د. رشا سمير تكتب: عملية تهجير أبناء ماسبيرو
على مدى أسابيع طويلة خرجت تصريحات تُفيد التفاوض مع عمالقة الإعلام المصرى على تقديم برنامج توك شو على شاشة التلفزيون المصرى..برنامج على وشك إعادة ريادة التلفزيون المصرى، وسيطيح بالضربة القاضية بإعلام رجال الأعمال.
وتفائلنا خيرا..لقوة الأسماء المطروحة..أسامة كمال، لميس الحديدى، خيرى رمضان، إبراهيم عيسى، وائل الإبراشي وغيرهم..
ثم توالت الإعتذارات..فلان يعتذر وعلان يتنحى وترتان ينسحب..
وأخيرا..تمخض الجمل فولد فأرا!..
وعندما طُرحت الأسماء التى قبلت الظهور، أبدى أبناء التلفزيون إستيائهم، فكان التبرير فى منتهى الغرابة، قيل لهم من المسئولين أنه برنامج تدعمه جهات أمنية!..
وما علاقة الجهات الأمنية ببرامج التوك شو؟ وما علاقة الدولة فى الأصل بالإعلام؟ وهل يوجد حقا ما يُسمى بإعلام الدولة؟.
لم أفهم منذ البداية ما الفائدة المرجوة من هذا البرنامج وأستوقفتنى بشدة الأسماء التى إنتهى إليها الإختيار..فهل المقصود من هذا البرنامج جذب إعلانات لماسبيرو سوف تساهم فى تطويره؟ كيف ونصف مقدمو البرنامج مجرد هواة يجربون حظهم وهم لا يمتلكون الخبرة ولا حتى الكاريزما؟!..
أم أن المقصود هو جذب المشاهدين إلى تلفزيون الدولة بنفس مقدمو البرامج الخاصة؟ والحقيقة أن هذا لم ولن يحدث، لأن بخلاف شريف عامر وريهام السهلى وأمانى الخياط هناك ثلاث مذيعين لا أنزل الله بهم من سلطان (ولا أعتقد أنهم قادرين على جذب ولو حتى أتنين مشاهدين من على القهوة اللى جنب ماسبيرو)!.
المضحك حقا أن تصريحات مقدمو البرنامج فى أول برومو عُرض على الشاشة أصابتنى بحالة من الضحك الهستيري..
قالت أحد المذيعات بثقة غير مُبررة: "المواطن المصرى حيلاقى البرنامج اللى حيعرف يحل فيه مشكلته..حيلاقي البرنامج اللى حيتفرج فيه على حاجة مش حيتفرج فيها عند أى حد تانى..البرامج التانية الناس بتعرف فيها عن الفنان هو بيعمل فيلم إيه أومسرحية إيه، لكن عندنا الناس حتعرف هو إتجوز إمتى وطلق إمتى وخلف إمتى " (لا والله! طب والنعمة ده إختلاف مهم فعلا ويستاهل الفُرجة)!.
وتصرح أخرى: "حنقدم برنامج بعيد عن الصوت العالى والخناق أو نعمل شو نجيب به مواطن بيحب (الحذلقة)، الناس تعبت من فكرة إن الإعلام أسير رجال الأعمال والبرنامج ده حالة رجوع لصوت الدولة المصرية"!..
معلش سؤال بايخ: هو المواطن المتحذلق ده بيكون شكله إيه؟!.
وهنا يجب أن أتسائل، من هو ممول أو منتج البرنامج؟ المفترض أنه وبالقطع ليس رجل أعمال، إذن..فمن أنتم!.
بإختصار وبكل حيادية..لا يوجد ما يسمى بإعلام الدولة..والحقيقة أن أوباما لم يستعين يوما بأوبرا وينفرى لتقديم برنامج لإستعادة ريادة أمريكا..والإعلام يجب أن يكون إعلام محترم متحضر بعيد عن الهري والسب والقذف والعلاقات المشبوهة..
الإعلام إعلام الرأى..إعلام التنوير..إعلام التثقيف، بعيدا عن السبوبة والمصالح..
أما الحقيقة الأكثر مرارة فهى أن برنامج (أنا مصر) هو عملية مُمنهجة لذبح أبناء ماسبيرو..
التلفزيون المصرى الذى كان صرحا لتخريج عمالقة الإعلام المصرى..تحول اليوم وبفعل فاعل إلى فريسة للفساد والمصالح..وتحولت طرقاته إلى أزقة من الإهمال والمحسوبية..
ومع ذلك لو أرادت الدولة خلق برنامج مختلف على شاشته، فكان الأحرى بقياداته أن يستعينوا بمذيعيه الذين تم نسيانهم ودفنهم بمنتهى القسوة تحت تراب ماسبيرو..
لقد إحتل برنامج (أنا مصر) مكان برنامج كان يقدم فى نفس التوقيت بعنوان (مباشر من مصر) برنامج متكامل ومحترم وبه مادة دسمة، فقط تنقصه الإمكانيات المادية..ولكن..الدنيا حظوظ!.
أين جاسمين طه الوجه المحترم الذى طالما طالعنا واستمتعنا به من خلال برنامج البيت بيتك وغيره من البرامج؟ جاسمين مُذيعة تمتلك الموهبة والثقافة والكاريزما والإحترام..ولكن الأكيد أنها لا تمتلك لغة التدليس والمناورة..
أين إيمان العقاد وريم الشافعى وعمرو الشناوى ومحمد الجندى؟..وهم وجوه محترمة لديها الكثير لتقدمه وطالما نحتوا فى الصخر وتكبدوا ضعف الإمكانيات للبقاء..
إنهم أبناء ماسبيرو الصابرين.. الذين رفضوا ترك المكان وتشبثوا بحلم الوقوف بجانب بيتهم الكبير حتى يتخطى الكبوة ويستعيد الريادة..لكن وللأسف يتم الإطاحة بهم بكل قسوة، ويتم الإستعانة بأسماء لا تمتلك الموهبة ولا حتى المهنية الكافية..
لمصلحة من يتم ذبح برامج التلفزيون المصرى؟ ولمصلحة من يتم تهجير أبناء ماسبيرو؟..هل من مُجيب؟!.