نادية صالح تكتب: وأخذ يفكر ويفكر ثم أخذ يفكر ويفكر
يرحم الله الأستاذ الكبير.. أستاذ الكوميديا (عبدالمنعم مدبولى) وأظن أغلبنا يتذكره، ولابد أن يتذكره ويتذكر حيرته وهو يصرخ فى إحدى مسرحياته:
«وأخذ يفكر ويفكر.. ثم أخذ يفكر ويفكر»، وظل يردد هذه العبارة ليجسد ويجسم لنا الحيرة والخيبة إذا ما لحقت بالإنسان وتاه عن الصواب.. حتى أصبح لايفعل شيئا سوى أن يتكلم و«يفكر» أو هكذا يظن.. ترى هل هذا هو حالنا؟ حاشالله.. وهل هذا ما جعلنى أتذكر هذا المشهد لعبدالمنعم مدبولى.. أم لعلنى فى لحظة غضب أو ثورة مما جرى ويجرى فى بلادنا.. بلادنا الحلوة، أو على الأصح التى (كانت) أو التى يجب أن تكون (حلوة).. ماذا جرى لنا؟!
ماذا جرى للمنطقة كلها؟! بل دعونى أقلل من مسئوليتنا عما يجرى وأقول: ماذا جرى للعالم؟!
ولكن، وللحق أو الأهم والأجدى لنا أن ننظر إلى حالنا ونقدر ونحدد مسئوليتنا عما يجرى لنا..
وحتى أضع إطارا يحدد ما أريد أن أقول.. سوف أسأل نفسى سؤالين، الأول:
هل كانت أمطار أو سيول الإسكندرية سببا فى دق جرس إنذار شديد اللهجة لنا؟!
والثاني: هل الإعلام مسئول بدرجة أو أخرى عما نحن فيه؟!
وأظن أن مجرد محاولة الرد على هذين السؤالين يضيء لنا ولو شمعة على طريق أراه مظلما أو كاد.
وللإجابة عن السؤال الأول فى رأيى المتواضع، لابد أن نعترف أن الأمطار التى زادت كثيرا فى كميتها كانت مفاجأة، ولكن توقيتها معروف مقدما ويحفظه السكندريون قبل رجال الأرصاد، أقول: هذه الأمطار أو على الأصح السيول التى كادت أن تغرق «العروس» (عروس البحر الأبيض المتوسط) كما اعتدنا أن نسميها.. كانت إنذارا شديد اللهجة.. بل شديدا جدا فى لهجته، دق هذا الجرس فى وقت وفى ذات الوقت الذى تدق فيه أجراس أخرى.. فكادت الأصوات أن تكون زلزالا صم آذاننا وكاد أن يودى بنا.. لكن ستر الله رحمنا ونجونا بإذنه، ويندهش احدكم إذا قلت إننا لابد أن نشكر هذا المحافظ الذى ذهب لأنه كان سببا فى يقظة دفعنا ثمنها من الأرواح البريئة التى ازهقت ومن الأموال التى أهدرت ومازالت، ولن تكون مشكلتى مع هذا الرجل فربما وأظن أن لديه ما يقوله مدافعا عن نفسه (نحن أساتذة التبرير)، ولكن ما يهمنى ويهمنا هو ضرورة فتح العيون واليقظة، فالإسكندرية ليست هى الوحيدة.. والقاهرة ليست بعيدة -لاقدر الله- والجيزة أيضا وبورسعيد وباقى المحافظات.. استيقظوا ياسادة.. وليستيقظ كل فى مكانه.. دون أن يبقى فى مكانا بل يعمل المطلوب منه فى مكانه، بل أكثر من المطلوب حبا وكرامة لهذا البلد، لتستيقظ ضمائرنا كلنا.. كلنا.. كلنا.. كلنا.. فالأمر جد خطير واليقظة إما حياة أو لاقدر الله.. ينتظرنا السيئ والأسوأ..
ولابد أن اختم إجابتى على السؤال الأول بأن أقول: نحن جميعا مسئولون وليس محافظ الإسكندرية فقط ولكنه كان سببا وضعته الاقدار ليضغط على زر جرس الإنذار - ربما الأخير- وتبقى إجابتى على السؤال الثانى الذى يسأل:
هل الإعلام مسئول بدرجة أو أخرى عما حدث؟
والإجابة باختصار شديد.. نعم.. نعم.. وألف نعم.. فكيف بالله عليكم وكل واحد فينا نصب نفسه محافظا ووزيرا ورئيسا للوزراء بل رئيسا للبلد..
يقدم فتواه بل فتاواه.. ويهاجم ثم يهاجم وهو جالس امام ميكروفونه أو كاميراته أو جريدته، بعد أن شرب قهوته أو مشروبه المفضل، واعتدل وحده أو بين ضيوف استحضرهم ليشاركوه التنظير والنظريات التى تجود بها قرائحهم، أو زميلة أو زميل يسأله وهو يجيب..
أساتذة ومفكرون جاد بهم الزمان حتى وصلنا إلى هذه الحال.. وللحق ياسادة.. هناك فرق بين الكلام والبغبغة (من البغبغانات).
أخيرا وليس آخرا.. الإعلام يحتاج إلى (دوا تركيب) وهذا التعبير استعرته من أستاذ أساتذة الدبلوماسية المصرى العالمى د.بطرس غالى -شفاه الله- دوا تركيب ينقذنا من أنفسنا حتى لانظل دائرين فى هذه الدائرة التى عبر عنها «مدبولى» يوما: «وظل يفكر ويفكر ثم أخذ يفكر ويفكر» والله المستعان.