عبد الحفيظ سعد يكتب: ساويرس يجبر مرشحى حزبه على توقيع استقالات مسبقة وشيكات على بياض لضمان ولائهم فى البرلمان
قبل سقوط حكم جماعة الإخوان بأسابيع، بكى نجيب ساويرس فى حوار تليفزيونى له فى باريس والتى هرب إليها خشية من حكم جماعة الإخوان وقتها حيث تم ملاحقته قانونياً بتهمة التهرب من دفع الضرائب، قائلا: «أنا تعيس هنا فى باريس.. أنا أحب أمشى فى شوارع مصر المتكسرة وترابها، لم أستطع العيش فى مكان آخر، الابتعاد عن مصر صعب، أبنائى مصريون جدًا، يعشقون مصر، ابنى محروم من أكل الملوخية التى يعشقها».
واضطر ساويرس أن يدفع لحكومة الإخوان 7 مليارات جنيه، فى مقابل أن يعود لمصر ويتمتع بـ«طبق» من الملوخية، بعد أن قام بالتصالح ودفع المبلغ المطلوب منه، وهو ما جعل الإخوان تفتح له وقتها قاعة كبار الزوار وهو قادم من فرنسا..!
لكن يبدو أن رجل الأعمال ساويرس، نسى عشق نجله للملوخية، وتجاوز فكرة «الوطن» الذى ادعى أنه يعشقه رغم شوارعه المتكسرة، فبعد أن صفت له الأجواء وهدأت له الأمور، بعد سقوط حكم الإخوان، وزال عنه الأخطبوط الذى لم يكن يهدده بقدر ما كان يمثل خطراً على الوطن..
وبدلا من أن يبحث ساويرس عن تضميد الجراح التى تدمى.. ويعيد الشوارع المتهالكة فى السياسة والطرق.. ويفكر كرجل أعمال أن يعالج ما أفسده غيره، بعد أن تًكسب من هذا الوطن، المليارات، وصار على قمة هرم المجد المالى فى العالم.. راح ساويرس يزيد عمق الجرح.. ويتصرف بما لا يجرؤ عليه ممن سبقه من حزب وطنى وإخوان.. لدرجة جعلته يتعامل مع الوطن كشركة، يتحكم فيها بأمواله التى أتاحت له كل شىء، من شراء أحزاب وسياسيين ومثقفين.. ولم يعد هناك ما يردعه عن الشراء.. بعد أن وضع قاعدة بـ«فلوسى سأشترى كل شىء»، فنائب البرلمان، ممثل الشعب، ومدافع عن حقوقه، والذى يمثل صوتا للآلاف التى أعطته ووثقت فيه ومنحته تأييدها، ليدافع عن مصالحها، لا يختلف هذا النائب عند رجل الأعمال الذى يشترى بالمال أى شيء، كثيرا عن «رابطة عنق»، التى تزيد من أناقته، أو قطعة مجوهرات تزيد من جاذبية من يرتديها، بعد أن تحولت السياسة والانتخابات لسوق يباع فيه المقعد، كسلعة فى السوبر ماركت.
لكن نجيب ساويرس لم يكتف فى الشركة الجديدة التى أسسها، بهدف السيطرة على برلمان مصر، بعد أن كون حزباً كانت قاعدة الولاء فيه لصاحب المال الذى يدفع.. وتجاوز مجرد شراء النائب، بل بدأ يبحث عن طريقة تضمن أن يعمل لديه ويسخره طوال الوقت تحت البرلمان لخدمة أغراضه، بما يضمن ألا يتحدث إلا بلسانه، ولا يتخذ موقفاً إلا على هواه، وذلك باتباع طريقة جديدة لم نسمع عنها فى السياسة، قد تكون معتادة فى شركات البيزنس، فعندما تشترى سلعة أو بضاعة تحصل على «شهادة كضمان» أو تقوم بتأمين على الجهاز.
لكن ساويرس فى عملية شراء المرشحين أو جذبهم على قوائم حزبه المصريين الأحرار، وضع مخصصات مالية حتى يغريهم أن يترشحوا كنواب له، وخصص لكل مرشح ما بين مليون ونصف المليون إلى 3 ملايين، من المرشحين الذين يتجاوز عددهم 220 على مقاعد الفردى على مستوى الجمهورية.
لم يفرق ساويرس فى الأعضاء الذين وقع الاختيار عليهم بين انتمائهم الحزبى أو الفكرى، سواء كانوا أعضاء سابقين فى الحزب الوطنى أو من أى اتجاه آخر، كأن المهم لديه فرصة المرشح فى الفوز، بما لا يضيع الأموال التى تصرف عليه، بدلا من أن ينشئ حزبا ويجذب إليه الجماهير ويضم كوادر حزبية قادرة أن تعبر عنه، اتبع الأسلوب السهل، شراء النائب، بدلا من تربيته، سياسيا وجماهيريا.
وأمام قاعدة أن العضو الذى انضم للحزب ومرشح للانتخابات، أغراه المال، فلا يمكن أن يضمن ولاءه تحت قبة البرلمان لمن يصوت، وتحت أى اتجاه يسير، لذلك لجأ ساويرس إلى عملية غريبة، تقوم بعملية ربط المرشح، بأن يوقع على شيكات على بياض، سترفع فى وجهه فى حالة مخالفة قرار الحزب أو ما يريده ساويرس داخل البرلمان.
وتجاوز الأمر تحرير الشيكات، بل طلب من عدد من المرشحين على قوائم الحزب، بأن يقوم بتحرير استقالة منه، غير مؤرخة، ستكون كفيلة بإسقاط العضوية عنه، وهو ما كشفته عنه مصادر داخل الحزب، موضحة أن عملية تقديم الاستقالة من عضوية الحزب، اعتمدت على قاعدة وضعت فى قانون مباشرة الحقوق السياسية، بأنه لا يجوز لأى عضو فى البرلمان أن يقوم بتغيير صفته الحزبية، بمجرد دخوله البرلمان، سواء كان منتمياً لحزب أو بصفة مستقل، وفى حالة تغيير الصفة أو تغيير لحزب آخر، ستسقط عنه العضوية.
ونجد أن ساويرس لجأ لهذه الحيلة التى يعتمد عليها رجال الأعمال، عند تعيين، موظف فى شركاتهم، والتأمين عليه، وحتى يضمن لجوء الموظف إلى القضاء فى حالة فصله من عمله، فى المطالبة بحقوقه، يقوم بتقديم استقالته قبل أن يصدر قرار التعيين، لتتحول الاستقالة لسيف مسلط على رقبته.. وبنفس الحيلة التى يلجأ إليها رجال الأعمال فى التعامل مع الموظفين، اضطر عدد كبير من المرشحين على قوائم حزب ساويرس أن يقدموا استقالتهم التى ستوضع فى أدراج ساويرس، سترفع فى وقتها عندما يخالف العضو توجهاته، بعد أن ربط الحزب تقديم الدعم المال السخى فى الانتخابات مقابل تقديم هذه الاستقالات، وصولا إلى توقيعهم شيكات على بياض حتى يضمنوا ولاء الأعضاء الذين تم جذبهم، سواء من الحزب الوطنى المنحل أو لهم نفوذ عائلى، بأن يلتزموا حرفيا بما يملى عليه، خاصة أن ساويرس يطمح إلى السيطرة على الثلث المعطل من مقاعد البرلمان، وهو الثلث القادر على تعطيل أى تصويت على إقرار الحكومة، بما يضمن أن يكون له اليد العليا عليهم داخل البرلمان، أو يحصل على ما يريد داخل، فى عملية المساومة بأن يكون له نفوذ داخل الحكومة أو فى إقرار القوانين.
قد نتعاطف مع ساويرس، وهو يبكى من ظلم تعرض له أو نسانده حقه فى أن يتمتع بوطنه الذى أدت أعماله ومن على شاكلته إلى تهالك شوارعه، لكنه هذه المرة لا يريد «طبق» ملوخية أو أن يسير فى الشوارع المتهالكة والمتربة فى القاهرة، إنه يطمع أن يسيطر على حكومة مصر، وأن يكون صاحب القرار، وقد يكون ذلك مقبولاً ومحترماً، لو كان ذلك نتيجة شعبية للحزب الذى يمثله بعد أن تبنى مصالح الجماهير، لكنه لا يدرك أن ما يفعله يتجاوز فكرة إفساد للحياة السياسية، بأخطر مما فعله الحزب الوطنى أو الإخوان، وأن يحول البرلمان المعبر عن الشعب، إلى مجرد «شركة» تدار لمن يدفع، فينِشئ حزباً، ثم يشترى له نواباً بدون قاعدة جماهيرية، ويصير النواب فيه موظفين تحت الطلب، لا يجوز لهم أن يتكلموا أو يتحدثوا إلا بما يمليه عليه، بعد أن تم شراؤهم بالمال، وتهديدهم بالشيكات أو الاستقالة..!