.
وتعد منطقة شرق القاهرة، حيث كان يسكن الشابان، واحدة من
المناطق وثيقة الصلة بالإسلاميين. ففي بداية التسعينات، كانت لا تزال منطقة مدينة نصر،
حيث كان يسكن الغندور ويصلي يكن، تتشكل واقتصر سكانها في البداية على العائدين أو العاملين
في الخارج وعلى عدد من ضباط الجيش.
هذا التوقيت تزامن مع عودة عدد من قيادات «الإخوان» من الخارج،
وكان من بينهم خيرت الشاطر، كما ذكر هيثم أبوخليل، في كتابه «إخوان إصلاحيون».
واعتبر «الإخوان» الفرصة مواتية للتوسع في المنطقة الوليدة،
وساعدهم على ذلك أن عقلية من عادوا من الخارج، كانت مفعمة بأبعاد دينية. واستمرت السنوات،
وتمدد «الإخوان» وتوسعوا حتى جاء اعتصام رابعة العدوية.
أما مناطق الزيتون وألف مسكن وعين شمس والمطرية، فهي حتى
بداية التسعينات، كانت نموذجاً للطبقة المتوسطة التي تضخمت وضاق عليها المكان وأصبحت
ظروفها الاجتماعية، مواتية لعمليات الاستقطاب، ولـ «الإخوان» عمارة معروفة في الألف
مسكن، كانوا يستخدمونها في إيواء المغتربين من أفراد الجماعة.
ونما «الإخوان» في هذه المنطقة باستراتيجية بناء دولة داخل
الدولة، بتوفير الخدمات، كما هي الحال في الريف، على عكس، ما كان يحدث في منطقة مدينة
نصر، التي توسعوا فيها، بتقديم أنفسهم، بمظهر الساعي إلى محاربة الصهيونية العالمية،
إذ إن غالبية تظاهراتهم المناهضة لإسرائيل كانت تخرج من هناك.
وكانت الزيتون، المجاورة لحي مصر الجديدة، في فترة الثمانينات،
حاضنة الجماعة الإسلامية، فتمددت فيها بذرة السلفية القاهرية، في ظل غياب المعنى الحقيقي
لمفهوم الدولة.
وروى إعلاميون مقربون من تنظيم الدولة، روايتين مختلفتين
عن مصير يكن والغندور. الرواية الأولى تق`ول أنهما تعرضا للسجن وبعد ذلك القتل، لسعيهما
للهروب من التنظيم مع مجموعة من القيادات، نتيجة لاختلافات فكرية مع قيادة التنظيم.
ووفقاً لهذه الرواية، اتُهم يكن والغندور بالتنسيق مع الجيش
السوري الحر للهروب، وأنهما تعرضا للسجن وخضعا لدورة توبة، للعدول عن أفكارهما التي
انقلبت على التنظيم، لكنهما قُتلا في النهاية.
فيما تقول الرواية الثانية أن إسلام قتل في آذار (مارس) الماضي،
خلال قتاله في سورية، تاركاً خلفه زوجته الحامل، التي أنجبت طفلاً لم يره سمي عبدالله،
بينما بقي مصير محمود في هذه الرواية مجهولاً.
ولم يتسنَّ التأكد من صحة أي من الروايتين، لرفض أسرتيهما
الحديث للإعلام، منذ اشتهار قضيتهما إعلامياً.
وتقول إحدى المقربات من الإسلاميين في مصر: «أعرف أختاً نفرت
مع زوجها للجهاد في سورية مع تنظيم الدولة، لكن حين اختلف زوجها معهم، قتلوه، فاضطرت
للهرب إلى تركيا ومعها رضيعها».
وفي أوائل 2014، ظهرت على المواقع الجهادية شهادة لشخص يدعى
أبو شعيب المصري، باعتباره قاضياً شرعياً سابقاً في تنظيم الدولة، يذكر فيها عيوب التنظيم.
وقال أنه ترك التنظيم وانضم إلى «جبهة النصرة»، بعدما هرب من سجون الدولة، لاعتراضه
على بعض فتاواه، لكنه اختفى بعد 5 أشهر من شهادته. وقال جهاديون مصريون، على صفحاتهم
على مواقع التواصل الاجتماعي أنه قتل بسبب هذه الشهادة.
وأبو شعيب، مصري في الثلاثينات من عمره، عرف وسط الجهاديين
باسم «الرسام»، لكون الرسم كان مصدر رزقه الوحيد، خلال فترة سجنه في مصر.
وفي أواخر 2014، قال باريت في دراسة له، عن المقاتلين الأجانب
في سورية، نشرها مركز «سوفان» لدراسات التطرف، أن ما يقرب من 360 مصرياً يقاتلون في
صفوف «داعش»، بينما ذكر تقرير «نيويورك تايمز» أن عدد المصريين، في صفوف التنظيم، يصل
الى 600.
وذبح تنظيم الدولة في ليبيا، في 2015، 21 قبطياً مصرياً.
ولم يمر الفيديو، الذي بثه التنظيم، من دون التشديد على أن جزءاً من ذبحهم، كان انتقاماً
لكامليا شحاتة ووفاء قسطنطين.
وتعود قصة كاميليا شحاتة ووفاء قسطنطين إلى السنوات الأخيرة
من عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، حيث خرجت إشاعات تفيد اعتناق السيدتين القبطيتين
الإسلام، وروجت جماعات سلفية أخباراً مفادها أن الحكومة المصرية رفضت حمايتهما بعد
إشهار إسلامهما وسلمتهما إلى الكنيسة منعاً للفتنة ودرءاً لأي خطر يهدد الوحدة الوطنية.
ويقول مصدر جهادي مصري، مقيم في سورية، أن التنظيمات الجهادية،
تعتمد في عملية استقطاب عناصر جديدة، على إعادة أحداث، كان لها أثر في الذاكرة الجهادية
والمتعاطفين معها، لتحميس عناصره وجذب الانتباه الإعلامي، لما كان للقضية من تأثير
في الماضي، وبالتأكيد ما فعله تنظيم الدولة، كان سعياً منه لاستقطاب من تأثروا بالقضية
واعتبروها دفاعاً عن الإسلام».
ويقول خالد الغمري، أستاذ اللغويات والتحليل الآلي للمضمون
في جامعة عين شمس: «تسمى هذه الظاهرة بسوسيولوجيا الأمل، وتعني إعادة أحداث اجتماعية
للذاكرة، تساهم في تحميس الجهاديين والمتعاطفين معهم لجذب عناصر جديدة للتنظيم».
وفي نهاية 2015، اكدت صفحة «صوت الإخوان» المحسوبة على جناح
الشباب في تنظيم «الإخوان»، أن 7 مجموعات نوعية، انضمت إلى تنظيم «الدولة».
ويقصد بالمجموعات النوعية، المجموعات التي تشكلت عقب إطاحة
الرئيس المعزول محمد مرسي، عام 2013، بهدف تنفيذ عمليات تستهدف أجهزة الأمن المصرية.
وتشهد جماعة «الإخوان»، خلافات بين قيادات مكتب الإرشاد القديم،
وعدد من شباب الجماعة ومعهم مجموعة من القيادات، حول كيفية إدارة الأزمة التي تمر بها
الجماعة حالياً، منذ إطاحة الرئيس محمد مرسي.
وقال مصدر إعلامي مقرب من جماعة «الإخوان» في تركيا، أن عدداً
من الفاعلين في المجموعات النوعية، انضم إلى ما يسمى «تنظيم الدولة الإسلامية - مصر»،
كونهم وجدوا أن التنظيم ملهماً وقادراً على الثأر لهم، في ظل الخلافات مع القيادة،
علاوة على نقص الدعم المالي والتشديد الأمني على تجار السلاح في محافظات الدلتا الذين
كانوا يبيعون شباب الجماعة السلاح.
وأوضح أن عدداً من المحسوبين على الجماعة الإسلامية في تركيا
يعمل على استقطاب الشباب المصري للسفر للقتال في سورية، مؤكداً أن شباب الجماعة الذين
سافروا إلى سورية بغالبيتهم فضلوا الانضمام إلى «جبهة النصرة»، وأن اثنين من أبناء
قيادات الجماعة انضما إلى الجبهة.
وظهر قبل أيام، أبو محمد الجولاني، ليعلن انفصال الجبهة عن
تنظيم «القاعدة»، وتغيير اسمها لـ«جبهة فتح الشام»، وكان يجلس إلى جواره أحمد سلامة
مبروك (أبو فرج المصري)، أحد القيادات التاريخية لتنظيم الجهاد المصري.
ورفضت ما تسمى بولاية سيناء، ضم شباب «الإخوان»، خوفاً من
الاختراق الأمني، فاضطروا للسفر إلى سورية، وفق قوله، إلا أن التنظيم أصدر تسجيلاً
مصوراً في كانون الثاني (يناير) الماضي، في عنوان: «رسائل من أرض سيناء 2»، هاجم فيه
ما سماه «ديموقراطية الإخوان»، وطالبهم بتنفيذ عمليات ضد «النظام» بدلاً من «التظاهرات
السلمية».
ويقول المصدر الجهادي، أن تنظيم الدولة وفرعه في سيناء، يعتقدان
أن شباب «الإخوان»، يمكن أن يكونوا نواة كيان كبير.
وكشف محامي عدد من المتهمين بالانتماء إلى تنظيمات إرهابية،
استناداً إلى أوراق التحقيقات، عن أن تنظيم أنصار بيت المقدس، شكل عقب عزل الرئيس المعزول
محمد مرسي، ما يعرف بـ «خلايا الوادي». وعرفها بأنها الخلايا التي انتشرت في محافظات
الدلتا واستهدفت مديريتي أمن القاهرة والدقهلية وغيرها من العمليات وأشهرها خلية «عرب
شركس».
واعتماداً على أوراق التحقيقات، قلل من إمكان انضمام المجموعات
النوعية إلى «الإخوان»، إلى «داعش». وقال: «جماعة الإخوان مفككة، ولا يوجد قرار رئيسي
كما كان في السابق، وربما من قرروا التعاطف أو الانضمام، قرروا ذلك في شكل فردي، مشيراً
إلى أن تحقيقات النيابة تؤكد تلقي الخلايا النوعية للإخوان أموالاً من تركيا».
وقال المصدر الإعلامي المقرب من جماعة «الإخوان» في تركيا،
أن عدداً من شباب «الإخوان» في القاهرة، انضم إلى خلايا الوادي، علاوة على ظهور بعضهم
في فيديوات بثها تنظيم «ولاية سيناء».
كما كشف وجود خلافات واشتباكات بين عناصر «الإخوان» والمتهمين
بالانتماء إلى «داعش» في سجني استقبال طرة والعقرب، موضحاً أن هذه الاشتباكات حدثت
مرتين في كل سجن، قبل العيد وأخيراً، نتيجة لوجود بعض «العنابر المشتركة».
وقال: «داخل العنابر المشتركة، تحدث مناظرات بين الإخوان
والمؤيدين لداعش، ما يؤدي إلى اشتباكات».
واستبعد العميد خالد عكاشة، الخبير الأمني، إمكان وقوع اشتباكات
داخل السجون المصرية، موضحاً أن إدارة السجون لا تسمح بذلك.
ويقول المصدر الإعلامي المقرب من «الإخوان»، أن السودان هو
المرحلة الأولى لسفر الشباب «الإخواني» نحو سورية التي ينطلقون منها نحو تركيا وبعد
ذلك يدخلون من الحدود التركيا إلى سورية.
وفي 2015، نشر داعش كتيباً من 50 صفحة في عنوان: «كيف تهاجر
إلى دولة الخلافة»، طالب فيه كل من يريد الالتحاق بالتنظيم، بحجز تذكرة ذهاب وعودة
إلى إحدى الدول الأوروبية، لتضليل الأجهزة الأمنية، وبعد السفر يذهب إلى تركيا، ليتواصل
مع عنصر الدولة، الذي دعاه إلى الانضمام.
وقبل سفر محمود الغندور إلى سورية، نشر على صفحته على موقع
«فايسبوك» أنه متجه إلى روما، ونشر صوراً له من هناك، لكنه لم يعد إلى مصر.
ويقول المصدر «الجهادي» المصري، المقيم في سورية: «لكي يلتحق
أي فرد بالمقاتلين في سورية، تلزمه تزكية من أحد الإخوة». والتزكية عباره عن ضمان من
الشخصيات «الجهادية» ذات الثقل في أي تنظيم.