عادل حمودة يكتب: ثلاث صدمات سياسية فى أمريكا

الجنس.. ذئب أسود.. يعوى على أبوابنا ليل نهار.. لا يتركنا ننام.. أو نفكر.. أو نحكم.. ولا مفر من تحررنا منه.. ولو قبلنا بأسوأ صوره شذوذا.

لخصت تلك الكلمات صدمتى الأولى فى رحلتى الأمريكية الأخيرة.

لقد وافقت المحكمة العليا على زواج المثليين فى كل الولايات الخمسين بعد أن كان مباحا فى 36 منها فقط.

كان جيم أوبرجيفل قد تقدم إليها بطلب الزواج من صديقه الذى يهواه منذ عشر سنوات.. وبينما كانت مذيعة سى إن إن اللامعة باميلا براون تهنئه بالحكم الذى صدر لصالحه فوجئ بالرئيس أوباما يتصل به ليبارك زواجه فى عبارات يصعب تصديقها.

أوباما: «نحن فخورون بك.. أريدك أن تعلم أنك لم تكن فقط مثالا رائعا للناس.. ولكنك ساهمت فى إحداث تغيير دائم فى البلاد.. وهذا أمر نادر جدا حدوثه.. لذلك لا يمكننى أن أكون أكثر فخرا مما أشعر به الآن بك وبزوجك.. بارك الرب فيكما».

أوبرجيفل: «أنا أقدر ذلك حقا سيدى الرئيس.. لقد كان شرفاً لى أن اشارك فى هذه المعركة.. وتمكنت كما تعلمون من الكفاح من أجل زواجى.. ومن أجل الوفاء بالتزاماتى تجاه زوجى».

ووضع البيت الأبيض فيديو بنص الحوار على موقعه الإلكترونى ليسجل فى ساعات قليلة دخولا عليه وصل إلى عشرة ملايين مشارك.

وعلى صفحته فى تويتر كتب أوباما: «إن هذا الحكم يدشن لمرحلة جديدة من الحقوق المدنية فى الولايات المتحدة وخطوة كبيرة فى مسيرة البلاد نحو المساواة.. إن الحب ينتصر فى النهاية».

وقامت القيامة فى الدنيا كلها.. وسخر رئيس زيمبابوى روبرت موجابى من أوباما قائلا: «كن قدوة ومثالا واقبل بالزواج منى إننى أطلب يدك».

وأضاف موجابى: إننا فى دول العالم الثالث لا نزال نكافح من أجل حقوق إنسانية أبسط وأهم.. مثل حرية التعبير.. وحرية العقيدة.. وحرية المرأة.. واستقلال القرار السياسى بعيدا عن التبعية الأمريكية.. يا ليت الولايات المتحدة تعامل شعوبنا بنفس التساهل الذى تعامل به الشواذ.

واستطرد: إن السجن يلاحق كل من يختلف مع السلطات السياسية والدينية فى دول الجنوب الإفريقية ــ الآسيوية بينما ينعم الشواذ على خريطة الدنيا بما لا يصل إليه الأسوياء من حقوق أولية.. مثل المعارضة.. أو التظاهر.. أو المساواة بين الجنسين فى الوظائف العامة.. وغيرها.

إن البرازيل والمكسيك وإسرائيل تسمح بحرية الشواذ فى الزواج لكنها لا تسمح للأقليات بتملك البيوت أو التصويت فى الانتخابات أو نشر مؤلفات تفضح تصرفات حكوماتها العنصرية.. إنها إحدى علامات الساعة.

وخوفا من فقد أصوات الشواذ سارعت قيادات من الحزب الجمهورى المعارض إلى تغيير موقفها.

جون ميتشام صحفى شهير.. حاصل على جائزة بوليتزر.. المحرر المنفذ لدار راندوم هاوس ناشرة الكتاب الذى يقع فى 836 صفحة.. ويضم صورا نادرة لبوش الأب.. ومعلومات شخصية لم نقرأها من قبل.

بوش الأب هو الرئيس رقم (41) الذى شن الحرب الأولى فى الخليج لتحرير الكويت.. كان فى منتجع كامب ديفيد عندما تلقى خبر غزو صدام حسين الكويت.. قال: «هذا الوضع لن يستمر».. سأله جون سكوكروفت رئيس المجلس الاستشارى للاستخبارات: من أين لك عبارة «لن يستمر»؟.. أجاب: «هذا أمر يخصنى».. «هذا ما أشعر به».

بدا الكونجرس غير مرحب بالحرب.. فقال بوش: «سوف أتخذ القرار على مسئوليتى.. لو فشلت سأستقيل.. إذا خسرت سأفقد سلطتى.. فى بعض الأحيان تفرض عليك الحياة اختيارا صعبا».

بعد الحرب أصيب بوش بالاكتئاب حينما سمع مساعده مارلين فيتزا ووتر يقول علنا: إنه يشك فى أن قرارات الرئيس تتأثر باضطراب الغدة الدرقية.

وتضاعفت حالة الاكتئاب بسبب خيبة الأمل فى بقاء صدام حسين فى السلطة.. ولم يخف ذلك عن الناخبين فمنح بيل كلينتون المفتاح الذى تمكن من هزيمته وحرمانه من فترة رئاسية ثانية عام 1992.

وربما.. لهذا السبب وافق ابنه على قرار غزو العراق عام 2003 بعد أن استشاره قبل اتخاذ القرار على خلاف غالبية التقارير التى أنكرت ذلك.

إن ثأر الرئيس الأب من صدام حسين كان أبرز دوافع الرئيس الابن لشن حرب قُتل فيها مليون مواطن عراقى وعشرون ألف جندى امريكى وتسببت فى اضطرابات نفسية وعائلية لمئات من الأسر الأمريكية.. هل تتحكم الأهواء الشخصية فى مثل هذه القرارات السياسية المصيرية؟

لكن.. الأب لم يوافق الابن على جملته الشهيرة عن محور الشر.. العراق وإيران وكوريا الشمالية.. فقد ثبت فيما بعد خطأ ما قال بعد أن تصالحت واشنطن وطهران.. مثلا.

على أن الأب ألقى باللوم الأكبر على مساعدى ابنه رغم أنهم كانوا من قبل من رجاله.. فديك تشينى كان وزيرا للدفاع فى عهده قبل أن يصبح نائبا للرئيس فى سنوات حكم ابنه.. ودونالد رامسفيلد وزير الدفاع ليس غريبا عن البنتاجون منذ وجود جيرالد فورد فى البيت الأبيض.

انتقد بوش الأب تشينى بشدة مؤكدا أنه سر خراب منطقة الشرق الأوسط بأكملها والسبب الحقيقى لما تعانى منه الآن.. «لقد بنى تشينى إمبراطوريته من الحرب وساعد على دق طبولها».. وظل يبحث عن العمليات العسكرية فى كل مكان فى العالم بعد هجمات سبتمبر.. «وعمل بصورة مستقلة عن الرئيس عندما أسس ما يشبه وزارة الخارجية فى مكتبه داخل البيت الأبيض».. «ولكن ليس هذا خطأ تشينى وإنما خطأ ابنى».

والأخطر.. أن تشينى كان لا يسمع إلا لنصيحة زوجته لين وابنته ليز.. فالقرارات العليا كانت تطبخ عائليا بجانب وجبات «الاسباجتى» التى يلتهمها كل مساء.. فى حالة لا تحدث فى أكثر الدول استبدادا.

والمثير للدهشة أن الكابيتول شيد له تمثالا فى إحدى طرقاته ليتأكد «أنه أسوأ من رئيس الكونجرس».

لقد أصر تشينى على أن ينفذ برايمر ــ الحاكم العسكرى للعراق ــ قراره بتسريح الجيش العراقى وحرمان أعضاء حزب البعث من الوظائف الحكومية فى أسرع وقت مما ترتب عليه أن انضم قادة من الجيش ورموز من الحزب إلى تنظيم داعش.. ومنحوه خبراتهم السياسية والعسكرية والدعائية.. وساعدوه على تلقى السلاح.. ووضعوا له خطط التوسع والانتشار وتمويل العمليات حتى أصبح قويا متوحشا تعجز تحالفات العالم عن التخلص منه أو تحجيم أخطاره.

بهذه البساطة والسهولة يورط الأب ابنه فى الحريق والخراب اللذين يسيطران على المنطقة التى نعيش فيها.. وإن كان يستند فى ذلك على تبرير شائع فى الدول المتخلفة.. «الرئيس جيد ولكن المشكلة فى مساعديه».. نظرية عفى عليها الزمن.. ولم تعد مقبولة فى الجنوب الديكتاتورى فكيف نقبلها من الشمال الديمقراطى؟

ولا يكتفى الأب بنقد تشينى وإنما يمتد إلى رامسفيلد.. «لقد خدم ابنى خدمة شديدة السوء.. وكان عنيدا جدا.. مغرورا للغاية.. يعمل وفق أهوائه.. لا يرى كيف يفكر الآخرون.. ويمكن وصفه بالمؤخرة الحديدية».

وتجهز عائلة بوش ابنها الآخر جيب حاكم ولاية فلوريدا لدخولها الثالث للبيت الأبيض.. وربما لهذا السبب تنازلت عن تدينها ووقارها وإيمانها بالتقاليد المحافظة وسارع الأب إلى تأييد زواج الشواذ قائلا: «علينا إسعاد الناس».. ما يؤكد أنه فى سبيل السلطة كل شىء مباح.. ومباع.

كنت أستعد لرحلة العودة جالسا فى استراحة شركة الطيران عندما رحت أتبادل حوارا مع جارى السويسرى الذى يتولى مسئولية مراقبة شفافية الأموال المهربة إلى بنوك بلاده من الدول المختلفة.. ولم أشأ بعد أن عرفت مهنته أن أفصح عن مهنتى حتى يأخذ راحته فى الدردشة.. فهناك حالة خرس تصيب كل من يسمع كلمة صحفى ولو كان رفيق رحلة لن تستغرق سوى ساعات.

تصور الرجل أننى أعمل فى البيزنس فلم أشأ أن أبعده عن تصوره.. وقد منحه ذلك كثيرا من الحرية وهو يتحدث.

سألته عن الأموال المصرية المجمدة فى بنوك أوروبا فكان رده إنها لن تعود إلينا.. فلابد -بعد حكم قضائى سليم ضد شخص بعينه- من إثبات أن المال الموجود فى حسابه مصدره الفساد الذى حوكم بسببه فى نفس القضية.

وكان رأيه أن تلك الأموال ستضيع علينا وعلى أصحابها ما لم تصح ضمائرهم ويحولونها إلى بلادهم لتستفيد منها.. طالبين العفو والمغفرة.. «إن حجم الأموال التى ضاعت على أصحابها فى العالم الثالث -خلال الخسمين سنة الماضية- تزيد على 600 مليار دولار.. إما مات من له الحق فى صرفها أو عجزوا عن السفر لسبب أو لآخر لاستردادها.

وفى تقديره فإن الأموال التى خرجت من مصر بعد ثورة 25 يناير تصل إلى 50 مليار دولار لترفع قيمة ما لدى المصريين فى الخارج من ودائع إلى ما يقرب من 300 مليار دولار حلالا وحراما.

هل نفكر بطريقة براجماتية (نفعية) ونطالب أصحاب الأموال المجمدة بتحويلها إلى مصر على أن تقتسمها الدولة معهم ليخرج جميع الأطراف فائزين ولا تضيع تلك الأموال على كل الأطراف؟

مجرد اقتراح.. وربما.. كانت هناك اقتراحات أخرى.. فليس من مصلحة أحد أن تضيع أموالنا فى الخارج علينا مهما كان مصدرها ومهما كان أصحابها.