نادية صالح تكتب: الخضار والبرد والثورة و«أم سيد»
فاجأتنى بالجرس تدقه بشدة واستمرار فى هذا البرد والصقيع، لم أتوقعها أبدًا هذا الصباح.. بعد أن كدت أظنها تركت «المشنة» والخضار ونامت تحت اللحاف، فإذا بها أمامى وكلها غضب أو على الأصح «زعل».. واخدة على خاطرها منى بشكل واضح
أم سيد: صباح الخير.. أنا «أم سيد».. طبعًا حضرتك نسيتينى.. مش عارفة أنا عملت إيه عشان حضرتك تقاطعينى بالشكل ده؟!
أنا: صباح النور.. قاطعتك إزاى يا أم سيد.
أم سيد: كويس إن حضرتك لسة فاكرة اسمى..
أنا: إزاى يا أم سيد.. على بالى والله.. بس أنا سافرت شوية واتشغلت فى شوية حاجات.
أم سيد: لا يا فندم.. حضرتك الظاهر بقيتى تاكلى من الخضار المجمد ده؟!
أنا: مش ممكن.. أنت عارفة إنى مش باحبه.. اوعى تزعلى دنا حتى كنت حافوت عليكى واسألك فى شوية حاجات عشان اكتبها وأقولها للناس اللى بتحبك يا أم سيد.
أم سيد: شكرًا حضرتك.. ربنا يحبب فيكى خلقه.
أنا: بس الظاهر انت اليومين دول مركزة فى الخضار والعيال وأبو سيد.. ونسيت البلد ومصر والشباب والثورة والكلام ده.
أم سيد: إزاى بقي.. ما هو ده همى الكبير.. واللى غايظنى الراجل أبو سيد.. بيقولى والله أبلَّغ عنك.. عاملالى فيها «ماشطة» ولا باين «ناشطة» زى ما بيقولوا.
أنا: لا طبعًا.. بس انتى ست واعية ووطنية وبتحب مصر.
أم سيد: آه والنبى يا ست.. وعشان كده حالنا بقاله مُدَّة كويس.. بس الأيام الأخرانية دى مش قوي.
أنا: ليه.. ما خلاص 25 يناير عدَّى والدنيا حلوة.
أم سيد: 25 يناير إيه؟! ذكرى الثورة يعني.. واللى قاعدين يتخانقوا عليها؟! اللى يقول ثورة واللى يقول مؤامرة واللى يقول مش عارفة إيه وكلام كده كله فاشوش.. دنا بأبقى نفسى أصوَّت وأصرَّخ بصوت عالي.. يا عالم إحنا فى إيه ولا فى إيه؟! خللونا فبلدنا.. وف الدنيا والناس والبلاد المتقدمة اللى مش سايبانا فى حالنا.. البلاد النكد.. اللى صُعب عليها إننا نهدى ونبنى اللى اتهد.. ونعوض اللى فات.. يا خواتى حد بيفضل يزعق على طول ويشتم.. لازم نستهدى بالله شوية.
أنا: والله برافو عليك ياام سيد.. الظاهر فعلاً إن الستات أذكى من الرجالة.
أم سيد: طبعًا.. بس إحنا مش أذكى منهم.. إنما إحنا الستات بنصبر أكتر وخصوصًا لما بنفهم «الفولة» وإحنا الستات أشجع منهم وف الحق مابنخافش.
أنا: بس كده «أبو سيد» يزعل.
أم سيد: ما يزعل.. أنا باقول له كده ف وشه.. بس الحق إحنا كلنا.. رجالة وستات بنحب مصر، غيرش شوية مننا بيبقوا أغبيا!!
أنا: أغبيا إزاى؟!
أم سيد: يقعدوا يسمعوا كلام الناس «السَّوْ» ويصدقوه مش يفهموا إنهم عايزين الناس تزهق والبلد تفضل تغلى عمَّال على بطَّال ونفضل نجيب ورا.
أنا: إزاى؟!
أم سيد: يعني.. الصبر.. الصبر.. اللى اتهد فى يوم عايز يتبنى فى سنة..
أنا: أيو.. فهمت.. والله انت هايلة.. ودماغك متكلفة صحيح.
أم سيد: يعنى عشان مش باقرا ولا باكتب يبقى مابفهمش؟
أنا: لا طبعًا.. بس أنت فكرتينى.. ليه ماتروحيش أى فصل من فصول محو الأمية؟!
أم سيد: هى فين دي؟!
أنا: والله مانا عارفة.. بس حاحاول أسأل لك.
أم سيد: يا ريت يا ست هانم.. دنا حتى ممكن آخد معايا شوية ستات من اللى حواليا ونشجع بعض.
أنا: حاسأل لك يا أم سيد.. وكل سنة وانت طيبة وشكرًا على الخضار الحلو ده.. حلو والنبى مع إن الدنيا تلج.
أم سيد: العفو.. بس حضرتك فكرتينى عشان لازم نتشكر للعربيات اللى بتوزع الأكل رخيص.. واللى بيتعبوا.. حلَّوا مشكلة.. وإن شاء الله كله يبقى بخير، وأيدنا فى إيد بعض حنرجع أحسن من الأول بكتير.. واللى بيتعب ربنا معاه وبيجازيه.. وبياخد بإيده.. دا الأيد البطالة نجسة.. والشغل كله شريف طول ما بنراعى ربنا فيه.. والحلال بيَّن والحرام بين يا ست هانم.
أنا: برافو يا أم سيد.. ربنا يخليك ويكتر من أمثالك.