د. رشا سمير تكتب: نشارككم الأفراح ونشاطركم الأتراح
يقول رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم): ((مَثَلُ المؤمنين فى تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم، مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو، تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى)).
وتداعى هنا بمعنى.. تأثر وشارك وآزر وتماسك.
ومن هذا المنطلق..وحيث أن الدول العربية بأسرها اليوم أدركت أن عدوها واحد وصديقها واحد وماضيها واحد بل والأهم أن مستقبلنا واحد..كان من المنطقى والبديهى أن تتكاتف المنطقة العربية كلها من أجل درء الإرهاب عن أراضيها ومنع مخطط التقسيم الذى تتبناه الدول العظمى.
من منطلق المشاركة.. قرأنا على سبيل المثال منذ شهور خبر إعلان سفير دولة الكويت لدى المملكة العربية السعودية عن إلغاء سفارة دولة الكويت فى الرياض وقنصليتها العامة بجدة فعاليات الاحتفال باليوم الوطنى، تعبيرًا عن مشاطرة الدولة لقيادة المملكة والأسرة المالكة والشعب السعودى مشاعر الحزن والألم لفقد القائد ووالد الجميع الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود (رحمه الله).. الرجل الذى له مواقف تحتم على الجميع الاعتراف بجميله والانحناء لوطنيته ورجولته ودعمه الذى لم ينقطع يوما لمصر ولكل الدول العربية الشقيقة.
ولو نظرنا من نفس الزاوية وبعيدا عن قيمة المتوفى أو عظمة مكانه، فقد أعلنت بالمثل السفارة المكسيكية بالقاهرة منذ أسابيع قليلة، إلغاء احتفالها بالعيد القومى للدولة نظرًا للحادث الأليم الذى راح ضحيته 12 سائحًا مكسيكياً وإصابة 10 آخرين بينهم مصريون..
إذن لم تتوقف المكسيك عند عدد المتوفين ولا قيمتهم لدى الدولة، فالواحد مثل الألف والغفير بمقام السفير.. ولكنها انحازت لفكرة احترام مشاعر البشر.. فالحزن له قدسية تدعوه دون شك ليكون على رأس المشاعر الإنسانية..
ونحن من واقع مصريتنا الشديدة وشهامة شعبنا تعلمنا أن الجدعنة هى المشاركة فى العزاء وليس فقط فى الهناء..
والدليل أنه فى أى سرادق عزاء فى المناطق الشعبية لا تجد الحاضرين من أهل المتوفى وأصدقائه فقط، بل وأهل الحى الذين لا يعرفونه وأهل المنطقة الذين سمعوا بالعزاء فسعوا وراء ثواب الحضور..هذه هى مصر بأبنائها وشعبها الأصيل..
وهنا يجب أن أعتب على سفارة دولة السعودية بالقاهرة بشأن إعلان نُشر فى جريدة الأهرام تدعو فيه السفارة كل المواطنين الموجودين بالقاهرة لحضور حفل اليوم الوطنى فى 29سبتمبر الماضى!..
خبر استوقف الكثيرين وأساء استياء الأكثرية وأنا منهم..فنحن لم نقرأ إعلانا مماثلا ينعى الحجاج المصريين الذين لاقوا حتفهم فى الأراضى المباركة..
وأعتب أيضا على مشاركة بعض السياسيين المصريين والفنانين الذى لهم قدر من الاحترام لدى المواطن المصرى لحضورهم الحفل..
أى حفل وأى احتفال يا سادة فى وجود 124 متوفى يحمل الجنسية المصرية فى حادث تدافع منى الذى وإن كان قضاء وقدرا فهو مازال مصيبة توجب الحزن والألم وطبعا المشاركة وعلى الأقل إلغاء الحفل!..
فكيف إذن تقرر السفارة السعودية فى القاهرة الاحتفال ضاربة عرض الحائط بمشاعر أسر المتوفين وأهل القاهرة جميعا.. فالحادث مفجع ومنظر الجثث مرعب ومازال البحث جاريا عن المفقودين..
إنها سقطة من السيد السفير الذى لم تقصر دولته المحترمة فى تقديم كل ما لديها من إمكانيات للمتوفين وأسرهم..وسط إشادة بعثة الحج المصرية بدورهم المحترم..
إنها سقطة من سفير دولة قدمت لمصر وقت محنتها الكثير وفى المقابل وقف جيش مصر القوى مع قوات التحالف العربية حاميا ومؤازرا ومدافعا عن حدود الأمة العربية كلها بكل بسالة..
ثم تأتى دعوة القرضاوى لحضور العيد الوطنى للمملكة السعودية فى قطر وكأنها مطرقة هبطت على رؤوسنا..ضربة موجعة جعلتنا نتساءل: هل هى أيضا سقطة أم إنه تحول فى سياسة دولة لها مكانتها واحترامها فى قلوبنا؟..
أتمنى أن يدرك كل مسئول فى موقعه أن تحركاته وأفعاله الفردية قادرة على تحويل دفة العلاقات وتوريط دولته فى حرج لا تُحسد عليه.. أتمنى أن يخرج سفير السعودية بتبرير أو ببيان اعتذار.. لأنه كما نسميه فى مصر (حق عرب) لنا لديهم..
الاستياء واقع.. والعتاب واجب.. والحفاظ على مشاعر الأشقاء أصبح مهمة وطنية فى ظروف صعبة يعيشها الوطن العربى..
إنهم يتمنون لو أعلنوا وفاة العرب.. وأخشى أن يُكتب إعلان الوفاة بأيدينا نحن..