"أرزاق" لم يرحمها الأهل والزمان.. عاشت في الشارع وانتهكها "كلاب السكك"
تجلس وحيدة على أحد الأرصفة بمنطقة الهرم، في صمت شديد تتمعن بعينها "المُصفاة" في عشرة جنيهات قام أحد المارة بإعطائها لها وكأنها لا تعرف ما الشيء الذي في يدها أو تراه، وكانت ترتسم على وجهها علامات الغضب والتعجب وأحياناً نُفاجأ بأنها تبصق من فمها وتتفوه بألفاظ بذيئة كأنها تتحدث مع أحد يجلس إلى جانبها وتعنفه.
ترتدي جلباباً "بُني" متسخ، لا يختلف كثيرا عن جسدها "المنهك"، وتضع على رأسها شالاً لتغطي به شعرها القصير، وقدمها الجريح "الحافي" بالكاد يحملها إلى حيث تتوجه كل يوم.
"أرزاق" السيدة التي اتخذت من الرصيف مأوىً لها، ولكن من يمرون حولها لم يرحموها كما لم يرحمها أهلها ولا الزمان، التقت بها "الفجر تي في" لتروي قصتها، والتعرف على الأسباب التي جعلتها تسكن الرصيف.
في البداية عندما اقتربنا منها لسؤالها من هي وما الذي وصل بها إلى هذا الحال قالت: "انتوا جايين تساعدوني ليه هما كده كده هياخدوا الفلوس والأكل مني"، موضحة أن بعض المواطنين يساعدونها ويعطوها الأموال والطعام ولكنه يسرق منها ليلاً؛ لأنها فاقدة للبصر.
وأضافت وهي في غضب شديد: "أنا من ساعة ما طلعت الدنيا وهي مقفولة في وشي .. أخواتي أخدوا شقة ولما كنت بأروح البيت كانوا بينيموني على السلم".
وقالت عن حالها وهي حزينة: "عينيا وجعاني وشعري ما كانش منكوش كده .. الدنيا اتشقلبت حواليا".
وبسؤالها عن أهلها وزوجها وبعض التفاصيل الخاصة بحياتها قبل أن تعيش بالشارع، فقالت إنها لا تعلم مكان أخواتها، وإنها تقوم بشراء الطعام لنفسها، وتنام ليلاً أمام أحد المحلات في الشارع.
لم تكن "أرزاق" تعلم ما تقول فأحياناً تروي عن قصتها الحقيقية، وأحياناً أخرى كأنها تذهب إلى عالم أخر تتحدث فيه عن شخصيات غير معروفة ولكنها موجودة في الحقيقة لا يعلم سرها سواها.
ولفك هذه الشفرات والتعرف على الأسرار الموجودة في حياة "أرزاق"، تحدثنا مع الماره ممن يعرفونها جيداً، فكان بعضهم يرفض أن نصورها ونتحدث معها بحجة أننا نستغلها، والبعض الآخر أوضح لنا كل الأمور التي تتعلق بها، مثل احدى السيدات التي أكدت أنها تعرفها جيداً، فقالت إنها كانت بيضاء وشعرها طويل وتمتلك ملامح جميلة، لافتة إلى أنها كانت متزوجة ولديها ولدين وبنتين وتعيش حياة هادئة، حتى فقدت بناتها في حادث سيارة مما أثر عليها نفسياً وتسبب لها فيما يشبه بحالة انفصام بالشخصية.
وكانت "أرزاق"عندما تحكي قصتها تدرك أنها تحكي قصة شخصية أخرى وليست شخصيتها وعند سؤالها عن قصتها هي تقول: "أنا معرفش أنا مين أنا هكلمكوا عن أرزاق".
وأضافت السيدة، أن السبب وراء فقدان "أرزاق" لبصرها هو زوجها الذي قام بتصفية عينها بعد أن اختلفت معه وتشاجر معها، وبالنسبة للجرح الكبير في قدمها الذي كان يغطيه الذباب، أوضحت أيضاً أنه كان بسبب حادث سير تعرضت له حينما صدمتها احدى السيدات بسيارتها، وأن الجرح تعمق لعدم الاهتمام به.
وكشفت هذه السيدة لنا وبتأكيد بعض المواطنين الذين كانوا يحيطون بنا أيضاً، أن "أرزاق" تتعرض لمحاولات الاغتصاب والتحرش كل ليلة على الرغم من حالتها من بعض الشباب بالمنطقة، موضحة أن الشباب الذين يتعاطون المخدرات يتحرشون بها ويسرقون منها الأموال التي يساعدونها بها الماره، مشيرة إلى أن الذين رفضوا تصويرنا لها ومساعدتها حتى تجد مكاناً لتعيش فيه هم المستفيدين من وجودها بالشارع ويرتكبون في حقها ذلك.
"اغتصاب، استغلال، عنف أسري ومجتمعي، إهمال من المسئولين" جميعها سلبيات تجسدت في حالة "أرزاق" ضحية المجتمع التي تُعد مثالاً لكثيرين ممن اتخذوا الرصيف موطناً لهم.