نصار عبدالله يكتب: خالد محيى الدين يتكلم «1»
أعتقد أن شهر يوليو هو المناسبة المثلى للحديث عن واحد من أهم الكتب التى كتبت عن ثورة 23يوليو، إن لم يكن أهمها جميعا فى رأيى على الأقل.. وأعنى به كتاب: "الآن أتكلم" لخالد محيى الدين الذى قرأته حتى الآن ثلاث مرات، وفى كل مرة أشعر بقدر كبير من المتعة والرغبة فى مواصلة القراءة بلا توقف، وكأنى أقرؤه للمرة الأولى!!.. ولقد كانت أولى المرات التى قرأتها فيه هى قراءتى إياه فى نفس عام صدوره من مركز الأهرام للترجمة والنشر1992.. بعد ذلك بعشر سنوات كاملة، وأثناء جولتى فى معرض القاهرة الدولى للكتاب استوقفنى فى جناح الجامعة الأمريكية نسخة من كتاب أنيق ذى غلاف مقوى عليه صورة لخالد محيى الدين وعليه عنوان بالإنجليزية هو "ذكريات ثورة" وكان الخصم المعلن عنه فى اللافتة المعلقة فى مدخل الجناح خصما مغريا.. خمسون فى المائة من السعر الأصلى بالنسبة لجميع الكتب التى مضى على صدورها خمسة أعوام فأكثر، وخمسة وعشرون فى المائة للكتب التى مر على صدورها عامان، وعشرة فى المائة لما عدا ذلك!!.. سألت عن سعر الكتاب بعد الخصم فعرفت أنه أقل من عشرة جنيهات فاشتريته من بين ما اشتريت على الفور!.. كنت أشك فى أنه الترجمة الإنجليزية لكتاب "الآن أتكلم" الذى سبق لى قراءته بالفعل لكن هذا لم يحل بينى وبين شراء كتاب أنيق مطبوع على ورق فاخر، خاصة أن النسخة العربية كانت قد تاهت بين أكداس الكتب المكدسة فى مكتبتى!!.. حين بدأت القراءة جذبنى إليه مرة أخرى، وانكببت عليه أياما متوالية حتى فرغت منه!..بوسعك أن تعتبره كتابا من كتب السيرة الذاتية، وأنا أعشق هذا اللون من الكتابة،..بوسعك أيضا أن تعتبره كتابا من كتب التاريخ الحى النابض الذى يكتبه كاتب يتسم من الموضوعية والصدق بأقصى قدر تسمح به طبيعة الموضوع الذى يكتب فيه، خاصة أنه هو نفسه كان واحدا من صانعى الحدث الذى يؤرخ له.. ومرة أخرى أنا أيضا أعشق هذا اللون من الكتابة الذى لا نجده إلا عند قلة قليلة من الكتاب والمؤرخين. فى بداية الكتاب يحدثناخالد محيى الدين عن طفولته التى كان من أبرز معالمها فى ذاكرته معلمان هما: التكية والتختبوش!، أما التكية فهى مقر طريقة صوفية هى الطريقة النقشبندية التى كان الجد الأكبر لوالدته الشيخ: "محمد عاشق" خليفة لها، أما التكية ذاتها فهى كما يصفها بيت شرقى ساحر، فيه فسقية فى منتصف الحديقة الواسعة المليئة بالأشجار والورود والتمرحنة، وفيه قبر الخليفة ومسجده، أما دراويش الطريقة فيشغلون الدور الأول من التكية، فى حين أن الدور الثانى يشغله المؤلف فى طفولته هو ووالدته وجده الشيخ عثمان خالد، شيخ الطريقة وناظر الوقف. أما والده فقد كان مقيما فى كفر شكر يشرف على زراعة الأرض لثلاثة أيام فى الأسبوع ثم يأتى ليقيم مع بقية الأسرة فى التكية، وعندما تنتهى ينطلق الطفل خالد إلى كفر شكر ليقيم بجوار التختبوش فى بيت العائلة (التختبوش كلمة تعنى المضيفة وهى فارسية الأصل على الأرجح).. وفى بيت العائلة تبدو الحياة مختلفة، فالجد محيى الدين تاجر ومزارع شاطر، تاجر فى القطن على زمان الحرب الأهلية الأمريكية، وكسب كثيرا فى كفر شكر واشترى مئات الأفدنة، ولما عادت أسعار القطن إلى الانخفاض تحول إلى زراعة الفاكهة، وهو الذى أدخل إلى كفر شكر زراعة العنب والمانجو والبرتقال. وللحديث بقية.