نادية صالح تكتب: حل مشاكل مصر يحتاج دوا تركيب.. إمضاء د. بطرس غالى
عبارته تلك قفزت إلى «دماغى» مع خبطة رحيله التى اهتز لها العالم فوقف مجلس الأمن بكامل هيئته دقيقة حدادًا على رحيل د. بطرس غالى الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، ونظمت هيئة الأمم المتحدة جلسة خاصة لتوديعه وتأبينه، وودعته بلده مصر بجنازة عسكرية تقدمها الرئيس عبدالفتاح السيسى وكبار رجالات الدولة، وذهب كل فى طريقه يبحث عما تضمه جعبته عن هذا الرجل المهم فى تاريخ مصر، وذهبت «أنا» إلى أوراقى وشرائط تسجيلاتى ووجدت زيارتين لمكتبته قمت بهما إلى منزله ومكتبه فى وزارة الخارجية قدمت فى الزيارة الأولى أقسام مكتبته العريقة وحرصه على دراسة مسئولية مصر، كما كتب عنها أحد أشهر المؤرخين البريطانيين «جون ويلسون» فى كتاب له بعنوان «مسئولية مصر» ووجدت فى مكتبته اهتمامًا خاصًا بمؤلفات أشهر المؤرخين البريطانيين «توبيني»، كما وجدت فى المكتبة أيضًا الأجزاء الكاملة لـ«وصف مصر» وهو أشهر المخطوطات عن أرض مصر بكل جوانبها والتى شارك فيها أكثر من 150 عالمًا وأكثر من ألف متخصص فى الفنون والرسامين والمثقفين الذين رافقوا «نابليون» خلال الحملة الفرنسية، وقد علمت بعد ذلك أن د. بطرس غالى أهدى هذا الكتاب بأجزائه التى بلغت عشرين جزءًا إلى مكتبة الإسكندرية، ولما كانت زيارتى الأولى عام 1985 أشعر الآن وكأنه كان يستعد لعام 1991 الذى أختير فيه أمينًا عامًا للأمم المتحدة فقد درس الأدب الفرنسى والإنجليزى والعربى طبعًا وتخرج فى كلية الحقوق وتخصص فى القانون والسياسة والاقتصاد يقرأ ويدرس ويقول إن الاتحادات الفيدرالية بين الدول هى الحل للمشاكل بين الدول والشعوب.. وأن العالم العربى وإفريقيا أيضًا لابد أن تنظر إلى صيغة اتحاد لتحل مشاكلها، ولن أنسى أبدًا حرصه الدائم على أن يبين لى الفرق بين الفكر السياسى والعلاقات الدولية ولابد أن أشير هنا إلى دقته الشديدة فى تحديد الأمور ثم لابد من الإشارة إلى عدد كتبه التى قدمها للمكتبة العربية والعالمية وقد بلغت وقت زيارتى ثلاثين كتابًا وربما زادها بعد ذلك، وإذا رجعت إلى زيارتى الثانية لمكتبته فلابد أن أشير إلى أننى وجدته وقد أعطى لإفريقيا اهتمامًا كبيرًا «وترن فى أذنى حتى الآن كلماته: إفريقيا إفريقيا سيبكوا من الشمال.. عايزين تسافروا دايمًا للشمال أوروبا وغيرها.. لا.. إفريقيا أهم صوته يرن فى أذنى بلكنته المصرية العطرة بالفرانكفونية لتأخذك إلى العالمية أو عالمه الذى لم يخرج فيه عن أصله وأصوله فى الفجالة والسكاكينى حتى جاءت التى لم تغادرنى حتى الآن، وأهديها إلى من يهمه الأمر، قال «إن حل مشاكل مصر عايز دوا تركيب» والكبار بل وربما العجائز هم من يعرفون «الدوا التركيب» الذى كان يصنعه الطبيب المعالج ويكتب مكوناته بعد أن يشخص المرض طبعًا.. إلى الصيدلى ليقوم بتركيبه. بالنسب والمكونات التى يراها الطبيب بعناية للحالة.. «ملحوظة: الأدوية الآن كلها تقريبًا جاهزة»
المهم هو يرى أننا فى مصر لابد أن تعود إلى فكرة «الدوا التركيب هذه» لننجوا ونخف من أمراضنا. فلننظر إلى العالم وندرس أفكاره ونظرياته ولكن لابد أن نضعها ونستخدمها طبقًا لظروفنا وأحوالنا ويذكرنا الرجل بأن لدينا كتب «الفارابى» عن الحكومة الدولية فنلقى عليها نظرة تفيدنا أيضًا فى «تركيب الدوا» فالفارابى يحدثنا عن الحكومة الدولية... ولنتذكر مع هذه الوصفة حقيقة وأصل هذا الرجل الذى لم ينس يومًا الفجالة وافتخر دائمًا بأنه من شباب السكاكينى والفجالة ولاد البلد الجدعان رغم أنه ابن ذوات وباشاوات ولد فى سراى العائلة وله جد كان رئيسًا لوزراء مصر ووزيرا للخارجية عندما كانت مصر جزءًا من الإمبراطورية العثمانية.. وكان عمه وزيرًا للخارجية فى الفترة بين الحربين العالميتين باختصار ابن ذوات لم ينس «الدوا التركيب» بل نادى به ونصح به علاجًا - المهم.. نحن كما قال - نحتاج ذلك.. فليقم بتجديد ووصف محتوياته ليقوم بتركيبه سياسى ناجح شاطر محب بلده وأظننا نستفيد من وصفة د. غالى الابن الغالى لمصر الغالية.. الذى ودعتك يا غالى ولكنك ستظل بيننا بمبادئك وإخلاصك فالمبادئ والإخلاص لا يغادران الدنيا، خالد معنا هو: بطرس بطرس غالى.