الحاج محمد.. "مسحراتي منقراتي في البلد جوال"
بجلبابه المتواضع، وشاله القابع فوق رأسه، وبوجهه الذي ينطق بأحداث الأيام والليالي، ها هي الساعة تدق 12 ليلا، وينطلق معها الحاج محمد المسحراتي -70 عاما، وقد أعد عدته المكونة من طبلة وعصا، التي يستعملها في إيقاظ الأهالي لتناول السحور، ينطلق عم محمد من بيته متوكلًا على ربه الرزاق سائرًا على قدميه، ليتجول بالشوارع والحواري، ويوقظ الجميع على صوت طبلته المتفردة، دون أن يردد بالكلمات المعهودة التي يرى أنها لم تعد تصلح مع الأجواء التكنولوجية الجديدة.
يروي الحاج محمد المسحراتي، الذي يعد وريثا شرعيا لهذه المهنة، وهي مهنة "الطبل البلدي" التي أخذها عن جدوده بالأساس فيقول :"هذه المهنة عنيت بها عائلتنا منذ 300 عام، ولا تزال في أسرتنا ممتدة ويتوارثها الأبناء عن الأجداد، وهذا هو السر في إطلاق على عائلتنا لقب "الطبال"، التي ارتبطت بمهنتنا منذ قديم الأزل، حيث جدودي وجدود جدودي الضاربين بجذورهم في عمق الأيام والتاريخ".
ويتابع قائلا :"مهنة الطبل البلدي هي التي اوصلتنا إلى مهنة المسحراتي"، التي يرى أنها لم تعد كما كانت في السابق، :"المسحراتي في رمضان أيام زمان كان له دور أساسي، فبدونه كان لا يمكن أبدا أن يقوم الناس لتأدية السحور الذي أوصى به النبي عليه الصلاة والسلام، فانعدام الكهرباء كان يجعل الناس تنام بدري جدا، وعليه فكان المسحراتي يجوب الشوارع كلها معليا بصوته العذب مرددا بعض الكلمات المعروفة، مدعما ذلك بالدق على طبلته، كي يوقظ الناس من نومهم".
ويضيف :"في هذه الأيام الأمور اختلفت كثيرا عن ذي قبل، حيث التكنولوجيا لعبت دورا كبيرا وحيا، في ذهاب حلاوة وجمال مهنة المسحراتي، التي كانت تمثل مصدر فرح للجميع في السنوات التي مضت، وأصبح الناس لا ينامون بالأساس، كي يقوم المسحراتي بوظيفته وهي إيقاظهم من نومهم لتناول وجبة السحور".
ويحكي عم محمد عن يومه في رمضان، فيقول "عند الساعة 12 ليلا أذهب في المنطقة التي حددت لي لأغطيها، سيرا على قدمي"، وأثناء الرحلة اليومية له يقول :"أفضل شيء بيسعدني هو منظر الأطفال التي تنحدر عليّ من كل حدب وصوب، على الرغم من التعب الشديد الذي يلاحق جسدي، إلا أن منظر الأطفال يسبب لي نوعا من البهجة والسرور ليست عند أحد، كما أن الأهالي يلاحقوني أيضا ليلتقطوا معي الصور التي تأتي بمثابة ذكرى جميلة، ستعيش مع الأيام".
ويختتم الحاج محمد، متحدثا عن اهمال الحكومة لهم وتجاهلها لمن يعملون بهذه المهنة، حيث يؤكد أن هذه المهنة كانت لابد أن تحظى باهتمام الحكومة، بحيث تقرر معاشات لهم، وتعطيهم بدل الجهد الذي يبذلونه في شهر رمضان، لكن يشدد على أنهم يفعلون ذلك منتظرين الأجر من الله