د. رشا سمير تكتب: إعلام الدولة ودولة الإعلام
فى الوقت الذى مر فيه عيد الإعلاميين دون أى احتفاء، أصبح من الواضح وضوح الشمس أن الإعلام المصرى يمر بمرحلة عنق الزجاجة..ففى مرحلة إعادة التدوير recycling وإعادة التكوين formatting وحالة الإحلال والتغيير، أصبح البديهى أن يبقى البعض على الساحة ويختفى الكثيرون..
وفى الوقت الذى يجب أن يكون البقاء فيه للأصلح مازال البقاء لمن له علاقات ومصالح وقدرة على المراوغة.
ولا يخفى على أحد أن الإعلام المصرى كان له دور مهم وخطير فى كل مراحل بناء الوطن..
ففى المرحلة الناصرية..تلك التى لخصها الرئيس السيسى فى جملة واحدة هى (يا بخت عبد الناصر بإعلامه) كانت فى الحقيقة مرحلة بلا قنوات فضائية!. فكان من حظ عبد الناصر السعيد أنه لم يمتلك إعلاما خاصا ولا إعلام دولة فكانت كلمته هى فقط الكلمة المسموعة المُصدقة دون مزايدات ولا افتراءات..
وفى المرحلة الإخوانية كان للإعلام المصرى دون شك الدور الأكبر فى إسقاط محمد مرسى وعصابته، فالتهليل والهجوم وتسليط الضوء على كل زلة أو إخفاق كان له أكبر الأثر فى سقوط دولة تجار الدين وانهيار كيانهم الزائف..والحقيقة أن من كان لهم موقف ضد المرحلة كانوا إعلاميين وطنيين بحق أرادوا لوطنهم الحياة.. وفى ظل هؤلاء اختبأ بعض من كانت لهم أدوار مدفوعة وترجمت مواقفهم إلى أموال ونفحات من أصحاب المصالح المختلفة..
وفى مرحلة ما بعد ثورة ٣٠ يونيو ظهر الوجه القبيح للإعلام..فهل كان كشف النقاب عن هذا الوجه مقصودا أم سقط القناع من تلقاء نفسه بعد زيف سيطر على الوسط طويلا؟!..
ارتبك المشهد ولم يعد من السهل على أى شخص مثقف كان أم بسيطا أن يفهم ماذا يحدث؟ ولا من هو الطيب ولا الشرس ولا حتى القبيح؟..
فالإعلامى الذى حشد واطلق الوقفات الشعبية وقت الثورة ونعتوه بالإعلامى الأمنجى تحول بقدرة قادر إلى عميل يستقبل السفير الإسرائيلى فى بيته وبعد تطويقه بالورود أصبح يقذف بالنعال تحت قبة البرلمان!..
والإعلامى الذى هاجم الإخوان واحترم الناس مواقفه وكتاباته لكشف تلك الجماعة، وجد صندوقا سحريا به محادثات شخصية واتفاقات مخزية لشخصيات قررت الدولة حرقها، وبعد أن آمن به البسطاء وصنعوا له تماثيل من العجوة، تبدل الحال وتغيرت هيئته وأصبح وجوده فى أى مكان محاطا ببودى جاردز وزيطة وزمبليطة..
فأثار تساؤلات وسخط من أمنوا به وقرروا أن يأكلوا العجوة ويهدموا التمثال!..
أما الإعلامية التى أثار برنامجها وتصرفاتها استياء كل الفئات المتحفظة فى مصر حتى وقعت فريسة اتهامات من فتاة اتهمتها بالنصب عليها وتعريتها أمام المشاهدين، فأشهرت فى وجهها السيوف، ثم ما بين يوم وليلة تتنازل الفتاة عن البلاغات بقدرة قادر وتعود الاعلامية مرة أخرى للمشهد ولكن هذه المرة فى ثوب البطلة!..
ويسوء الوضع بظهور إعلام الاشتباكات والسب والقذف على الهواء وكأن البرامج أصبحت تُبث من حوش عيسى!. أى إعلام هذا؟!.
وفكرت الدولة فى كيفية مجابهة هذا الإعلام الذى يقرر أن يتكاتف للنهوض بالدولة وقتما يشاء أو ليخسف بها الارض وقتما يحلو لها..فوجدت الحل فى أن تصنع لنفسها جبهة إعلامية من إعلاميين لهم مصداقية عند الجمهور وبفتح قنوات راديو وفضائيات تابعة للدولة لتصنع حائط صد أو إعلاما منافسا..
وبكل أسف تظهر فئة ضمن هؤلاء تحمل جينات جديدة لإعلاميين شباب احتضنتهم الدولة وأصبحوا يتحدثون باسمها..ليظهر بينهم المطبلاتى والمنفعجى والوصولى والمصلحجي.. ويظل المحترمون فى الصف الثانى! (تانى.. أيوة تانى!!)..
المصلحة غلبت على الإعلام..والمحترم لم يجد له مكانا فى ظل شبكات العلاقات العنكبوتية التى تحكم الوسط بل تحكم مصر كلها..
والحل؟.. الحل أن يبقى الإعلام حُرا مستقلا لا يتحكم فيه دولة ولا رجال أعمال..
الحل أن تلتفت الدولة إلى ماسبيرو وتبنى به بدلا من أن تبنى فوقه..
الحل.. أن يعلى كل صاحب صوت أو قلم ضميره فوق أى مصلحة شخصية أو مزايدة للظهور.
فى الوقت الذى تحاول فيه الدولة أن يكون لها إعلام، استطاع الإعلام الخاص أن يصنع لنفسه دولة ليُصبح دولة داخل الدولة..
كل عام وإعلام الدولة بخير ودولة الإعلام بخير أيضا!.