عبدالحفيظ سعد يكتب: «توبة» حسن مالك عن الإخوان
هل مناورة لإخفاء أموال التنظيم أم هروب رجل أعمال؟
■ رجل الأعمال الإخوانى تبرأ من التنظيم أمام المحكمة واعترف بتعامله مع الأمن عقب 30 يونيو
■ مالك لعب دوراً فى إخفاء أموال التنظيم فى التسعينيات ورأس الحربة فى تجنيد رجال البيزنس بعد حكم مرسى
يجسد رجل الأعمال الإخوانى حسن مالك لغزاً داخل التنظيم، فرغم أن له سمعة ضخمة، كأهم رجل بيزنس داخل التنظيم، وأحد أبرز ممولى التنظيم على مدار ثلاثة عقود، إلا أنه ظل طليقاً لمدة تصل إلى عامين ونصف العام من ثورة 30 يونيو على عكس قيادات الإخوان التى ألقى القبض عليها.
وظل حسن مالك بعيداً عن الملاحقة الأمنية فى القضايا التنظيمية التى اتهم فيها غالبية قيادات التنظيم عقب الإطاحة بحكم محمد مرسى. وتمتع مالك على مدار عامين ونصف العام بالتحرك بسهولة، ما أثار عدة استفهامات حول الرجل الذى ارتبط اسمه بشريكه فى البيزنس رجل التنظيم القوى خيرت الشاطر.
لكن فى أكتوبر الماضى وبعد زيادة التلاعب فى أسعار الدولار ونشاط السوق السوداء للعملات الأجنبية، ظهر اسم حسن مالك مرة أخرى على السطح.. وفى عملية مفاجئة ألقى القبض على حسن مالك، وفقا لمذكرة تحريات جهاز الأمن الوطنى اتهم مالك باضطلاع مع قيادات التنظيم الإخوانى الهاربين خارج البلاد بعقد عدة اجتماعات اتفقوا خلالها على وضع خطة لإيجاد طرق وبدائل للحفاظ على مصادر تمويل التنظيم ماليًا، فى إطار مخطط يستهدف الإضرار بالاقتصاد القومى للبلاد، من خلال تجميع العملات الأجنبية وعلى رأسها الدولار وتهريبها خارج البلاد والعمل على تصعيد حالة عدم استقرار سعر صرف الدولار.
ووجه اتهام لمالك بأنه كان يستغل بعض شركات الصرافة «التوحيد» و«النوران» و«الغربية» المملوكة لأعضاء التنظيم فى داخل مصر، وأسندت التحريات أن مالك يستغل هذه الشركات ويقوم بالتنسيق مع رجل الأعمال الإخوانى الهارب عبدالرحمن سعودى للعمل على ضرب الاقتصاد المصرى من خلال رفع سعر الدولار وتخفيض قيمة الجنيه.
وبناء على هذه التحريات تم حبس حسن مالك على ذمة القضايا، لكن يوم الأحد الماضى، وأثناء نظر تجديد حبس حسن مالك أمام محكمة جنايات القاهرة، فجر «مالك» مفاجأة من العيار الثقيل، والتى ربما تكشف عن سر بقاء حسن مالك عقب 30 يونيو خارج السجن، دون أن توجه له اتهامات تتعلق بالتخطيط لأعمال عنف أو خطط تنظيمية عقب أحداث رابعة مثل باقى قيادات الإخوان.
فخرج مالك لقاضى محكمة الجنايات بعد أن سمح له بالتحدث للمحكمة للدفاع عن نفسه، ليذكر أنه عقب فض اعتصامى رابعة والنهضة، اتصل باللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية فى ذلك الوقت، لمعرفة موقفه، فأخبره الوزير وفقا لروايته أمام المحكمة، أنه ليس مطلوبا على ذمة قضايا.
وأشار «مالك» إلى أنه توجه فى اليوم التالى عقب فض الاعتصامين إلى مكتب وزير الداخلية فى ميدان لاظوغلى بناء على طلب الوزير، مضيفاً: «ذهبت إلى مكتب الوزير وتقابلت معه بالإضافة إلى مساعد الوزير للأمن الوطنى اللواء خالد ثروت فى ذلك الوقت».
واستمر حسن مالك فى شهادته التى يكشف فيها عن تعاونه مع الأجهزة الأمنية عقب فض اعتصام رابعة، ليؤكد أمام المحكمة أنه ليس قيادياً أو عضوا فى تنظيم الإخوان، قائلاً: «أنا لست من قيادات الإخوان، ولست عضوا منهم، أنا تاجر، موضحا «أنا منذ ثورة 30 يونيو لا سافرت ولا هربت فلوس ولم أغادر بلدى».
حديث حسن مالك أمام المحكمة، يكشف عن جزء من غموض رجل الأعمال الإخوانى، وسر عدم القبض عليه، بعد أن تواصل مع الأجهزة الأمنية، رغم أن ما ذكره يتناقض مع وضعه الحقيقى داخل التنظيم، خاصة بعد صعود محمد مرسى للحكم وأسند الإخوان لـ«مالك» مهمة تكوين مجموعات من رجال الأعمال التابعين لهم، حتى يتحكموا فى مفاصل الاقتصاد.
وبدأ مالك نشاطه بالفعل لتنفيذ مخطط التنظيم لتكوين مجموعات من رجال أعمال فى عام 2012 بتكوين جمعية «أبدا» التى انضم إليها 120 من كبار رجال الأعمال فى مصر بمن فيهم الأعضاء السابقين فى الحزب الوطنى المنحل، بالإضافة على تصارع عدد يصل إلى 600 من رجال الأعمال للانضواء تحت الجمعية، من أجل التقرب من الإخوان أثناء وجودهم للحكم على أمل أن يحصلوا على الامتيازات كما كان يفعل رجال الأعمال فى الحزب الوطنى المنحل.
ولعب مالك دورا أكثر خطورة فى الملف الاقتصادى للإخوان، وهو التنسيق مع رجال الأعمال الأتراك الذين كانوا يعدون العدة للاستحواذ على الاستثمارات والمشروعات فى السوق المصرية فى ظل الطموح التركى بقيادة رجب أردوغان باستغلال مصر سواء على المستوى السياسى والاقتصادى.
ولعب حسن مالك دورا مهما فى ملف العلاقات الاقتصادى مع تركيا عن طريق رئاسته مجلس الأعمال المصرى التركى، خاصة أن حسن مالك كانت له مصالح بيزنس مع تركيا، عن طريق حصوله على توكيل معارض «استقبال» للأثاث ومجموعة معارض لملابس المحجبات مثل «الفريدة» و»سوار» والتى كان شريكاً فيها مع خيرت الشاطر.
وعلاقة «مالك» ببيزنس الإخوان ليست وليدة فترة صعودهم للحكم فقط، بل يعد مالك الرجل الأول فى عملية استثمار أموال التنظيم وتحريكها فى السوق داخل مصر، خاصة أنه من الشخصيات الإخوانية التى كانت تعمل بالتجارة، التى ورثها عن والده عز الدين مالك الذى كانت تجمعه صداقة بحسن البنا منذ الأربعينيات.
ولكن لعبة الصعود المالى للابن حسن، ارتبط برجل آخر فى التنظيم، وهو خيرت الشاطر، الذى بدأ صعوده فى الجماعة فى منتصف الثمانينيات، وتزامن ذلك مع إنشاء شركة لتجارة السلع المعمرة والتى بدأت نشاطها فى النقابات المهنية، خاصة نقابة المهندسين وتبعها نقابة الأطباء والمحامين والصيادلة التى سيطر عليها الإخوان فى بداية التسعينيات.
وانتقل الشريكان «مالك» و»الشاطر» بعدها للاستثمارات فى مجال البرمجيات، بإنشاء شركة سلسبيل للإلكترونيات والبرمجيات، والتى ارتبطت بقضية شهيرة للإخوان حبس فيها عدد من قيادات التنظيم بعد أن اكتشفت الأجهزة الأمنية وجود شبكة من علاقات التنظيم موجودة لدى الشركة.
ومع تصاعد الضربات الأمنية للإخوان فى منتصف التسعينيات، ابتعد حسن مالك عن لعب دور بارز فى التنظيم حتى لا يلاحق أمنياً وكان هناك حرص من الإخوان بإبعاد أموال التنظيم التى كان يدرها مالك عن الأجهزة الأمنية.
لكن مع بداية صعود الإخوان فى انتخابات عام 2000، بدأ التنظيم فى تشكيل مجموعة جديدة من رجال الأعمال وعدم الاكتفاء بحسن مالك وخيرت الشاطر، وتزامن مع ذلك قيام الإخوان بضخ أموالهم فى السوق المصرية، خاصة بعد قرار أمريكا عقب أحداث 11 سبتمبر بتجميد أموال بنك التقوى فى جزر البهاما.
ومع ضخ الإخوان الأموال فى مصر، بدأت أسماء جديدة تصعد من الإخوان مثل مدحت الحداد وسعد الحسينى وعبدالمجيد المشالى وحسام أبوبكر وصادق الشرقاوى وآخرين، مع توسع خيرت الشاطر فى مشروعاتهم فى المعارض والأثاث والعقارات.
ولكن قبض على خيرت الشاطر وحسن مالك فى قضية ميليشيات الأزهر فى عام 2006 وحكم عليهما بالسجن لمدة سبع سنوات، لتأتى بعدها ثورة 25 يناير، ويخرجا من السجن عقب تنحى مبارك عن الحكم، ليبدأ مرحلة جديدة من الصعود السياسى والاقتصادى لتأتى ثورة 30 يونيو لتعصف بهما وبالتنظيم، لكن يبدو أن حسن مالك يريد أن يبعد نفسه ويعلن تبرؤه من التنظيم، فهل هذه مناورة منه بتعليمات التنظيم حتى يستطيع أن يخفى أموال التنظيم؟ أم أنه بالفعل يخلع عباءة التنظيم كعادة رأس المال الجبان؟ والسؤال الأهم هل تفتح توبة حسن مالك الباب أمام آخرين من قيادات الإخوان لإعلان التوبة ولفظ التنظيم؟ هذا ما تجيب عنه الأيام المقبلة.