عبد الحفيظ سعد يكتب: الحرب الملعونة لتصفية نقابة الصحفيين
من يوشى بنقابة الصحفيين؟ من يريد أن يكسر القلم؟ من يسعى لإطفاء الحرية؟ والأهم من ذلك، من هؤلاء الهادفون لوضع مصر فى مستنقع الدول التى تقمع حرية التعبير؟
هذه الأسئلة لم يجب عنها أحد على مدى يزيد على شهر، عمر الأزمة بين نقابة الصحفيين ووزارة الداخلية، لذلك تصاعدت الأزمة بقوة الدفع التى مارسها أصحاب الألعاب السفلية، وزارعو الوشايات، الذين يريدون أن يصفوا حساباتهم مع النقابة أو لتحقيق مصالح أو الحصول على مناصب، لدرجة أنهم صوروا الأمر كذبا بأنه «معركة تكسير عظام بين الدولة والصحفيين».
ورغم أن الخلاف الذى ظهر بين النقابة والداخلية، لم تكن بدايته واقعة اقتحام مبنى النقابة، بل سبقه الأحداث التى شهدها محيط النقابة يوم 25 إبريل من عملية حصار النقابة ومنع أعضائها وموظفيها من دخول المبنى بعد أن قامت مجموعة من المستأجرين الذين يطلق عليهم تهكما «المواطنين الشرفاء»، بالاعتداء على الصحفيين ومبنى النقابة فى وجود قوات الأمن التى لم تتحرك لمنع الاعتداء على النقابة، وهو ما دعا النقابة أن تتقدم ببلاغ رسمى للنائب العام تتهم فيه قوات الأمن بالتواطؤ مع الذين اعتدوا على النقابة والصحفيين.
لذلك عندما حدثت واقعة اقتحام المبنى، كانت هناك خلافات سابقة بين النقابة والداخلية، وهو ما صعد الأمر بصورة أكبر، خاصة أن الواقعة مخالفة لنص قانون النقابة الذى يمنع تفتيش أو اقتحام مبنى النقابة، إلا بوجود ممثل للنيابة العامة ونقيب الصحفيين.
ولا يعد نص هذه المادة أمرًا غير تقليدى، بل هو حصانة ممتدة للنقابة ونقابات مهنية أخرى مثل نقابة المحامين التى يحظر قانونها ليس تفتيش مبنى النقابة فقط، بل يحظر أيضا تفتيش مكتب أى محام، إلا بوجود ممثل للنقابة ووكيل للنائب العام، لذلك لم تكن الحصانة لمبنى النقابة ليس بدعة أو مميزة خاصة.
لذلك كان إغفال هذه الحقائق والإجابة عن هذه الأسئلة التى تحديد من يحرك الأحداث ويريد استمرار الحريق حتى يتخفوا وراء دخانه، كفيلة أن توقف الأزمة قبل أن تزداد اشتعالا، والتى تصاعدت الاثنين الماضى بعد حجز نقيب الصحفيين يحيى قلاش وسكرتير عام النقابة جمال عبدالرحيم ورئيس لجنة الحريات خالد البلشى، ومبيتهم فى قسم شرطة قصر النيل.
ومع تصاعد الأمر واستمرار احتجاز نقيب الصحفيين أصدرت منظمة العفو الدولية بيان اعتبر أن احتجاز قلاش وقيادات النقابة، يعد تصعيدًا خطيرًا للحملة المشددة التى تقوم السلطات المصرية على حرية التعبير ويبين مدى استعداد السلطات لاتخاذ إجراءات بالغة الشدة لإحكام قبضتها الحديدية على السلطة».
وتبع ذلك صدور بيانات من عدة منظمات دولية مهتمة بحرية التعبير، خاصة بعد قرار النيابة عقب الإفراج عن نقيب الصحفيين وعضوى المجلس، بتحديد جلسة محاكمة عاجلة لهم السبت المقبل أمام محكمة جنح عابدين.
وتحول قرار احتجاز وإحالة نقيب الصحفيين واثنين من أعضاء مجلس النقابة للمحاكمة العاجلة لخبر رئيسى على نشرات الأخبار على شاشات التليفزيونات العربية والعالمية بما يمس سمعة مصر.
لكن يبدو أن هناك من يريد أن يضع مصر فى وحل قائمة الدول المعادية للحريات، وأن تظهر بشكل يقمع حرية التعبير، ليس أمام العالم فقط، بل يمتد للانتقاص أو الإغفال المتعمد لنصوص الدساتير المتعاقبة، على مدار قرن من الزمان.
لذلك تأتى الهجمة الشرسة على الحريات ونقابات الصحفيين، لتكشف حقيقة من يحركون الفتنة فى الخفاء ويريدون أن يشعلوا الحرائق بهدف تحقيق صالحهم، فبعض غاضب من النقابة لخلافات مع أعضائها، وآخر يسعى للعودة للقيادة بعد أن طرد منها عقب أحداث 25 يناير، وهو يشبه فى ذلك نيرون الذى حرق روما على رأسه قبل أهلها، ليشفى غيظه، بينما ثالث يسعى لتقديم الخدمات، ليزيد من الألقاب والمناصب التى يحصل عليها، فى الصراع الدائر الآن على التواجد فى المجلس الوطنى للصحافة والإعلام، المزمع إنشاؤه عقب وضع القانون الخاص به.
والغريب أن المتشددين الذين يلعبون أدوارًا خفية فى التحرك ضد نقابتهم، سعيا لمصالحهم أو لتصفية الحسابات، كانوا أول من يهاجم النقابة لو لم تأخذ موقفًا من عملية الاقتحام، وساعتها كان يطالبونها بالتحرك وتسعى لإقالة وزير الداخلية، ويتهمونها بالتخاذل لأنهم صمتوا عن ما تعرضت له النقابة، لأنه لم يحدث على مدار تاريخها الممتد لـ75 عاما.
لكن عندما اشتدت الأحداث وبدلاً من قيامهم بتوضيح الأمور والتمسك بالدفاع عن حرية نقاباتهم والمهنة راحوا يلعبوا دور التحريض ضدها، وحولوا الأمر أنه مجرد تصرفات خاصة من مجلس النقابة، لدرجة وصلت لحد التحريض والتهديد بحبس نقيب الصحفيين، فى سابقة لو حدثت ستجعلنا أضحوكة العالم، خاصة أن الاتهامات الموجهة له وأعضاء المجلس تتعلق بعملهم النقابى فى الدفاع عن الأعضاء وليس متعلقة بجريمة جنائية أو حتى سياسية.
فيحيى قلاش النقيب الذى انتخبه الصحفيون، وعملية التربص به مع أعضاء مجلس النقابة، رسالة للعالم بوجود تنكيل بحرية الصحافة، ورغم أن النقابة رفضت فى اجتماع الجمعية العمومية فى 4 مايو، أى تدخل خارجى، بعد تصريحات وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى بعد واقعة اقتحامها، لشعور أعضائها أن دورهم الوطنى لا يحجبه الخلاف، ولابد أن يكون تصرف السلطة بما يحافظ على إحدى القوى الناعمة لمصر، وعدم الاستماع لمن يشعلون الحرائق فى الخفاء، للحصول على المكاسب وتصفية الحسابات، لدرجة تصل على ما يفوق العقل، بالسعى لحبس نقيب الصحفيين، وهم لا يدركون أنهم يحبسون حرية مصر، ويطعنونها بين الأمم التى ترفض حبس أى صاحب رأى، فما بالنا إذا كان رمز الصحفيين..!