حسين معوض يكتب: هدم دولة المستوردين
إفلاس ٨٠٠ ألف مستورد فى معركة المحتكرين الكبار وتجار العملة السوداء
■ المعركة برعاية وزارة الصناعة والتجارة والبنك المركزى.. و«الغرف التجارية» تتهم «اتحاد الصناعات» بالتآمر
■ قرار وزارى بإخضاع مصانع العالم لسيطرة «هيئة الرقابة على الصادرات والواردات»
لا يمـلـك عـاقـل الــدفــاع عـن عملية اسـتـنـزاف العملة الصعبة فى بلد يدفع ثمن رغيف العيش بالدولار واليورو .. كما لا يملك عاقل منطق لتبرير تبوير تجارة ١٫٥ مليون مستورد، حتى وإن كان من بينهم من أغرق أسواقنا بالتفاح اللبنانى والكيوى وأكل القطط الهولندى.
غابت لغة العقل فى معركة نحسب أن نتائجها ليست فى صالح البلد.. نتحدث عن قرار وزير التجارة والصناعة رقم٩٩٢ الصادر فى آخر أيام ٢٠١٥ والمنشور فى الجريدة الرسمية بتاريخ ٣١ ديسمبر، قبل أقل من أسبوعين.
عــنــوان الــقــرار: «بــشــأن الـقـواعـد المنظمة لتسجيل المصانع المؤهلة لتصدير منتجاتها إلـى جمهورية مصر العربية».. وفى نص القرار «ينشأ بالهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات سجل للمصانع المؤهلة لتصدير المنتجات الموضحة فى البيان المرفق إلى جمهورية مصر العربية.. ولا يجوز الإفــراج عـن هـذه المنتجات الــواردة بصفة الانجاز إلا إذا كانت من إنتاج المصانع المسجلة فى هذا السجل.. ويصدر بالقيد فى هذا السجل أو الشطب منه قــرار مـن الـوزيـر المختص بالتجارة الخـارجـيـة، وله الإعفاء من أى من شـروط التسجيل أو كلها فى الحالات التى يقررها».
قائمة الـــ ٥٠ سلعة المــذكــورة فـى الــقــرار على سبيل الحصر تبدو منطقية للغاية، ولا يوجد مـا يبرر إنفاق الدولارات القليلة التى تدخل البلاد عليها.. لكن للمعركة وجها آخر.
أولا هــى مـعـركـة مـنـصـوبـة عـلـى المــلأ الآن بــين أكبر ممثلين للقطاع الاقتصادى، الغرف التجارية ممثلة للتجار والمستوردين والـذيـن يـدعـون أن الـقـرار يفلس شركاتهم من ناحية، واتحــاد الصناعات الممثل لأصحاب المصانع المتضررين من إغراق المنتجات المستوردة للأسواق وبالتالى بوار منتجات مصانعهم.. والطرف الغائب الحاضر دائما هو البنك المـركـزى المسئول عن توفير العملات الصعبة المطلوبة لـلاسـتـيـراد، ســواء اسـتـيـراد سلع تـامـة الصنع للتجار، أو استيراد مواد خام لصالح أصحاب المصانع.. والطرف الرابع هو صاحب القرار المهندس طـارق قابيل وزير التجارة والصناعة والذى يطالبه التجار والمستوردون الآن بإلغاء قراره ولا يقبلون حتى التفاوض على بنوده.
1- الدولارات السوداء
الـوجـه الآخــر للمعركة وهــو الـوجـه الأشـد قـسـوة أنـهـا تــدور بـين تجــار عملة فـى السوق الـسـوداء فى مواجهة محتكرين كـبـار!!. تقول الأرقـام إننا نستورد بـ٦٠ مليار دولار.. يخرج مـن الـقـطـاع المـصـرفـى ٣٠ مليار دولار فقط ً الأخرى يتم تدبيرها من منها.. والـ ٣٠ مليارا
السوق السوداء.. ويسهل تصور موارد السوق السوداء من الدولارات لو استعدنا تصريحات محافظ البنك المـركـزى السابق هشام رامـز وتـأكـيـده أن تحـويـلات المـصـريـين فـى الخــارج «أهم موارد النقد الأجنبى» ١٨ مليار دولار، لا يدخل البنوك منها سوى نسبة ضئيلة، غالبا لا تـتـجـاوز ٣ مـلـيـارات فـقـط، والــــ١٥ مليارا الأخـــرى تـدخـل الــســوق الـــســـوداء.. والـوضـع مـشـابـه فـى ســوق الـسـيـاحـة وكـذلـك دولارات التصدير.
2- معركة تجار الحديد
كــان مـن المـقـرر أن ينعقد اجتماع لمستوردى الحديد ظهر الأحد الماضى فى الغرفة التجارية بالقاهرة لمناقشة قـرار وزيـر الصناعة والتجارة والمـطـالـبـة إمــا بـرفـع اســم حـديـد التسليح من القائمة أو تطبيق نفس الشروط على الخامات والمنتج النهائى على السواء.. اعتقد تجار الحديد أن اجتماعهم يصعب تأجيله أو منافسته من حيث الأهمية نظرا لحجم أعمالهم ومكانتهم فى السوق.. خاب توقعهم بعد هجوم المستوردين على مبنى الغرفة أملا فى محاصرة القرار.
انــعــقــد اجــتــمــاع أول ظــهــر الأحــــد لجـمـوع المستوردين، واجتماع ثـان ظهر الاثنين استمر حتى الـسـادسـة مـسـاء وانـتـهـى بمـذكـرة ترفض القرار وترفض حتى التفاوض على بنوده، ورفعت المذكرة لرئيس الغرفة إبراهيم العربى ليرفعها بــدوره إلــى أحـمـد الوكيل رئـيـس اتحــاد الغرف الـتـجـاريـة، ولـتـرفـع فـى النهاية لـوزيـر التجارة والصناعة طارق قابيل صاحب القرار والمشرف على الغرف التجارية.
حسب تقديرات المستوردين فإن قيمة واردات السلع التى يتضمنها القرار لا تتجاوز ١٤ مليار دولار.. من إجمالى الــواردات البالغة ٦٠ مليار دولار، والــــ٤٦ مليار دولار الأخــرى يستوردها أصحاب المصانع بدعوى أنها مواد خام، ولا يرى المـسـتـوردون فــارق بينهم وبـين مـن يـدعـون أنهم أصحاب صناعات، فمنتجاتهم النهائية عبارة عن تجميع لمنتجات مصنعة فى الخارج، يستوردونها أجـــزاء للحصول على الاعـفـاء الجـمـركـى وفى المقابل يقومون بتجميعها للحصول على الدعم الممكن بدعوى أنها صناعة وطنية..
3- التهرب من الجمارك برعاية حكومية
خرجت فى اجتماعات التجار حكايات عن تاجر تكاتك شهير صدر قرار بوقف استيراد السلعة من الخارج لصالحه، هو لا يقوم سوى باستيراد كل قطعة فى التكتك وحدها ثم يقوم بتجميعها وبيعها بـ ١٩ ألف جنيه وبدون أن يدفع عليها جمارك بينما سعرها فى الخــارج لا يتجاوز ٦٥٠ دولارا أو ما يـوازى ٥ آلاف جنيه.. فى كل الحـالات التكتك مستورد.. الفارق أنه لو اقتنعنا انه مستورد سوف نحصل من مستورديه على جمارك وسوف نحصر قيمة أرباح من يتاجر فيه لنحصل منهم على الـضـرائـب، أو على الاقــل ســوف نـعـرف سعره الحقيقى وحجم الأرباح الخرافية التى يحققها تجار متخفون تحت عباءة أصحاب الصناعات، لقد حصل رجل أعمال واحد على سوق ضخم بقرار من وزير سابق بدعوى حماية الصناعة الوطنية، والحقيقة أنـه أضــاع على الـدولـة مليارات وحرم الآلاف من المنافسة وشهر بهم بدعوى أنهم يهدمون الوطن!.
قصة أخــرى يتندر بها التجار، وهـى تخص نوعية لمبات مـوفـرة لـلـطـاقـة، يـسـتـوردهـا رجــل اعـمـال بصفته صاحب مصانع، الرجل يستورد اللمبة على قطعتين يتم تركيبهما فى مصر ليكتب على علب الكرتون أنها صناعة محلية ولا يدفع جمارك على بضاعته المستوردة بنسبة ١٠٠٪، الأدهــى أن الرجل يبيع لمبته بـ٩ جنيهات ومنافسه الذى يستوردها على أنها تامة الصنع يبيعها بـ٤٫٥ جنيه وهى محملة بما تم دفعه من جـمـارك.. الآن سـوف تخرج نفس اللمبة الرخيصة من السوق ولن يتبقى سوى صاحب الحيلة، وقد يتحول كل التجار والمستوردين إلـى اصحاب حيل وليس أصحاب صناعات.. والأربـاح هنا ليست متواضعة ولكنها تصل لمئات الملايين فى الصفقة الواحدة.
القصة الثالثة لمستورد ماركة سيارات شهيرة، سعر السيارة فى الخارج ٦٥ ألف دولار أو ما يوازى نصف مليون جنيه، يقوم الرجل باستيرادها اجزاء وتجميعها فى مصر ليبيع السيارة الواحدة بــ١٫٥ مليون جنيه، ليربح مليون جنيه فى السيارة الـواحـدة ولا يدفع عنها مليما للجمارك، فى المقابل يدفع مستوردو السيارات الشعبية جمارك على سياراتهم.
4- المحتكرون ١٠٠
بالطبع ليس كل أصحاب المصانع أصحاب حيل ومـلـيـونـيـرات غفلة، لكنه الـوجـه الآخـر لمعركة يدعى فيها المـتـضـررون أن المحتكرين الـكـبـار يـتـلاعـبـون بــالاســواق ألاعـيـب قاسية ومـكـلـفـة، يـقـولـون إن الاســــواق تـتـم غربلتها لمصلحة ١٠٠ رجل أعمال فقط، أو أقل، هؤلاء سوف تتضاعف ملياراتهم عشرات المرات فى عـام واحــد فقط فـى حـالـة اسـتـمـرار الـقـرار، وفــى المـقـابـل لـن يـجـد الـغـلابـة سلعا بأسعار منافسة..
5- الماركات العالمية فى مواجهة الغلابة
يقول المستوردون إن الماركات العالمية أيضا تساهم فى اللعبة التى تخرج كـل منافسيهم الصغار مـن أرض المعركة بضربة غشيمة من الحكومة.. إن ٩٥٪ من وارداتنا من مصانع صغيرة فى الصين وآسيا وأوروبــا وأمريكا، تلك المصانع تعمل بنظام التشغيل لصالح الماركات العالمية، وتعمل أيضا لحسابها الخـاص، لكن عندما تشترى منتجات تلك المصانع تشتريها بعشرات الاضعاف لو وضع البراند العالمى شعاره عليها، وتشتريها بثمن بخس بدون العلامة، وحرمان السوق منها هى لعبة لصالح الماركات العالمية.
بالطبع قـرار وزيـر التجارة والصناعة يعنى أننا سـوف نراقب كل مصانع العالم التى تصدر منتجاتها إلينا، وليتنا قـادرون على ذلك أو مسموح لنا بذلك، الخوف أن يتحول السجل الجديد فى هيئة الرقابة على الصادرات والــواردات إلى لجنة بيرقراطية قد يضربها الفساد لتتحول إلى جامع إتـاوات لحسابات شخصية.. فأعضاء هذا السجل يملكون قرار المنح والمنع الذى تعبر من خلاله مليارات طائرة.
6- خراب البيوت
بالطبع خرجت حكايات عن اجتماعات الوزير مــع مصنعين كـبـار وأنـــه تلقى قــوائــم مــن رجــال الأعـمـال بالسلع المطلوب التضييق عليها حتى يخلو السوق لمجموعة معينة من المحتكرين وهى قصة يرويها التجار فى اجتماعاتهم المفتوحة.
تبقى الإشــارة إلـى أنـه ليست حلول كل الأزمــات فى صدور قـرارات، وتجربة طارق عامر محافظ البنك المـركـزى فى السيطرة على الــدولار بدون قرارات مازالت قريبة جدا.. الرجل تمكن بشهادة العاملين فى البنوك وأســواق العملة والصادرات والـــــواردات مـن السيطرة على الـــدولار قبل أن يجلس على كرسى منصبه رسميا.. اسمعوا التجار والمستوردين حتى وإن بالغوا فى تصورات المؤامرة التى تحاك لهم.. اسمعوهم قبل خراب البيوت.