عبدالحفيظ سعد يكتب: صناعة العملاء.. ورقة لندن للسيطرة على الإخوان
كتاب يكشف الوثائق السرية لتاريخ تآمر بريطانيا مع المتطرفين
■ بريطانيا زرعت مخبرين سريين بين قادة التنظيمات الإسلامية للتجسس على زملائهم واستخدامهم لتحريك الأحداث فى بلادهم
■ «لندنستان» تتحول لمأوى الإرهابيين بدعم من المخابرات البريطانية لتعويض نفوذ الإمبراطورية الضائع
■ هدف إنجلترا فى تسمين الإسلاميين كان فى البداية لضرب حركات التحرر القومية فى بلاد الشرق وتحول الآن للسيطرة على المتطرفين بتوفير الملاذ الآمن
■ الكتاب يوضح استراتيجية بريطانيا فى حماية الإرهابيين واستغلالهم ورق ضغط على بلادهم
قبل ما يقرب من مائة عام، على اكتشاف الخلايا الجذعية، كعلاج يقوم على تخزين جزء من «مشيمة» المولود أو من خلايا الجنين، لتستخدم فيما بعد فى علاجه وتعويضه عن الأعضاء التى تفسد، كانت المخابرات البريطانية مع نهاية الحرب العالمية الأولى، تضع خططاً لإنشاء التنظيمات المتأسلمة أو بتجنيد عناصر منها فى بلاد الشرق الإسلامى الممتدة من مصر وصولا للهند وباكستان، وفى غرب إفريقيا. وهدف بريطانيا فى ذلك الوقت العمل من «تخزين» هذه التنظيمات والعملاء السريين لها، على طريقة الخلايا الجذعية، لاستخدامها فيما بعد للعمل على إثارة القلاقل أو تحقيق أهداف الإمبراطورية العظمى فى هذه البلدان، سواء بتعطيل استقلالها عنها، كما كان يحدث فى السابق، أو بتحقيق مصالحها وأهدافها كما يحدث الآن.
الخطط البريطانية التاريخية، تفسر السر وراء ارتباط بريطانيا حتى الآن بالتنظيمات الإرهابية المتأسلمة، وتحول عاصمتها لندن لمركز إيواء وتحرك لعناصر التنظيمات المتطرفة على الرغم من حالة العداء الظاهر بين هذه التنظيمات وبريطانيا، التى تدخل فى تحالف معلن لمواجهة إرهاب هذه التنظيمات، بينما فى الحقيقة مازالت الأجهزة البريطانية تدعم هذه التنظيمات فى الخفاء، عن طريق إيواء كوادر هذه التنظيمات المتطرفة.
ويكشف عن العلاقة السرية بين الأجهزة البريطانية والمنظمات الإسلامية المتطرفة، كتاب «التاريخ السرى لتآمر بريطانيا مع الأصوليين»، وهو من تأليف مارك كورتيس الذى يعمل مؤلفا وصحفيا ومستشار عمل، وزميلا باحثا فى المعهد الملكى للشئون الدولية، تضمنت كتبه السابقة كتابا حقق أفضل المبيعات وهو (شبكة الخداع العنكبوتية: دور بريطانيا فى العالم).
ويعتمد كتاب التاريخ السرى لتآمر بريطانيا مع الأصوليين، على الوثائق الرسمية التى رفعت عنها السرية، من الفترة بعد الحرب العالمية الأولى حتى عام 2009، وهى الوثائق الخاصة بالخارجية والمخابرات، ليفضح تآمر الحكومة البريطانية مع المتطرفين دولا وجماعات وأفرادا فى أفغانستان وإيران والعراق والبلقان وسوريا ومصر وإندونيسيا ونيجيريا وذلك لتحقيق مصالحها.
لذلك يعطى الكتاب والذى يعتمد على الوثائق الرسمية لبريطانيا، تفسيرا لماذا تحولت لندن إلى العاصمة السياسية، للتنظيم الدولى لجماعة الإخوان، والعديد من التنظيمات الإرهابية الأخرى، وهى اللعبة القديمة التى لم تتخل عنها المخابرات البريطانية منذ عقود، فمثلما كانت لإنجلترا اليد العليا فى عملية التأسيس والحفاظ على تنظيم الإخوان منذ إنشائه على يد حسن البنا فى عام 1928. وعملت على تدعيمه والسعى للحفاظ عليه فى سنواته الأولى من العصف به، سواء من غضب القصر الملكى، أو الأحزاب القوية مثل الوفد فى حينها، ثم حمايته والعمل على إيجاد مأوى له بعد الصدام مع نظام عبد الناصر، والعمل على المصالحة مع نظام السادات.
عمدت بريطانيا إلى أن تتحول إلى الملجأ والحصن للتنظيم الدولى للإخوان والعديد من التنظيمات المتطرفة الأخرى، بعد أن سمحت لعناصر هذه التنظيمات بحرية الحركة والعمل على إنشاء جمعيات ومنظمات تتحرك من خلالها.
وكانت جماعة الإخوان فى مصر، أحد أهم التنظيمات المتطرفة التى حظيت بدعم من بريطانيا على مر العقود، كما يوضح الكتاب والذى يعتمد على الوثائق السرية البريطانية.
وربما يفسر هذا اتخاذ الإخوان من العاصمة البريطانية لندن المركز السياسى لنشاط التنظيم الدولى للجماعة ليس على المستوى الأوروبى فقط، بل على مستوى العالم، وتضم لندن مقر التنظيم الدولى والذى يقع بضاحية (كريك لود) الواقعة شمال لندن، وهو مقر لشركة «وورلد ميديا»، وهى شركة غير ربحية يصدر عنها موقع «إخوان برس»، ويديرها الأمين العام للتنظيم الدولى للإخوان إبراهيم منير. والذى يعيش فى لندن.
كما تضم بريطانيا عدة تنظيمات إخوانية تعمل بها من خلالها الجماعة كنقطة انطلاق مستغلة مساحة الحرية الممنوحة لها فى بريطانيا على رأس هذه المنظمات:
1ــ اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا»، ومقره فى لندن ويديره شكيب بن معلوف، وهو يحمل الجنسية السويدية من أصل مغربى، ويعد الاتحاد الغطاء السرى الذى يتحرك عبره التنظيم الدولى للإخوان فى أوروبا، وكان يدير هذا التنظيم فى السابق أحمد الراوى عراقى الجنسية.
2- المجلس الأوروبى للإفتاء والبحوث، ومقره مدينة دبلن بأيرلندا، ويترأس هذا المجلس يوسف القرضاوى وعدد من قيادات الإخوان وشيوخهم حول العالم، مثل الشيخ حسين محمد حلاوة الأمين العام للمجلس ويعيش فى أيرلندا، والشيخ السعودى سلمان بن فهد العودة، الشيخ أحمد جاء بالله يحمل الجنسية الفرنسية، والشيخ المفتى إسماعيل كشوفلى بريطانى الجنسية، والتونسى راشد الغنوشى ويحمل الجنسية البريطانية، والشيخ القطرى على القراه داغى، وهو نائب القرضاوى فى الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين، والشيخ عبد الله بن يوسف الجديع (بريطانيا)، وأسماء أخرى من الشيوخ الإخوانية فى العديد من دول العالم، التى فى غالبيتها أعضاء فى اتحاد القرضاوى لعلماء المسلمين.
3- المعهد الأوروبى للعلوم الإنسانية ومقره مدينة برمنجهام، وهذا المعهد متخصص فى العلوم الدينية، وهو أحد المؤسسات التابعة للإخوان، وهناك شكوك أن هذا المعهد يدرس فكرا متطرفا مرتبطا بالإخوان.
4- الرابطة الإسلامية فى بريطانيا، وهى أقدم الكيانات الإخوانية وأسسها فى السابق، ويترأسها حاليا أمين بلحاج وهو ليبى الجنسية، ويتضح من اسمه أنه من عائلة عبد الحكيم بلحاج الأمين العام للجماعة الإسلامية المقاتلة فى ليبيا، والتى تعد من أكثر الجماعات عنفاً ومرتبطة بجماعة الإخوان فى ليبيا،
5- منظمة قرطبة: وهى إحدى المؤسسات المهمة لتنظيم الإخوان التى تدار فى لندن عبر أنس التكريتى، وهو ابن أسامة التكريتى أبرز القيادات الإخوانية العراقية، ولكن أنس حصل على الجنسية البريطانية. وتعد مؤسسة «التكريتي» اللوبى السياسى الرئيسى الضاغط لجماعة الإخوان المسلمين فى بريطانيا، ووجهت انتقادات قاسية لمؤسسة «قرطبة» بعد اتهامها للعمل بشكل وثيق مع غيرها من الجماعات المتطرفة البريطانية التى تسعى لإنشاء ديكتاتورية إسلامية أو خلافة فى أوروبا.
ويذكر أن «التكريتى» عمل كمتحدث سابق باسم «مبادرة المسلمين البريطانية» والتى تحمل علاقات وروابط وثيقة مع حركة حماس الفلسطينية، ومؤسس المبادرة هو «محمد صوالحة»، وكان صوالحة قد صعد فى عام 2013 إلى عضوية المكتب السياسى للحركة، وهو الآن المسئول الأول عن قسم العلاقات الدولية داخل الحركة. وفى ذات الوقت الرجل يشغل أيضا موقعا مهما فى أمانة التنظيم الدولى للإخوان فى لندن، أى أنه يجمع بين الموقعين معا، أحدهما داخل الأطر التنظيمية للتنظيم الحمساوى (الفرع الفلسطينى للإخوان).
6- معهد الفكر السياسى الإسلامى فى لندن، ويديره عزمى التميمى، وهو يحمل الجنسية البريطانية، ومن أصول فلسطينية ويدير قناة «الحوار» الإخوانية فى لندن، وهو من القيادات الإخوانية وله علاقات بأمريكا وعاش فترة فى اليابان.
7- المجلس الإسلامى فى بريطانيا من أكبر المنظمات الإسلامية فى المملكة المتحدة، إذ يضم 500 منظمة إسلامية محلية فضلا عن العديد من المساجد والمؤسسات الخيرية والمدارس الإسلامية، ورغم أن المجلس لا يتبع مباشرة الإخوان، إلا أن التنظيم فى الفترة الأخيرة سعى لاختراق المجلس ودخلت فى عضويته الرابطة الإسلامية فى بريطانيا.
ويعطى كتاب التاريخ السرى للتآمر، تفسيرا لسر احتضان بريطانيا، للمنظمات الإخوانية وغيرها من التنظيمات الإرهابية، وتحولها لمراكز داخلها على الرغم من المخاطر التى تشكلها هذه التنظيمات على بريطانيا وحلفائها فى الغرب. ونجد أن تفسير الكاتب ــ مارك كوريتس ــ يعود بتاريخ العلاقة الممتدة بين الطرفين بريطانيا والتنظيمات الأصولية عبر عقود. وكيف سعت بريطانيا، لاستخدام هذه التنظيمات المتطرفة؟ بما فى ذلك التنظيمات الإرهابية، عبر حكوماتها المتعاقبة سواء من العمال والمحافظين، تواطأت عقودا طويلة مع القوى الإسلامية فقد تسترت عليها وعملت إلى جانبها، بل دربتها أحيانا بهدف الترويج لأهداف محددة للسياسة الخارجية، وغالبا ما فعلت الحكومات ذلك فى محاولة يائسة للحفاظ على قوة بريطانيا العالمية، التى عانت من أوجه ضعف متزايدة فى مناطق أساسية من العالم الإسلامى.
ونعود إلى نصوص الكتاب التى اهتمت بشكل كبير بالعلاقة التى نشأت بين إنجلترا وتنظيم الإخوان منذ نشأته ووضع لبنته الأولى عام 1928، وكيف أنها سعت لاستغلاله فى إيجاد بديل سياسى فى مصر، يستخدم ضد القوتين الرئيسيتين فى ذلك الحين، والمتمثلة فى القصر الملكى، وحزب الوفد صاحب الشعبية الكبيرة. أيضا الدور الذى قامت به بريطانيا فى الحفاظ على التنظيم، بعد أن قامت بتجنيد عدد من مراكز القيادة به.
ويحكى الكتاب مستندا للوثائق الرسمية، أنه فى عام 1941، عقب سجن الحكومة المصرية لحسن البنا، بسبب تحركات خلال الحرب العالمية الثانية ضدها، أجرى البريطانيون أول اتصال مباشر مع الإخوان، ويقول كتاب «كوريتس»، وفقا لوثائق السفارة البريطانية، «عرض المسئولون البريطانيون مساعدة الإخوان لشراء مساندتهم. وكثرت النظريات حول ما إذا كان البنا قبل العرض البريطانى أم تقديم المساندة أم رفضه، لكن فى ضوء الهدوء النسبى للإخوان لبعض الوقت عقب هذه الفترة، فإنه من المحتمل أن تكون المعونة البريطانية قد قبلت».
ويضيف «بحلول 1942 كانت بريطانيا قد بدأت على وجه القطع فى تمويل الإخوان، ففى مايو عقد مسئولو السفارة البريطانية اجتماعا مع أمين عثمان رئيس وزراء مصر، نوقشت فيه العلاقات مع الإخوان وتم الاتفاق على عدد من النقاط، كان إحداها أن تدفع الحكومة المصرية سرا الدعم المقدم من حزب الوفد للإخوان سرا، وأن السفارة البريطانية سوف تمدها بهذا الدعم، إضافة إلى ذلك ستدخل الحكومة المصرية عملاء موثوقا بهم فى صفوف الإخوان لتراقب الأنشطة الإخوانية عن كثب، وتقدم إلى السفارة البريطانية المعلومات التى يحصل عليها هؤلاء العملاء.
ويشير الكتاب إلى أنه على الرغم من تصنيف المخابرات البريطانية، للإخوان بأنهم خطر محتمل لها، وأنهم كمنظمة يمكن أن تنهار بزوال حسن البنا، إلا أن البريطانيين تراجعوا عن هذا بعد عدة سنوات، عندما تعهدوا بالحفاظ على الإخوان وتعاونوا معهم فى مواجهة العداء المتنامى للاستعمار فى مصر.
ويرجع الكتاب للدور الذى لعبته بريطانيا فى تعيين حسن الهضيبى كمرشد عام للإخوان بعد مقتل البنا، باعتباره معتدلاً، ويشير الكتاب إلى إحدى الوثائق السرية لعام 1951، أن المسئولين البريطانيين، كانوا يحاولون ترتيب لقاء مباشر مع الهضيبى. وعقدوا اجتماعات مع أحد مستشاريه، وتدل البيانات المستمدة من الملفات، أنه على الرغم من أن قادة الإخوان كانوا مستعدين تماما للقاء البريطانيين سراً، رغم دعوتهم العلنية لشن هجمات على البريطانيين، وبحلول الوقت كانت الحكومة المصرية تعرض على الهضيبى رشاوى ضخمة، مدفوعة من لندن، لمنع الإخوان من ارتكاب مزيد من أعمال العنف ضد النظام، حسبما أوردت وثائق الخارجية.
ويوضح الكتب أن الدور الذى جنته بريطانيا من الإخوان، جاء بعد ثورة 1952، وطالب قادة الجيش بجلاء القوات البريطانية من مدن القناة، فلجأ مسئولو السفارة البريطانية للاجتماع المباشر مع الهضيبى لمعرفة موقف الإخوان تجاه المفاوضات بينهم وبين الحكومة المصرية الجديدة. ويذهب المؤلف فى تفسير اجتماع مع بين مسئولى السفارة مع الهضيبى، قبل مفاوضات الجلاء، أنه «محاولة منهم لإرباك وتقليل قوة قادة الجيش وتحديدا عبد الناصر، فى أن هناك حليفا لهم فى مصر، يمكن أن يتفاوضوا معه، من أجل الحصول على وضع تفاوضى أفضل».
ويدلل المؤلف كراتيس على ذلك بأن فى مخاطبات الخارجية البريطانية، أنه تم إبلاغ عبد الناصر بلقائهم من الهضيبى، حتى تزرع الشك لدى عبد الناصر، بشأن جدارة الإخوان بالثقة، وأنهم يمكن أن يكونوا بديلا عنه، وذلك فى محاولة اللعب بسياسة «فرق تسد» المتبعة لدى بريطانيا فى تقوية المنافسين المحليين فى مواجهة بعضهم للحفاظ على وضعها ومكتسباتها، وهو ما تكشف عنه وثيقة بريطانية أخرى تحدثت، عن لقاء جمع الإخوان والبريطانيين، فى 7 فبراير 1953، وأخبر شخص اسمه أبورقيق، وهو من قادة مكتب إرشاد الإخوان فى حينها، المستشار الشرقى للسفارة البريطانية تريفور إيفانز، أنه «إذا بحثت مصر فى كل أرجاء العالم عن صديق فلن تجد سوى بريطانيا». وفسرت السفارة البريطانية فى القاهرة هذا التعليق، بأنه يكشف عن وجود مجموعة داخل قادة الإخوان مستعدة للتعاون مع بريطانيا.
ويستمر الكتاب فى سرد العلاقة السرية بين الإخوان وبريطانيا، معتمدا على الوثائق السرية للمخابرات والخارجية، مع زيادة العداء بين عبدالناصر ولندن، استغلت حكومة إيدن، الصدام بين ناصر والإخوان فى محاولة لتجنيدهم للعمل على التخلص من الحكومة بالاغتيال. ويكشف الكتاب عن وثائق تتحدث عن خطط ومؤامرات قامت بها المخابرات البريطانية مع الإخوان لاغتيال عبد الناصر، ومنها لقاءات جمعت بين بيل ماكلين المسئول التنفيذى عن العمليات الخاصة فى المخابرات البريطانية وجوليان إيمرى سكرتير «مجموعة السويس» ونورهان دراشير رئيس محطة المخابرات الخارجية البريطانية فى جنيف، أجروا جميعا اتصالات بالإخوان فى سويسرا، لبحث تنفيذ محاولة لاغتيال عبدالناصر وإقامة حكومة للإخوان فى المنفى.
ويوضح الكتاب أن المخابرات البريطانية، حرصت على دفع السعودية لاحتضان الإخوان بعد أن طردهم عبد الناصر، ومحاولة الاستفادة منهم، كما سعوا أن يقوم حسين ملك الأردن بمنح جوازات دبلوماسية لبعض قادة الإخوان، وتحديدا سعيد رمضان حتى تسهل حركتهم، كما وافقت المخابرات البريطانية على التمويل السعودى لأنشطة التنظيم.
ويشير المؤلف كراتيس، إلى أن عملية استخدام الإخوان ضد نظام عبد الناصر كانت بهدف القضاء على فكرة القومية فى البلاد الإسلامية التى كانت لها نفوذ بها، وهو ما حدث أيضا فى إندونيسيا، ونيجيريا، عندما دعمت بريطانيا الجماعات المتشددة فى مواجهة حركات التحرر الوطنية هناك والتى كانت تشكل تهديدا لنفوذ بريطانيا.
ولكن العلاقة بين الإخوان والتنظيمات الأصولية المتطرفة، لم تنته فى مصر أو بلاد الشرق الإسلامى، سواء بعد وفاة عبد الناصر أو حركات التحرر فى هذه البلاد، فنجد أن الكتاب يشير إلى عدم انقطاع الحبل السرى بين المخابرات البريطانية والتنظيمات المتطرفة، وهو يشير لذلك بالدور الذى لعبته مع رئيس المخابرات السعودية كمال أدهم فى الصلح مع نظام السادات والإخوان، للعمل على كبح القوى المدنية واليسارية فى مصر، وهو الدور الذى لعبته أيضا مع هذه التنظيمات لتجنيد المقاتلين لمواجهة الاتحاد السوفيت فى الحرب فى أفغانستان.
وحتى بعد نهاية الحرب فى أفغانستان، عمدت بريطانيا إلى الحفاظ على علاقة مع المتطرفين هناك سواء بدعم جهود المخابرات الباكستانية الحليفة لها بدعم حركة طالبان، أو العمل على تجنيد مجموعات جديدة من العملاء السريين، من المقاتلين العرب، أو الذين على صلة بهم، فمثلا سمحت بتواجد أبوحمزة المصرى فى لندن، رغم خطابه المحرض على العنف، وكان التبرير البريطانى على دعمه واستمراره أنه على الرغم من دور أبوحمزة فى دعم الإرهاب، إلا أنه كان يفعل ذلك خارج حدود إنجلترا، بينما فى داخل بريطانيا يعمل دور المرشد ويمدهم بالمعلومات عن الأشخاص الذين لهم ميول عدائية ضد بريطانيا.
وتجلى هذا الأمر فى الحفاظ على أبوقتادة والذى كان يوصف بأنه الأب الروحى للقاعدة فى أوروبا، لكن ظل الأمن البريطانى محتفظا به، ما عزز شكوكا بأنه عميل مزدوج لصالح الأجهزة الأمنية البريطانية، مما منع تسليمه للأردن لارتباطه بقضايا إرهاب، خاصة بعد إدراج اسمه ضمن قائمة الإرهاب الأمريكية، ونجد أن هناك حالات أخرى من عناصر على صلات بالقاعدة والتنظيميات الإرهابية ظلت فى حماية السلطات البريطانية مثل الشيخ عمر بكرى وهو سورى أسس جماعة المهاجرين، وكان له دور فى حشد المقاتلين فى الحرب فى كوسوفو، ولكن بعد نهاية الحرب استمر نشاط أبوعمر، وفسر الأمن البريطانى أنه يقدم معلومات لصالحه عن أنشطة الإرهابيين فى لندن، بينما أنشطته الإرهابية، لا تتأثر بها البلاد لأنها خارج الحدود.
ويضاف إلى ذلك المصرى هانى السباعى الذى كان وسيطا فى البيانات والمعلومات عن مقاتلى القاعدة، كما اتهم بالضلوع للتخطيط لعمليات إرهابية فى مصر، بالإضافة إلى ياسر السرى، والذى كان له دور بارز فى عملية اغتيال أحمد شاه مسعود الذى كان مناوئا لحكومة طالبان فى أفغانستان، قبل أحداث 11 سبتمبر بأيام، ولكن عمدت السلطات البريطانية على توفير الحماية القانونية له، ومنع تسليمه للولايات المتحدة.
ونجد على نفس المنوال، تعمدت الحكومة البريطانية على توفير الحماية لعناصر جماعة الإخوان، بل تحولت العاصمة لندن إلى العاصمة الدولية لتحركات الجماعات المتطرفة ما دفع مارك كوريتس، مؤلف كتاب «التاريخ السرى لتآمر بريطانيا مع الأصوليين»، إلى أن يطلق على العاصمة البريطانية «لندنستان» فى إشارة منه، إلى أنها تحولت لمعقل للمتطرفين مثل أقاليم أفغانستان.
بينما يوضح المؤلف استنادا للوثائق، أن تبرير السلطات البريطانية، بإيواء المتطرفين خاصة جماعة الإخوان أن الهدف منه، كما توضح وثيقة للسفير بمبلى عام 2005 إلى أن الحديث للمتأسلمين يمكن أن يكون مفيدا، حيث إننا «نحصل على معلومات، وتلك سياسة تتفق مع استراتيجية بريطانيا التى تقضى بتجنيد المتطرفين ليعملوا مرشدين. كما أضاف بلمبلى: إن العلاقة مع الإخوان خاصة فى مصر، الهدف منها محاولة الاستفادة منهم فى إحداث تغيير، والتأثير على الحكومة إذا أردنا ذلك، وهو ما يدفع مارك كراتيس، بأنه الدافع لجنى المنافع، أدى إلى أن تتحول عاصمة بريطانيا إلى «لندنستان»، أو مركز لإيواء المتطرفين.