د. رشا سمير تكتب: دود المش منه فيه
تم تشكيل رابطة "رقابيون ضد الفساد" عقب ثورة 25 يناير 2011 من أعضاء بالجهاز المركزى للمحاسبات، وكان الهدف وقتها فضح كل التقارير التى تم وضعها فى الأدراج، والتى تمس مسئولين كبارا فى الدولة.
وحيث إن كشف الفساد كان هو الهدف من تلك الرابطة، فقد كشر أحمد السنديونى منسق الحركة عن أنيابه وأتهم هشام جنينة رئيس الجهاز بالتستر على مخالفات رئاسة الجمهورية فى عهد الرئيس المعزول محمد مرسى، كما اتهم الجهاز بعدم إعلان تقارير الموازنة العامة للدولة عن السنة المنتهية فى 30 يونيو 2014، فما كان من جنينة إلا أنه أحاله للتحقيق وأوقف راتبه مكافأة لجهوده فى محاربة الفساد!.
أما اليوم وبعد التصريح العنترى لهشام جنينة بأن حجم الفساد وصل لـ600 مليار جنيه خلال 2015 بالمقارنة بـ200 مليار جنيه فى 2014..فقد تفاقم الوضع مما اضطر العاملين بالجهاز إلى إعلان الحرب ضده.
فقدموا بلاغا بأن هناك 14 موظفا من كبار موظفى الجهاز يرتشون ولا يتم التعامل معهم بأى شكل لأنهم من الشلة المقربة من هشام جنينة رغم ارتكابهم مخالفات جسيمة، ورغم ضبط أحدهم مؤخرا متلبسا فى قضية رشوة كبرى، بل على العكس من ذلك يمعن جنينة فى التمكين لهم داخل قطاعات وإدارات الجهاز، الأمر الذى وصفه بعض كبار الموظفين بأنه عملية ممنهجة تحت إشراف جنينة لإحكام السيطرة على مفاصل الجهاز واستخدامه لغير مهمته المنوطة به..وكانت المفاجأة الثانية وهى وجود أسماء مستشارين لا وجود لهم، لا يحضرون ولا يؤدون عملا واضحا بينما تخصص لهم مكافآت شهرية بصورة رسمية منتظمة!.
كما اتهموه بأن عمليات الترقيات والتنقلات لا تتم طبقا لأى عرف سائد ولا طبقا للأقدميات ولكنها تتم بحسب مزاج السيد رئيس الجهاز.
الحقيقة أن الأمر مؤسف للغاية، فى ظل دولة تحاول النهوض وأبنائها يأخذونها للأسفل بأفعالهم.
أشفق على مصر من حجم الفساد الذى تعانيه، وأشفق عليها أكثر من رموزها ونخبها وكبار مسئوليها الذين يعيثون فى الأرض فسادا.
تقرير جنينة مخز ومذر ولكنه أيضا منذر لأشياء عدة.
أولها..أين كان هذا الرجل الشريف أيام دولة الإخوان حين رفض الإعلان عن تقارير الموازنة العامة لفترة حكمهم؟ أم أن الهدف هو إسقاط الدولة اليوم فقط؟!
وأين كان حين أصبح مسئولا أمام الله وأمام الدولة عن جهاز رقابى من المفروض أنه يحارب الفساد ويحاسب المفسدين..أين كان وهو يعلم علم اليقين أن الجهاز يعُج بالفساد من الداخل؟!
فالشللية داخل الجهاز المركزى والعصابات التى تنتفع وتبتز المؤسسات عينى عينك للتستر على فسادها لأسباب أحيانا شخصية وأحيانا سياسية!..تلك العصابات فاحت رائحتها لدرجة الإطاحة بسمعة الجهاز المحترم الذى تأسس منذ أربع وسبعين عاما كأداة للتحكم فى المالية العامة، والإشراف على إدارة شركات القطاع العام والتوابع الحكومية، لكونه جهازا مستقلا تابعا مباشرة لرئيس الجمهورية.
ذلك الجهاز الذى بدأ برئاسة أمين عثمان باشا وانتهى بين أيدى من لا يخشون الله..
الغريب حقا أن من يدافعون عن الفساد ويتحدثون عنه هم فى الأصل فاسدون..والأغرب أن موظفى الجهاز هاجوا وماجوا وقرروا الكشف عن الفساد اليوم فقط، تُرى أين كانوا بالأمس؟! وأين كانت ضمائرهم؟
ولكن ماذا لو أن رب البيت كان بالدُف ضاربٌ!.
تعاملنا طويلا مع الفساد على أنه جزء من حياتنا، تماما مثل الدود الذى نتعامل معه على أنه مكون طبيعى من مكونات المش..ولكن آن الأوان لكى نأكل المش خاليا من دوده!
إنها دعوة للبرلمان المصرى وللسيد رئيس الجمهورية بأن تتم إعادة النظر فى عمل كل الجهات الرقابية بالدولة، والتعامل مع المقصرين بشىء من الحزم.
القضاء على الفساد لن يتم بالتقارير ولا باللجان والمؤتمرات..القضاء على الفساد يحتاج إلى إرادة حقيقية وقوانين تُشرع لتُنفذ لا لتغفو بين سطور كتب القانون.
إن العقاب لمن يستحقونه هو الطريق الوحيد لدولة العدالة كى تنتصر..إن بزوغ شمس الحق من بين أحضان الباطل هو الأمل فى أن تتجاوز مصر كبوتها.