د. أحمد يونس يكتب: بروتوكولات حـكـمـاء ماسبيرو

مقالات الرأي



فيروز، التى هى فيروز، بمناسبة عــيد مــيلادها الثمانين، مازلت أتذكر أنهم سألوها يوماً من سنوات: هل تظهر آثار الزمن على الحنجرة؟ فأجابت: كثرة الأحزان تترك بين ثنايا الصوت أعشاشاً من التجاعيد. بالضبط كتلك التى تزحف تباعاً نحو الوجه. قلت فى نفسي: يحدث فى بعض الحالات أن تضفى هذه التجاعيد على الحنجرة لمسـة من الشجن المتموج، كأنها تطبع على الأحبال الصوتية أسراباً من النوارس المجهدة من طول السفر، كما هو الحال عند فيروز. لكـن ما نـســيت أن تشيرى إليه حقاً يا جارة القمر هو تلك التجاعـيد التى تغزو مع تراكم الأيام على الأيام، كنقوش الحضارات القديمة، على جـدران معابد القلب.

الغباء وحده لا يمكن أن يكــون السـبب فى دفــع البعض إلى مواقف بكـــل هذا الشذوذ. كذلك فإن الخـوف من الركل فى المؤخــرة بعيداً عن الكــرسى، ليس كافياً لتبرير هذه النطاعــة الأخلاقية. الســيسى أشار إلى ضرورة تطهير التليفزيون، ففسر حكماء مــاسبيرو ما يقصده بالشقلوب. وعلى ما يبدو، فإنها لن تكـون السقـطة الأولى أو الأخيرة. اتخذوا قراراً أقل ما يقال عنه هو أنه غريب الشــأن: الاستعانة بخمسة إعلاميين من خارج المبنى لتقديم البرنامــج اللى هـو، علماً بأنه سيتكلف عشرات المــلايين من مــيزانيته المــبددة على الحبايب. الأمر أنا أعتبره نوعاً من الرمرمة أو دناوة النفس التى سرت فى الجينات. لماذا لا يستعينون بخمسة إعلاميين من ماسبيرو. المواهب المعطلة داخل المبنى على قـفـا مين يشـيل. هؤلاء، كما هو واضح، يغار منهم المنطفـئون مــن القــمة حتى القاع. حكماء ماسبيرو، يتعاملون مع المبدعين من داخل المبنى بعقلية أمــين المخازن الذى لا يفعل أكثـر من انتظار الجرد الختامى أواخر يوليو من كـــل عـــام. الحل الوحيد الباقى أمامنا لإصلاح عش الدبابير المشرف على النيل الذى أصبح ملوثاً، هو على رأى المثل: الســـلم يتكنس من فـــوق. أو فلنتجرع فى صــمت: بروتـوكولات حـكـمـاء ماسبيرو.

عـشـرة منغـصـات لسـة منكــدة عــلى المـصـريين: لحم الحمير وتردى التعليم والصحة وعـادم السيارات وغـباء المسئولين. الفساد اللى بقـــى على عــيـنك يـا تاجـــر والغـلاء المـتوحـش وحـزب النور وطفح المجارى وعودة رهام سعيد.

التجارب كلها أثبتت بما لا يـدع مجالاً للشك أن الأخبار السيئة تجبر الناس على الهروب من السياسة إلى الكرة. كما أثبتت بما لا يـدع مجالاً للشك أن الكرة فى مــصر، بالحالة التى هى عليها الآن، قد نجحت فى إعــادة الناس إلى السياسة.

خلال 30 عـاماً، سيكــون الوطـن العربى كله، بما فى ذلك فـلسـطين، قد تحرر من الاستعمار بشكله الاستيطانى أو بالريموت كنترول. خلال 30 عـاماً على الأكثر، ستعود الشوارع بلا قمامة، كما نراها فى أفلام الأبيض والأسود التى ظهرت منذ 70 عـاماً أو يزيد. خلال 30 عـاماً، ستكون الأمية أو التطرف أو الأمـراض الوبائية أو الرقابة أو الأنيميا أو العشوائيات أو الإرهاب قد أصبحت جميعها من الأمراض التاريخية التى اختفت إلى غــير رجعة. خلال 30 عـاماً، أو ربما أقل، ستكون المرأة قد خلعت نهائياً ملابس الجارية لترتدى ثـوب المواطنة الحرة. لن يتحكم فيها رجل عـنين يتباهى طوال الوقت بالفحولة. خلال 30 عـاماً، على أسوأ الفروض، لن نتحـدث عن الديمقراطية أو حقوق الإنسان لأنها سوف تصبح من البديهيات. خلال 30 عـاماً من الآن، سيكون من حـــق كـــل شخــص أن يعبر عن أفكاره أو عقــائده، أياً ما كانت، بلا خــوف من أن يقطع رأسـه الســـياف مسرور.

أحـلام دونتهـا فى أجندة قــديمة منذ 30 عـاماً.