حسين معوض يكتب: السهم فى البورصة بـ«جنيه ونص».. العرض سارٍ حتى انتهاء المؤامرة
«اشترى الأسهم الآن.. احتفظ بها 6 أشهر.. تكسب أكثر من المخدرات»
جنيه فى 9 أيام ■ شاب احتفظ بـ4 آلاف سهم لمدة عام فارتفع سعرها من 16 ألفًا إلى 640 ألف جنيه
البورصة ليست كائنًا خرافيًا غامضًا.. يغضب بدون سبب فيقتل أصدقاءه وأعداءه.. وهى ليست العنقاء التى تبعث من الرماد بعد أن تحترق.. البورصة كائن عاقل، أكثر عقلا وحكمة من قدرتنا على التصور، بل هى لب العقل الذى يحكمنا.
ماذا دفع بالماكينة إلى حالة السكر البين الذى افقدها اتزانها وجعلها تتمايل تاركة ضحايا فى كل مكان؟!
لقد خسرت فى 9 أيام أكثر من 70 مليار جنيه، فقدت معظم الأسهم من 50 إلى 70% من قيمتها.. تحولت البورصة فجأة إلى سوق شعبى كل أسهمه بـ«جنيه ونص» لا فرق فيه بين شركة عملاقة عابرة للقارات وشركة وهمية للمضاربات والمؤامرات.
لم تكن خسائر البورصة مجرد صدى صوت لأحداث اقتصادية جسيمة، ولا لأزمات مالية حادة، ولا حتى ناتجة عن نقاشات سياسية عقيمة.. لقد واصلت البورصة الانهيار طوال 6 أشهر، تخسر قيمتها وأهميتها ودورها نقطة نقطة، لتصل بحد الخسائر إلى 130 مليار جنيه فى 6 أشهر!
الإصرار على الخسارة يعنى أن هناك أسرارًا محرمة فى الكواليس.. وكل التفسيرات قابلة للتصديق، مرة نسمع عن رجال أعمال محسوبين على تيارات سياسية يتلاعبون بالأسواق من باب عقاب النظام، ومرة نسمع مؤسسات تملكها الدولة تعاقب رجال الأعمال على عدم مشاركتهم فى المشروعات القومية، وسمعنا عن الخوف من غضب الدولة مثلما حدث مع صفوان ثابت صاحب جهينة والتحفظ على أمواله واتهامه بدعم الإخوان، ورجال أعمال آخرين طالتهم نار الغضب.
أصحاب النوايا الحسنة يحللون ويبررون الانهيارات المتوالية بعمق وعى المستثمرين فى البورصة المصرية وتنبؤهم وحدهم دون بورصات العالم بالأزمة المالية العالمية القادمة، ومن باب المصادفة أن بورصات العالم لم تستجب لبوادر الأزمة المالية العالمية سوى يوم الاثنين الماضى، وهو نفس اليوم الذى توقفت فيه حالة الصرع التى انتابت البورصة وبدأت تستعيد رشدها ووعيها وعادت مؤشراتها للارتفاع!!
بالطبع هناك أزمة عالمية أبطالها الصين وأمريكا ودول الاتحاد الأوروبى وروسيا، أزمة فى أسعار البترول تدفع ثمنها روسيا، وأزمة خفض سعر العملة الصينية يدفع ثمنها العالم كله وعلى رأسه أمريكا، وأزمة ركود وتباطؤ نمو فى أوروبا ومعظم الاقتصاديات العالمية.
كلما وصلت الأزمة إلى الأسواق العالمية تراجع تأثيرها على البورصة المصرية.. فى فصام غير مبرر ولا مفهوم.. يوم الاثنين الماضى أوقفت إدارة البورصة التعامل على أسهم 19 شركة بسبب تجاوزها نسبة الارتفاع والانخفاض المسموح بها خلال الجلسة وهى 5%.. وفى اليوم التالى عادت البورصة الى تحسن تدريجى، وإن توقع الخبراء أن تكون موجة الصعود خادعة.
لا نملك تفسيرًا مقنعًا لما يحدث فى البورصة.. وكل التسريبات المتناقضة قابلة للتصديق، لكن المؤكد أن البورصة الآن سوق استثمار حقيقى لأصحاب الفوائض القليلة من المدخرات، هبطت الأسهم الى ثلث قيمتها العادلة، وعادة تتداول الأسهم فى السوق بأضعاف قيمتها العادلة، ما يعنى أن الاستثمار فى البورصة الآن أكثر ربحا من المخدرات ومن الدواء ومن كل الاستثمارات السوداء والبيضاء فى العالم.
من يملك جرأة دخول السوق الآن والأسهم فى أدنى مستوياتها مرشح ليحقق أقصى مستوى من الأرباح، وهى نظرية تقليدية يسمعها المصريون من الخبراء ليل نهار، لكن للأسف فى النهاية لا يشترى صغار المستثمرين الأسهم إلا عندما ترتفع أسعار الأسهم بشكل جنونى، لذلك أصبح الضحايا التقليديون فى البورصة هم صغار المستثمرين.
الإقدام على الشراء الآن، ليس فقط إنقاذا للسوق، بل هو عقاب قوى للمتلاعبين الذين يراهنون على نقطة ضعف أصحاب المدخرات البسيطة وهى عدم قدرتهم على المغامرة والرهان على المستقبل..
بالطبع نملك القدرة على الرهان وعلى إنقاذ البورصة.. لكن الذين تعودوا على التقطيع من لحم البقرة لن يسمحوا لنا بتذوق حليبها.. لم يراهن المدير على أحلام شاب يعمل فى شركته، والواقعة ليست نكتة ولا خيالاً، لكنها قصة حقيقية عاش جزءًا من فصولها صديقنا الصحفى الاقتصادى بوكالة أنباء الشرق الأوسط محسن محمود.. يقول محسن إن احد أصدقائه تقدم لخطبة ابنة مديره فى شركة السمسرة، وخلال لقاء التعارف عرض الشاب أن يكتب 4 آلاف سهم فى شركة الكابلات لخطيبته «مؤخر صداق».. كان ثمن السهم وقتها 4 جنيهات، رفض «البورصجى» الكبير هذا العرض وحوله إلى مادة للسخرية من الخطيب الشاب.
كان ذلك عام 2007 .. وفشلت الخطبة، قرر الشاب الاحتفاظ بالأسهم بعيدا عن تعاملاته بيعا وشراء، وبعد عام واحد ارتفعت قيمة السهم من 4 جنيهات الى 160 جنيهًا، لترتفع قيمة الـ 4 آلاف سهم من 16 ألف جنيه إلى 640 ألف جنيه.. خسر المدير منح ابنته فرصة الزواج من شاب طموح، لرفضه وضع الشاب البسيط فى خانة الأغنياء، أصبحت مدخراته من الأسهم تساوى ثروة.
الآن نراهن على المستقبل، لن نقبل بالكوميديا السوداء التى تجرى فصولها فى سوق المال.. لن نصدق أن افتتاح قناة السويس الجديدة كان سببا فى تراجع السوق.. لن نصدق أن التحفظ على أموال رجل أعمال واحد يدفع السوق لخسارة 70 مليار جنيه فى أسبوع، حتى إن كان الرجل بريئًا.. لن نصدق الذين نهبوا والذين ساعدوهم على النهب.