د. أحمد يونس يكتب: مــصــر بقـــالها ســنتيـن مـا خرجتش مـــن الحمام
لا يحتاج الواحد إلى الكثير من الذكاء، ليدرك أنه بقدر ما يكون حـجم القذارة التى تتسلل إلى ما وراء مسام الجلد، لتتراكم هناك مع مرور الزمن طبقـة فوق أخرى، تطول أو تقسو أو تتعقد الحمومة. أحياناً لا يكفى الماء المغلى أو صابون الميزان القـديم المـعروف بأنه أقوى تأثيراً مــن البـوتاس أو الفـيم بتـاع جــلى المواعين. ليفة خشنة تمتد من السد العالى حتى مكتبة الإسكندرية، فضلاً عن كام فـــرخ صنفرة. بالإضافة طبعاً إلى أطــنان من المضادات الحيوية المركزة، لزوم مقاومة الفيروسات الخطيرة التى تحوصلت فى ســائر أنسجة البلد. مــصــر فى 30 يونيو، لم تكن تثور فقط. مــصــر دخـلت الحمام. ولم تخرج حتى هذه اللحظة.
حلمت بالتخلص من الأوحال الكثيرة التى تكدست فى جميع الأعضاء أو الأطراف أو الحواس من مخـتلف العهود. ملامحها كادت تختفى تحت شبكة البكتيريا التى توالدت من أعلى الجبهة حتى طابع الحســن. حلمت بالتطهر من الدنس الذى لحق بها على مدى 365 يوماً، أسود من تاريخها كـله منذ مينا موحد القطرين. مــصــر من يومــهــا بتستحما من الأفكار التى اجترها الإخوان، أو مستخرجات الإخوان، على وزن مستخــرجات الألبان، من صفائح قمامة العصور الهمجية، كاضطهاد المرأة أو الأقباط أو كـــل مـن لا ينتمى إلى الجماعة وخلاص. مــصــر من يومــهــا بتستحما من المتاجرة بالدين وفجعــنة التســلط والمــال، بالإضافة إلى الهوس بالتعذيب والتعطش الهستيرى إلى الدم. مــصــر من يومــهــا بتستحما من الدستور اللقيط الذى أنجبوه فى الحرام تحت بير السلم. مــصــر لسـه بتستحما من الأكاذيب التى ظلوا يرددونها حتى الملل.
وعلى مـــصـر أيضاً أن تستحم من إحدى أفــظع الخــرافات التى تروج لها عصابات القتلة بكل الوسائل، هى تلك التى مؤداها أنـنـا جميعاً مصريون: القتلة والقتلى، وأننا فى مــركــب واحدة. كيف لا نرى الفرق بين المصرى وحامل الجنسية. طبعاً كلنا مصريون، بموجب جوازات السفر ليس إلا. كيف يكون مصرياً مـن يؤكد أنه لا وطن فى الدين، كما أفتى حسن البنا؟ هل يستحق أن نسميه مصرياً مـن يضخ سمومه قائلاً: الوطن ما هو إلا حفنة نجسة من التراب، كما أخذ سيد قطب يردد؟ الثابت هو أننا لسنا فى مــركــب واحدة. إحنا فى مــركــب تانية. مـش ممكن نركب مع القاتل واللص والسفاح والديكتاتور ومصاصى الدماء نفس المــركــب، ولا حنسمح ليهم يركبوا معانا. ثورة 30 يونيو عملت مركبها الخاص. إحنا سكتنا مـش واحدة. مــركــب 30 يونيو رايحة المستقبل، ومركبهم مالهاش إلا طريق واحد أخير: الاسترخاء على ظهورهم كالبغال التى خرجت من الخدمة فى خرابات التاريخ.
عام الإخوان الأسود يؤكد أن الزبالين ليسوا أقــل أهميةً من المرشد وجماعته ومرسيه. ليسوا أقـل أهميةً فى الحقيقة من كـــل أعــضاء جماعة الإخوان. بدليل أنهم بربطة المعلم، لو نظموا إضراباً يستمر عشرين عـاماً بأكملها، فلن يطالبهم أحـد إلا بالاستمرار فيه إلى الأبد. أشـهـر صــنـاع المــوضة الباريســية من أمثال كارتييه أو كريستيان ديور، لا يمتلكون من أسلحة الضغط على الحكومة الفرنسية ما لنقابة الزبالين المسموعة الكــلمة حتى داخـل قصر الإليزيه. إما الاستجابة لمطالبهم أو الكوليرا والطاعون. مـن قال إن الزبــالـة هى فقط تلك التى تخرق العين على النواصى أو داخـل حتى المستشفيات؟ نحن محاصرون بـالزبـالة من كـــل اتجاه. طوال النهــار نتنقل من مزبلة إلى أخرى. أطفالنا يذهبون كـل صــباح إلى المدارس الزبالة، ليتلقوا التعـليم الـزبــالـة. الناس أصبحوا يتصارعون مع القطط والكلاب على محتويات صفائح الزبالة. تطاردنا الوجوه الـزبــالـة من الفضائيات الزبالة. لا لشــيء إلا لأننا عشنا- بالصدفة- فى هذه الأيام الـزبــالـة.
سيأتى يـوم قريب نتذكر فيه كـل هذا بقرف. لابد أن يأتى.