د. أحمد يونس يكتب: الحاكم كالعريس الأهــطل يريد شعباً عـلى الزيرو

مقالات الرأي



العـــنباية أو عـــين السـمكـة. لا أحد ممن يعرفون مــصر جيداً يستطيع أن يدعى أنه لم يسمع بهاتين الأعجوبتين اللتين تستعين بهما العجائز فى الريف، عوضاً عن غشاء العذرية عند اللزوم. الرجال المغفلون وحدهم هم مـن يطلقون الأعيرة النـارية فى الهواء، عندما تشــاور المرأة الأكــبـر سناً من الشباك بالمنديل الملطخ بالدم، احتفالاً بإثــبات أن العروس عذراء. تشارك فى هذه المجــزرة المتوحشــة نسـاء يمثلن العائلتين، فضلاً عن الشاهدات اللائى يقفن ظاهرياً على الحياد. ثم تنطلق الحناجر بالغناء: قولوا لابوها ان كان جعان يتعشى، ولا أكـمل بقية الأغنية لأنها بالغة الفحش. وعلى الفتاة المسكينة أن تعـيش ما بقى من حياتها أســيـرة لعقدة هذه الليــلة المشــئومة التى لن تنمحى من ذاكرتها إلى الأبد.

المنطق يفرض هنا الإشارة إلى الطفلة الصينية التى ظلوا إلى ما يقرب من منتصف القرن العشرين يجبرونها على أن ترتدى حذاءً من الحديد كى لا تكبر قدماها. كان الأمر مؤلماً إلى درجة الجنون. لا يحتاج الإنسان إلا إلى قــليل من الخيال ليتصور كيف أن العظم الذى ينمو مع مرور الأيام يكاد يتكسر فى كـــل لحظــة داخل هذا السجن الحــديدى الرهيب. ولم أقتنع أبداً بأن الظـاهـرة تتعلق بمقاييس الجمال السائدة هناك فقط. كنت على يقــين دائماً من أن المسألة تنطوى بالضرورة أيضاً على بعــد طــبقى شــديـد القسوة، فالمرأة الكبيرة القدمين لابد أن تكون إما فـلاحـة أو خادمة، وهو ما يخفس بالتبعية من سعرها فــى ســـوق الجوارى أو الزوجات.

وقد يقفز الآن فرحاً واحـد من عبدة المــاضى الذين يتكاثرون كالخراتيت فى مســرحية يوجين أونسكو الشهيرة، ليقول منتفـخ الأوداج أننا أكـثر مـن احتفى بالمـرأة على مدى التاريخ، وأن تقاليدنا العربية الأصيلة تخلو تماماً من حكاية الحذاء الحديدى تلك، متناسياً أننا من أوائل الذين ألبسوا المرأة حذاءً آخـر أقسى من الحديد. حذاءً لا تراه العين لأنه لا يوضع فى القدمين. بل حول الدماغ بحيث يقمع نمو العقل.

وعلى مدى القرون الكثيرة الماضية، تظاهرت المرأة بأنها أجهل من دابة، بينما هى أكثر خبرة من الذكور بمراحل، لتحوز على إعجاب الرجال المغفلين. إلى درجة أن احمرار الوجنتين عند أغــلب البنات مجـرد مهــارة يتوارثنها أماً عن جدة، على حـين لا يتوقف الحديث بين الرجال أو النساء لحـظـة واحـدة عن الانحلال الخلقى الذى يجتاح الغرب. ولم يكـن الأمـر هذه المرة أيضاًـ مقطـوع الصلة بلغة الربح والخـسـارة، فالمرأة الأعلى ثمناً فى ســـوق الجوارى أو الزوجــات هى التى تشبه القـطـة المـغمـضة العينين، أو التى لا خبرة لها فى هذه الدنيا، باستثناء الطبخ والكنس والغسيل، فضلاً عن لعب دور الوعاء لأولاد سيفكرون بنفس الطريقة، وبـنـات سيحملن نفـس الحذاء الحديدى حول الرؤوس. وعندما تكبر فى السن، لن تنسى أن تدربهن على كــيفـية صــنـع أو تركيب عـين السمكة أو العــنباية. المرأة الأغلى فى سوق الجوارى أو الزوجــات هى التى تعرف أقل، أو حبذا لو كانت لا تعرف شيئاً على الإطلاق. كلما تضاءل ما تعرفه ـ حتى عن جسدها ـ ارتفع السعر. الفردة الثـانية من الحذاء الحديدى نضعها حول قــلب المرأة حتى لا يخـفق إلا عندما يظهر الزبـون اللى حيشيل، وهو ما يلخصه العريس قائلاً: أنا عايز واحدة عــلى الزيرو.

الحاكم هو الآخر يريد شعباً عـلى الزيرو. يريد شعباً لا خـبرة له فى هذه الدنيا، باستثناء السمع والطاعة والتسبيح بحمده ليل نهار. إعلام الإخوان فى الماضى والحاضر حذاء من الحديد حول دماغ الشعب لكى لا يفكر.

ما العمل فــى بــلد مازالت تحكمه الأحذية؟