أوائل الثانوية العامة في التسعينيات والألفينات.. مدرسة لغة إنجليزية ومنهم من ينتظر حتى الآن التعيين الرسمي!
عقب حصولهم على أعلى الدرجات ووصلهم لأوئل الثانوية العامة، كانو يتطلعون لمستقبل أفضل لاسيما في المجالات العلمية والمهنية، ولكن ما حدث هو العكس تمامًا فكان حالهم أسوء بكثير من بعض الطلاب الذين لن يحالفهم الحظ ويحصلون على درجات عالية، وعملو ببعض المهن بعد تخرجهم، فالبعض نهض بنفسه ووضع بصمة في مكانه أما "الأوائل" لم يجدوا سوى خيارين التفرغ للبحث عن وظيفة بشهادته التي لن يجدها غالباً، أو البحث عن أي مصدر رزق حتى وإن كان بسيطاً.
ورغم كل الحالات التي تؤكد اختفاء أوائل الثانوية العامة عقب تخرجهم من المشاهد العلمية والمهنية بالمجتمع، إلا أن أولياء الأمور تسير على نهج "المجموع والدرجات" في تحديد مصير أبنائها.
وفي هذا التقرير تجيب "الفجر" على بعض التسأولات التي مفادها أين ذهب أوائل الثانوية العامة؟ وهل حقق البعض منهم أحلامهم، وهل ساعدتهم الدراجات العالية في تأمين مستقبلهم؟.
لم تحقق حلمها بالعمل بالترجمة
"نور الهدى أمين"، الأولى على مستوى جمهورية مصر العربية في الثانوية العامة عام 1994 بمجموع 94٫5%، حيث إنها دخلت القسم الأدبي في الثانوية العامة، وكان هدفها المذاكرة باجتهاد والحصول على درجات عالية حتى تعمل في مجال الترجمة قسم اللغة الإنجليزية.
ولكن بعد تخرجها من كلية الألسن قسم لغة إنجليزية، حاولت العمل في مجال الترجمة بمبنى الإذاعة والتليفزيون، حيث اجتازت كل الامتحانات التي تؤهلها للعمل، ولكن لم يحلفها الحظ، وذهبت بعد ذلك للعمل في مجال التدريس وعملت مُدرسة لغة إنجليزية، حيث قالت آنذاك : "هي دي المهنة اللي قدرت أشتغل فيها بدون واسطة، وحبيتها بعد كده، علشان لما بتعب فيها بلاقي مقابل"، غير أنها تضيف حافزاً ودافعاً معنوياً لتلاميذها عندما يعرفون أنها من أوائل الثانوية العامة.
منتظر التعين الرسمي منذ عام 2000
"عمرو السيد"، الذي كان أيضاً من أوائل كليته، وكان الطالب المثالي طوال مراحله الدراسية، وكان قائد الهلال الأحمر المصري، خريج دفعة 2000، ولم يكتف بكل هذا، بل أجاد أربع لغات مختلفة، ورغم كل ذلك قابل صعوبات كثيرة حتى يحصل على وظيفة تليق به وبطموحه، ولكن كل محاولاته باءت بالفشل فقرر السفر إلى إحدى دول الخليج.
لم يجد أمامه سوى اختيارين، إما أن يتفرغ للبحث عن وظيفة بشهادته التي لن يجدها غالباً، أو البحث عن أي مصدر رزق حتى وإن كان بسيطاً، وبالفعل وجد فرصة عمل "ديليفري" في أحد المطاعم الشهيرة، وبعد فترة تعرض إلى حادث كبير بالموتوسيكل وأصبح لديه إعاقة في قدمه بعد إجراء أربع عمليات فيها، أجلسته الواقعة في المنزل لمدة طويلة حتى زادت حالته الاقتصادية سوءاً، واستسلم بعدها تماماً للظروف وعاد إلى مصر.
وعندما عاد إلى مصر كان شغله الشاغل هو إيجاد فرصة عمل، والتي لم توفرها له الدولة كمتفوق دراسياً، فعمل سائقاً في شركة وأمين مخازن في مصنع خشب وعامل نظافة في مطعم وطباخاً في مطعم آخر، لكنه لم ينسَ حلمه في استكمال الماجستير والدكتوراه، حيث أتيحت له فرصة في التقديم مرة أخرى في الماجستير وبعدها حصل تعيين في مديرية الشباب والرياضة، ولكن لهذه اللحظة منتظر التعيين الرسمي رغم إنه خريج 2000 ومن أوائل الثانوية العامة.
الأولوية لأبناء الأطباء
"رؤوف محمود"، من ضمن أوائل الثانوية العامة عام 2007، حيث إنه التحق بكلية الطب جامعة عين شمس، ولم ير أيضاً دور الدولة إلا وقت تكريم الطلاب، بالإضافة إلى المعاناة التي واجهها في التعيين، فالواسطة تغزو كل المجالات، لاسيما مجال الطب: "ولاد الدكاترة لهم أولوية فى التعيين في المستشفيات الحكومية والخاصة"، واستكمل قائلاً: "بدأت بتعيين في مستشفى عين شمس التخصصي في الإدارة الطبية، وبعدين سافرت أمريكا علشان أحسن الـ"سي في" لأن الدراسة في أمريكا أفيد بكتير من مصر"، وبعدما عاد إلى مصر حصل على فرصة في أحد المستشفيات الخاصة الكبيرة فتشبث بها بالإضافة إلى الوظيفة الحكومية، ولكن لم تفده تلك الوظيفة الحكومية بشيء، لأن المرتب قليل جداً ولم يتعلم شيئاً يزيده خبرة، بعد حصوله على الثانوية العامة كأحد أوائلها.
سائق تاكسي
" سمير أحمد"، من أوائل الثانوية العامة، حيث التحق بكلية العلوم رغم أنه كان حلم حياته أن يصبح طبيباً ويلتحق بكلية الطب، إلا أنه لم يدخلها بفارق 1% فقط، وبعد معاناته في البحث عن عمل في مجاله، أو توفير فرصة عمل من قبَل الدولة له، قرر أن يعمل على سيارة أجرة، ليست ملكه وإنما هو مجرد سائق عليها: "أنا رافض الوضع اللي أنا عايش فيه ده، أنا أقصى طموحي إني أشتري عربية تكون ملك ليا وعلشان كده بيطلع عيني علشان أجمع فلوس تجيب تمنها، عمري 28 سنة ومن المتفوقين، ورغم كل ده مش عارف أعيش عيشة كويس".
أوائل الثانوية العامة 2016
أما عن أوائل الثانوية العامة لعام 2016 أعلنت وزارة التربية والتعليم القائمة النهائية تضم 40 طالبا وطالبة وهذا العدد يعد الأكثر مقارنة بالسنوات الماضية، حيث تصدرت محافظة القاهرة ترتيب الأوائل الثانوية العامة وحصدت محافظتي الدقهلية، والمنوفية على ١٢ مركزا من أوائل طلاب الثانوية العامة شعبتي علمي علوم وعلمي رياضة، حيث حصل 7 طلاب على المركز الأول مكرر علمي علوم كما حصل طالبين على الأول مكرر علمي رياضة.
رؤية مغلوطة للحماية والمستقبل
وعلق الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسي في جامعة القاهرة، أن تشبث أولياء الأمور بدرجات الطالب في الثانوية العامة ما هي إلا معتقد بأنه حماية وأمان لمستقبل أبنائهم، وأن بذلك ضمنو مستقبلهم، نظرًا لأن "المجموع" في الثانوية العامة هو من يحدد مستقبل الطالب، ووضعه الاجتماعي.
وأوضح "فرويز"، في تصريحات صحفية لـ"الفجر"، أن الأسرة المصرية منذ زمن بعيد وهي لا تريد لأبنائها سوى كليات"الطب، والهندسة، والشرطة"، وبغير ذلك فهو ابن ضل طريقه ومستقبله أعتم، وبالرغم من الوعي والإدراك المنتشر حاليا، إلا لازلت نظرة "درجات الطالب" هي الأساس في تقيمهم لأبنائهم، وأيضًا بحسب نظام التعليم المصري.
وأشار أستاذ الطب النفسي في جامعة القاهرة، إلى أن البيروقراطية التي تتجزر في مؤسسات الدولة اعتادت على التعامل مع الطلاب على أساس المجاميع التي حصل عليها في مرحلة الثانوية العامة، وكالمثل ولي الأمر اعتاد على تحديد مهنة ابنه ومستقبله من مجموع الدرجات بالثانوية العامة، معتبرًا أن التنسيق الجامعي نظام تربوي فاشل.