حسين معوض يكتب: مؤامرة فى سوق الحديد
سعر طن الحديد قد يصل إلى 10 آلاف جنيه
فارق السعر يحمّل مشروعات الحكومة بـ20 مليار جنيه خلال 4 أشهر
توقعات بحرمان المصانع من الغاز خلال أشهر الصيف
المنتجون يعدون لسيناريو 2008 ردًا على اللاعيب الحكومة
«الصناعات المعدنية» تغسل سمعة «عز» مقدما
عادت منابر غسيل السمعة فى سوق الحديد إلى عهدها الذهبى.. أعلنت أن السوق العالمية تشهد حركات سعرية لم تحدث منذ عام 2008.. متزامنة حسب تصريح غرفة الصناعات المعدنية مع التهابات حادة فى سعر العملة الصعبة.. الرسالة الوحيدة التى يبشرنا بها هذا البيان أننا نسير فى الطريق إلى أسعار الحديد عام 2008 والتى وصلت إلى 8 آلاف جنيه للطن وظهرت سوق سوداء للحديد وقتها يباع فيها الطن بـ 10 آلاف جنيه.
1- حكومة غشيمة وتجار طماعون
لا نعرف المتهم الحقيقى بالتلاعب فى أكبر سوق فى مصر.. هل تتلاعب الحكومة بـ«غشم» أم يتلاعب التجار بـ «طمع».. الحكومة أعلنت تخفيض سعر الغاز بما يقارب 50% من سعره لمصانع الحديد، وبررت الحكومة التخفيضات برغبتها فى خفض كمية الاستيراد من الخارج ودفع المصانع للعمل بأقصى طاقتها.. وعرضت الحكومة نفسها لحملة انتقادات واسعة لعودتها لسياسة دعم كبار رجال الأعمال.. لنكتشف أن الحكومة اتخذت قرارًا لا تستطيع تطبيقه، فبدلا من منح المصانع الغاز بالسعر الجديد تم وقف ضخ الغاز للمصانع بشكل كامل.
فى مواجهة ألاعيب الحكومة أو فشلها قرر أصحاب مصانع الحديد معاقبة المستهلك، ورفعت المصانع أسعارها فجأة منتصف شهر أبريل، رغم أن خريطة أسعار الحديد تعلنها جميع المصانع بداية كل شهر، ارتفع سعر طن الحديد إلى ما يقارب 1000 جنيه، ليباع لدى الموزعين بـ 6200 جنيه بدلا من 5200 جنيه بداية أبريل.
2- الغاز لمحطات كهرباء المنازل والمصانع تتوقف عن الإنتاج
لماذا توقفت الحكومة عن ضخ الغاز للمصانع؟.. السبب سياسى بالدرجة الأولى، وهو سبب مرشح للاستمرار طوال شهور الصيف، فالحكومة أعلنت وتعهدت بانتهاء زمن انقطاع التيار الكهربائى على منازل المصريين طوال الأشهر القادمة، معلنة أن أزمة انقطاع التيار الكهربائى انتهت بلا رجعة.. والحقيقة أن الأزمة مستمرة، الفارق الوحيد أن الغاز الذى كان يذهب للمصانع لتنتج بضائعها يذهب الآن للبيوت لتشغيل أجهزة التكييف والتليفزيونات وغيرها.. والمرجح ألا تجد المصانع أملاً للإنتاج خلال فترة الاستهلاك خلال شهر يونيو الذى يتزامن مع شهر رمضان وذروة استهلاك الكهرباء فى المنازل.
3- غسيل سمعة
التلويح بأزمة سوق الحديد خلال عام 2008 لا يمكن تمريره بكرم المستهلكين فى مصر.. فالغرفة التى صدر عنها البيان «الصناعات المعدنية» كانت هى رأس الحربة لغسيل سمعة رجل الأعمال محتكر سوق الحديد أحمد عز وقتها، وكان يدير الغرفة وقتها محمد حنفى الذى لم يترك منصبه حتى الآن وهو المدافع الأول عن أحمد عز.. وقتها بررت الغرفة الارتفاعات الخرافية لسعر الحيد بالأوضاع العالمية وأسعار الخامات، علما بأن سعر الدولار وقتها لم يتجاوز 5 جنيهات و80 قرشًا.. وعلما أيضا بأن الغرفة لم تعلق بكلمة واحدة بعد نشر الشركات ميزانياتها وتحقيق أكبر نسبة أرباح فى تاريخها.
الآن سعر الدولار فى سوق الحديد 11 جنيهًا و10 قروش، وتركت الحكومة التجار لتدبير العملة من مواردهم الخاصة أو من السوق السوداء وفتحت حدود السحب والإيداع، وعلى التجار والمنتجين التعامل بسعر السوق السوداء.. وبحسابات غرفة الصناعات المعدنية قد ندفع الثمن غاليا.. فحسب تقديرات أهل السوق سعر طن الحديد قد يصل خلال أسابيع إلى 10 آلاف جنيه متجاوزا كل الحدود السعرية المسموح بها منطقيا.
4- خسائر الحكومة
حسابات السوق أو توقعات العالمين بتوجهات المنتجين وغرفة الصناعات المعدنية التى تصل بالسعر إلى 10 آلاف جنيه تعنى أن الدولة خسائرها خلال 4 أشهر فقط تقترب من 20 مليار جنيه، أو ثلاثة مليارات كل شهر.
فالحكومة هى المستهلك الرئيسى للحديد الآن وليس الأفراد ولا المستثمرين، الدولة هى المستثمر الرئيسى تبنى المدن الجديدة وتمد الأنفاق والكبارى والطرق، وتستهلك خلال شهور الصيف ما يقرب من مليون طن شهريا، وهو ما يعنى انها تستهلك 4 ملايين طن خلال أشهر مايو ويونيو ويوليو وسبتمبر، بسعر قد يصل حسب الأسعار المتوقعة إلى ما يقارب 40 مليار جنيه، مقارنة بـ 20 مليار لو حسبنا السعر على أساس بداية شهر إبريل.
5- الاستعانة بالصينى
هل تنتظر الحكومة كعادتها وقوع الكارثة؟.. هذا هو المتوقع، رغم أن الحكومة لديها بدائل قد تؤدى إلى تقليل الخسائر أو السيطرة الجزئية على حركة الأسعار، يمكن أن يقرر وزير التجارة والصناعة الغاء قراره السابق بمنع استيراد الحديد الصينى والتركى، أو رفع رسوم الحماية، أو الغاء قرار المنتجين المعتمدين والذى كانت تهدف الحكومة من ورائه إلى تعطيل عمليات الاستيراد واستنزاف العملة، ويجب أن تعترف الحكومة بأنها فشلت فى ذلك وأن فاتورة الاستيراد ارتفعت ولم تنخفض رغم قراراتها الصعبة.
دخول الحديد الصينى قد يخفض الأسعار بهامش 800 جنيه عن الأسعار الحالية لتعود الأسعار إلى قرب حدودها بداية أبريل الماضى، لتصل إلى 5400 جنيه للطن.. إما الحديد التركى فاستيراده لن يقلل من السعر.
حسابات أصحاب التوقعات المتشائمة لسعر الحديد تقول إن سعر طن الخردة المستوردة ارتفع 45% منتصف ابريل، وارتفعت أسعار البيلت بنسبة 100% تقريبا خلال نفس الفترة.. والارتفاعات حسب تسليمها فى موانئ البحر المتوسط الإسكندرية ودمياط والدخيلة، يضاف إليها ضريبة مبيعات ونولون شحن ونقل ثم ضريبة مبيعات على المنتج النهائى بعد تصنيعها.
وحسب تأكيدات المتشائمين أيضا فإن المصانع قد تتوقف عن الإنتاج بشكل كامل خلال ساعات الذروة فى أشهر الصيف بمعنى أنها لن تعمل من الساعة الثانية عشرة صباحا حتى الثانية عشرة مساءً، وفى شهر مضان قد تتوقف بشكل كامل بعد قرار الحكومة بتوجيه كل كميات الغاز المتاحة إلى محطات الكهرباء التى تغذى المنازل على حساب الغاز الذى يستخدم فى المصانع.
هذه الحسابات يراها البعض مبررًا للسماح باستيراد الصينى، ففى كل الحالات البلد يستورد لكنها يسمح باستيراد الخامات ولا يعطى المصانع الغاز اللازم لتصنيعها، فعليه السماح باستيراد المنتج النهائى وتوفير ما يقرب من 80 دولارًا فى الطن.
الأسعار التى تبيع بها المصانع الآن ليست أسعارًا عادلة بالطبع، فقد استوردوا الخامات بسعر رخيص، وحصلوا على الغاز بالسعر العالمى.. وبالتالى لا يجوز أن نبيعها بأسعار وارداتهم من الخامات فى المستقبل!.