في الذكرى الـ 29 على رحيله .. تعرف على الدور السياسي لتوفيق الحكيم
اليوم السادس والعشرين من شهر يوليو تحل علينا الذكري 29 لوفاة الراحل والأديب المصري توفيق الحكيم والذي يُعد أحد الرواد القلائل للرواية العربية والكتابة المسرحية في العصر الحديث، فهو من إحدى العلامات البارزة في حياتنا الأدبية والفكرية والثقافية في العالم العربي، وقد امتد تأثيره لأجيال كثيرة متعاقبة من الأدباء والمبدعين، وهو أيضا رائد للمسرح الذهني ومؤسس هذا الفن المسرحي الجديد؛ وهو ما جعله يُعد واحدا من المؤسسين الحقيقين لفن الكتابة المسرحية، ليس على مستوى الوطن العربي فحسب وإنما أيضا على المستوى العالمي، ومثل الكثير من شباب جيله الذي عاش كل الحروب والثورات التي مرت بها مصر خلال القرن العشرين كان للحكيم دور سياسي بارز بدأ في ثورة 1919 وانتهي بوفاته.، وخلال التقرير التالي تعرص الفجر الحياة السياسية للراحل توفيق الحكيم.
نشأته
ولد توفيق إسماعيل الحكيم بضاحية الرمل بمدينة الإسكندرية عام 1898، لأب من أصل ريفي وأم من أصل تركي كانت ابنة لأحد الضباط الأتراك المتقاعدين، وترجع جذوره وأسرته إلى قرية "الدلنجات" بالقرب من "إيتاي البارود" بمحافظة البحيرة، وقد ورث أبوه عن أمه 300 فدان من أجود أراضي البحيرة، في حين كان إخوته من أبيه يعيشون حياة بسيطة ويكدون من أجل كسب قوتهم بمشقة واجتهاد.
عاش توفيق الحكيم في جو مترف، حيث حرصت أمه على أن يأخذ الطابع الأرستقراطي، وقد سعت منذ اللحظة الأولى إلى أن تكون حياة بيتها مصطبغة باللون التركي، وساعدها على ذلك زوجها.
الحكيم في ثورة 1919
بعدما انتقل الحكيم ليعيش مع أعمامه في القاهرة والتحق بمدرسة محمد علي الثانوية، وفي تلك الفترة اشتعلت شرارة الثورة الشعبية المصرية سنة 1919، فشارك الحكيم وأعمامه مع جموع المصريين في تلك الثورة، فقبض عليهم واعتقلوا بالقلعة بتهمة التآمر على الحكم، وعندما علم أبوه بالخبر أسرع إلى القاهرة وسعى بأمواله وعلاقاته أن يفرج عن ابنه وإخوته، ولكن السلطات العسكرية لم تتساهل ومانعت بشدة الإفراج عن أي من المعتقلين، إلا أنه استطاع بعد جهد كبير أن ينقلهم من معسكر الاعتقال بالقلعة إلى المستشفى العسكري.
وبعد أن هدأت الأحداث بدأت السلطات العسكرية تفرج عن المعتقلين، وكان الحكيم وأعمامه من أول من أُفرج عنهم، فخرج من المعتقل، وقد تركت الحادثة أثرا قويا في نفسه بالنقمة على المستعمرين وشعورا دافقا بالوطنية والوعي التحرري.
ميول الحكيم السياسية وثورة يوليو
لم يرتبط الحكيم بأي حزب سياسي في حياته قبل الثورة، على الرغم من ميوله الليبرالية ووطنيته، حيث حرص علي استقلاله الفكري والفني، وعندما قامت ثورة يوليو 1952، ارتبط بها وأيدها، ولكن في الوقت نفسه كان ناقدًا للجانب الديكتاتوري غير الديمقراطي الذي اتسمت به الثورة منذ بدايتها.
وفي هذه السياق تبنى الحكيم عددًا من القضايا القومية والاجتماعية وحرص على تأكيدها في كتاباته، فقد عنى ببناء الشخصية القومية، واهتم بتنمية الشعور الوطني، ونشر العدل الاجتماعي، وترسيخ الديمقراطية، وتأكيد مبدأ الحرية والمساواة.
الحكيم وعبد الناصر
كان الرئيس جمال عبد الناصر قد أنزل توفيق الحكيم منزلة الأب الروحي لثورة 23 يوليو، بسبب عودة الروح التي أصدرها الحكيم عام 1933، ومهّد بها لظهور البطل المنتظر الذي سيحيي الأمة من رقادها، كما قلده عبد الناصر قلادة الجمهورية عام 1958 ، وحصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1960، ووسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى في نفس العام.
والجدير بالذكر أن عبد الناصر لم يمنع أي عمل لتوفيق الحكيم، حتى عندما أصدر السلطان الحائر بين السيف والقانون في عام 1959، وبنك القلق عام 1966، حيث انتقد النظام الناصري ودافع عن الديمقراطية، ووصل الأمر أن عبد الناصر كان بستقبل الحكيم في أي وقت وبغير تحديد لموعد سابق بينهم، وهو ما أكده الحكيم نفسه في جريدة الأهرام في 15 مارس 1965، وفي أثناء تأبين عبد الناصر بعد وفاته عام 1970 سقط توفيق الحكيم مغمى عليه وهو يحاول تأبينه وبعد أن أفاق قال خطبة طويلة من ضمنها: "اعذرني يا جمال، القلم يرتعش في يدي، ليس من عادتي الكتابة والألم يلجم العقل ويذهل الفكر، لن أستطيع الإطالة، لقد دخل الحزن كل بيت تفجعا عليك، لأن كل بيت فيه قطعة منك، لأن كل فرد قد وضع من قلبه لبنة في صرح بنائك.
مهاجمة عبد الناصر
وفي عام 1972 أصدر الحكيم كتاب عودة الوعي مهاجما فيه جمال عبد الناصر بعنف، ترتبت على عودة الوعي ضجة إعلامية، حيث اختزل الحكيم موقفه من التجربة الناصرية التي بدأت كما ذكر: يوم الأربعاء 23 يوليو 1952 حتى يوم الأحد 23 يوليو 1973، واصفا هذه المرحلة بأنها كانت مرحلة عاش فيها الشعب المصري فاقد الوعي، مرحلة لم تسمح بظهور رأي في العلن مخالف لرأي الزعيم المعبود. وأعلن في كتابه أنه أخطأ بمسيرته خلف الثورة بدون وعي قائلا: "العجيب أن شخصا مثلي محسوب على البلد هو من أهل الفكر قد أدركته الثورة وهو في كهولته يمكن أن ينساق أيضا خلف الحماس العاطفي، ولا يخطر لي أن أفكر في حقيقة هذه الصورة التي كانت تصنع لنا، كانت الثقة فيما يبدو قد شلت التفكير سحرونا ببريق آمال كنا نتطلع إليها من زمن بعيد، وأسكرونا بخمرة مكاسب وأمجاد، فسكرنا حتى غاب عنا الوعي، أن يري ذلك ويسمعه وأن لا يتأثر كثيرا بما رأي وسمع ويظل علي شعوره الطيب نحو عبد الناصر، أهو فقدان الوعي، أهي حالة غريبة من التخدير.
الحكيم- السادات
وخلال شهر فبراير من عام 1972 قام بكتابه بيان المثقفين المؤيدين لحركة الطلاب بيده، ووقّعه معه آنذاك الكاتب الكبير نجيب محفوظ، حيث ساءت بعدها علاقة الحكيم مع أنور السادات والذي قال وقتها "رجل عجوز استبد به الخرف، يكتب بقلم يقطر بالحقد الأسود، إنها محنة أن رجل رفعته مصر لمكانته الأدبية إلى مستوى القمة ينحدر إلى الحضيض في أواخر عمره"، ليحاول بعدها الكاتب الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل جمع الحكيم مع السادات ونجح بذلك بعد حريق مبنى الأوبرا.
معركة مع اليسار
وخلال سبعينيات القرن العشرين خاض معركة مع اليسار المصري بعد صدور كتاب "عودة الوعي"، وكانت آخر معارك الحكيم الفكرية وأخطرها حول الدين عندما نشر توفيق الحكيم على مدى أربعة أسابيع ابتداء من 1 مارس 1983 سلسلة من المقالات بجريدة الأهرام بعنوان "حديث مع الله" إلى أن توفي في 26 يوليو 1987.