د. رشا سمير تكتب: حكاية أب.. فى عيد الأم
ليست مجرد كلمة.. ليست مجرد وصف.. ليست مجرد معنى..
إنها مجموعة مشاعر فى لفظ واحد..وعدة أوصاف فى كلمة واحدة..وخليط من الأحاسيس فى شخص واحد..
إنها الأمومة.. إحدى المشاعر الفريدة التى تمنحها الأم بكل رضا وعفوية لأفراد أسرتها..الأمومة هى العطاء بلا حدود.. هى القدرة على المنح بلا مقابل.. هى الحُب.
ونحن على أعتاب عيد الأم..تتجه كل الأنظار إلى أمهات أفنوا أعمارهن من أجل احتواء أبنائهن والوصول بهم إلى بر أمان..
تعودنا أن نسمع كل يوم عن أم تتوفى فيتزوج رب الأسرة وعائلها من امرأة أخرى بعد أيام من غيابها بحجة عدم قدرته على احتواء المنزل وعمل الساندويتشات ومذاكرة الأولاد!.. وأصبح الطبيعى أن نقرأ كل يوم عن انحراف صبيان وبنات بسبب أب يهجر أسرته ويتزوج بأخرى لخلافه مع الأم ضاربا عرض الحائط بمصلحة أبنائه وغاضا البصر عن كيان الأسرة التى تنهار بسبب أنانيته المُجحفة..
ولم يعد من دواعى الاستغراب أن يضيع الأبناء بسبب أنانية الأباء واستهتار الأمهات..فأصبحنا فى عصر تفككت الأسر وتهاوت الأخلاق بسبب غياب القدوة من البيت.. سواء كانت القدوة أبًا أو أمًا.
ويبقى السؤال: هل الأمومة حكرٌ على الأمهات أم أن هناك آباء استحقوا هذا اللقب؟..آباء منحوا أبنائهم الأمومة بتصرفات وأعباء تحملوها فى صمت.
لى صديق منذ الطفولة، مهندس شاب ومحترم أحب فتاة سرقت قلبه وسكنت حياته، فقرر الزواج منها وبعدما رزقه الله بطفل وطفلة، اختبره الله بأن ابتلى زوجته بالمرض اللعين الذى طالما شتت أحبابًا وأتعس بشرًا..فتوفيت الأم إثر صراع طويل مع المرض..فيقرر الأب وبكل حب ورحب وسعة أن يتولى مسئولية الأبناء بمفرده..وظل يكتب الأشعار لزوجته ويدعو لها ليل نهار ويُحادثها فى كل مناسبة جمعتهما سويا علها تستمع إليه فتعلم أنه سيبقى على عهده أبدا باستكمال الطريق الذى بدآه سويا فى تربية أبنائهما على أحسن حال..ثم يبتليه الله بالامتحان الأعظم فتتوفى ابنته فى حادث سيارة بعد عام واحد من وفاة الأم..فينزل الله على قلبه المزيد من السكينة ويتحول المشوار الصعب إلى خيار أصعب ويظل هذا الشاب على عهده ووعده صابرا راضيا..
ولى زميل آخر انفصل عن زوجته.. وانتقل ابناه للعيش معهما، لكن من فرط حُب الأب وخوفه عليهما ارتضى بقوانين الرؤية المجحفة التى تمنحه ثلاث ساعات فقط فى الأسبوع بمكان عام ليمارس أبوته..لكنه لم يتخاذل ولم يُهمل ولم يتراجع.. ومن واقع شعور ابنيه بُحب الأب وتفانيه، يطلبان من الأم أن ينتقلا للعيش مع أبيهما، فتوافق الأم بكل سهولة..لتتحول المسئولية إلى حمل كبير تقصم ظهره..وتتحول الأمومة من وظيفة الأم إلى قدر الأب..يرفض الأب الزواج خوفا من تقصيره نحو ابنيه..ويقضى أيامه رافضا الزواج ما بين الاستذكار لهما وحضور التمارين الرياضية حرصا على صحتهما، وتحمل مطالبهما التى لا تنتهى..فتخلى بكل رضا عن أنانية الرجال من أجل أن يمنحهما مشاعر الأمومة التى بخلت بها زوجته.. تحية لهذان النموذجان من الرجال اللذان استطاعا أن يثبتا بمعنى الكلمة أن الأمومة ليست احتكارًا على الأم.. وأن العطاء قيمة تنمو فى قلب الإنسان القادر على المنح.. وأن الأنانية ليست أنانية رجل أو امرأة، بل هى أنانية شخص لا يرى إلا نفسه..
إنها رسالة لكل أب تصور أن إنفاقه على أولاده عطاء وأن إلحاقهم بالمدارس تضحية..إنها رسالة لكل أب يرتمى فى أحضان أخرى متهما زوجته بالإهمال فيهدم بيته بماعول أنانيته.. إنها رسالة لكل أب يمن على أبنائه بمشاعره ويتصور أن المال هو الوسيلة الوحيدة لاستقطابهم.
وتبقى الكلمات التى لا أنسى أبدا فى مثل هذا اليوم أن أهُديها إليها.. وتبقى رسالة أخيرة وزهرة بنفسج تعودت أن أهديها إليك يا أمى فى عيدك.. إليك وأنت كهف ذكرياتى.. ومذاق طفولتى..وعطر أيامى.. إليك وأنت أمس احتوانى.. وغد دفعنى للنجاح..وآت لن يكون إلا بك..
إليك وأنت مرآتى التى تنير لى صدقا وحبا وحياة..إليك وأنت الوطن والحضن والأمل والمرسى.. إليك وأنا جزء منك وأنت كل نفسى.. كل عام وأنت تملكين العصا السحرية التى تُحيينى وتسعدنى وتلهمنى وتدفعنى للأمام.. كل عام وأنت حبيبتى وحياتى.