عبدالحفيظ سعد يكتب: لعبة «حراس الهيكل» لإنقاذ الإخوان من التفكك تحت زعم المصالحة
تحريض «ندا» من سويسرا وتحركات «الغنوشى» فى الخليج
■ عقب فقدان حزب أردوغان الأغلبية بدأ التنظيم فى التفكير فى «وكر» آمن فى حال طردهم من تركيا
■ صراعات على قيادة التنظيم وتوجه لعمليات إرهابية دفعت كهنة الجماعة فى البحث عن المصالحة
الأسبوع الماضى كان حافلاً، بالأحداث والتصريحات المرتبطة بالتنظيم الدولى للإخوان والتى تزامنت مع نتائج الانتخابات التركية وفشل حزب العدالة والتنمية فى الحصول على الأغلبية لتعطى مؤشراً على بداية لانكسار رجب أردوغان، مما يهدد وضع المجموعات الإخوانية الهاربة من مصر التى اتخذت من تركيا «وكراً» لها. ويضاف لذلك تحول نوعى فى العمليات الإرهابية تنفذها عناصر من الإخوان، بعد عملية محاولة تفجير الانتحارى لمعبد الكرنك فى الأقصر.
وتشير معلومات التحقيق الأولية إلى أن عناصر من التنظيم الإخوانى هى المنفذة لهذه الحادثة، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل شبت الخلافات والصراعات بين قيادات على قيادة التنظيم وتنازع على من يقود الجماعة، والتى وصلت لحد إرشاد الإخوان عن بعضهم البعض مما نتج عنه القبض على ثلاثة من أعضاء مكتب الإرشاد وهم محمد طه وهدان، وتبعه محمود غزلان وعبد الرحمن البر.
لذلك لا يمكن عزل التحركات التى قام بها قيادات الإخوان خارج مصر، سواء من يوسف ندا مفوض العلاقات الخارجية السابق للتنظيم الدولى، وراشد الغنوشى زعيم حركة النهضة التونسية، عن التحول فى العنف والإرهاب من قبل عناصر الإخوان، ومعه نتائج الانتخابات التركية، خشية أن يحدث تحول فى الموقف التركى من الإخوان فى حالة عدم تمكن حزب أردوغان من تشكيل الحكومة ودخوله فى مساومات مع المعارضة العلمانية، يمكن أن ينتج عنها إذابة الجليد السياسى فى العلاقات مع مصر، خاصة أن وجود المجموعات الإخوانية باتت تشكل خطرا على تركيا، نتيجة تدعيمها وتوجيهها للإرهاب فى مصر.
ومن هنا جاءت التحركات الإخوانية التى بدأت تتحدث عن مصالحة أو السعى لفتح قنوات حوار مع النظام المصرى، واتخذت تحركات الإخوان محورين، الأول كان أكثر مرونة وتمثل فيما قام به، راشد الغنوشى زعيم حزب النهضة التونسى، والذى قام بزيارة إلى السعودية وصدرت منه تصريحات تدعو للمصالحة ووقف العنف الذى يقوم به الإخوان، ولذلك سعى الغنوشى إلى محاولة تحفيز الرياض أن تتبنى المصالحة بين مصر والإخوان، خاصة أن هناك عدة رسائل عبر عدة أشخاص ذوى صلات بالسعودية، مثل جمال خاشفجى والذى تروج كتاباته فى الفترة الأخيرة بالهجوم على الإعلام المصرى بسبب موقفه من الإخوان، وكذلك التصريحات الأخيرة للواء أنور عشقى لموقع «دنيا الوطن» الفلسطينى والذى يوصف بأنه مقرب من دوائر الحكم فى السعودية، وتحدث فيها عن عدم وجود أزمات بين السعودية والإخوان الذين لا يتبنون العنف، وهو ما اقترن بما تردد بسعى المملكة بعد صعود الملك سلمان للحكم بضرورة العمل على المصالحة مع الإخوان.
وبدأ من هنا تحرك الإخوان، والذى تمثل فى الزيارة التى قام بها الغنوشى للسعودية والتى سبقتها تصريحات إيجابية تجاه مصر، وتكراره بالاعتراف بالخطأ الذى وقع فيه التنظيم، وخاصة توجه التنظيم للعنف والإرهاب.
ونجد أن توجه الغنوشى للسعودية، ما هو إلا محاولة للسعى لإيجاد «وكر» آخر للتنظيم يلجئون إليه فى حالة طردهم من تركيا، ومحاولة تحفيز قادة السعودية لاستبعاد الإخوان من لائحة التنظيمات الإرهابية التى أعلنتها المملكة، بعد ثورة 30 يونيو. ويهدف الإخوان من وراء ذلك تخفيف الضغوط السعودية على الإخوان، وذلك بهدف إمكانية أن يعاد تصدير الإخوان مرة أخرى لقطر، بعد أن تم استبعادهم عددا من قادتها من الدوحة بعد ضغوط دول مجلس التعاون الخليجى.
ولكن الغنوشى يسعى من خلال زيارته لأكثر من ذلك، والعمل على أن تقوم السعودية بدور الوساطة، ومحاولة إدخال شخصيات ذات صفة دولية مثل الأخضر الإبراهيمى المبعوث الأممى ليدخل فى الوساطة، خاصة أن المملكة، سعت فى الوساطة عقب صعود السيسى لرئاسة الجمهورية، ومحاولة القيام بمصالحة، لكن رفض الإخوان وقتها المقترحات السعودية التى نقلت لهم عبر وسطاء من المحامين الذين يدافعون عنهم وعلى رأسهم منتصر الزيات، أدت لوقف المفاوضات.
لكن نتيجة انحسار التنظيم وفشل محاولاته فى التصعيد واكتساب النظام مزيدا من الشرعية الدولية، بالإضافة إلى زيادة الغضب الشعبى على الإخوان، أدى لتفكك التنظيم فى داخل مصر وتحوله للعنف والإرهاب، ما دفع الإخوان لمحاولة فتح محاولات أخرى.
لكن الإخوان كعادتهم، باستخدام لعبة «تقسيم الأدوار»، أو الحمائم والصقور، فبينما خرج الغنوشى فى خطاب مرن، خرج يوسف ندا صاحب السطوة المالية فى التنظيم، والمفوض السابق للعلاقات الدولية للتنظيم، فى رسالة بثها عبر وكالة أنباء الأناضول التابعة للحكومة التركية، يفتح فيها سكة للحوار مع النظام المصرى، ولكن بشكل أكثر عنفا، وتحريضا، ولكنها حملت تغييرا فى الخطاب الرسمى من الإخوان، خاصة أن ندا تعمد فى رسالته أن يضفى عليها الرسمية، بل إنه عقب ببعض التصريحات قال إنها جاءت بناء على طلب من أصحابها الذين لم يسمهم، لكن طبقا للمعلومات من عناصر تنظيم الإخوان، فإن ندا قبل أن يوجه رسالته التقى بعدد من قيادات التنظيم الدولى للإخوان فى المنتجع الذى يعيش فيه على الحدود السويسرية الإيطالية، وناقشها فيها قبل أن يطلقها، وهو ما جعله يخرج بالدفاع عن نفسه بعدها، بعد هجوم قواعد التنظيم ضده، ليؤكد أنه حامل للرسالة وليس مقترحها، وأن سياق الرسالة فهم بالخطأ.
ولذلك لا يمكن أن نتغافل بين تزامن رسالة «ندا» وتحركات «الغنوشى»، وما يمثلانه من أنهما يعدان من أبرز خمسة أسماء داخل تنظيم الإخوان يلعبوا دور «حراس الهيكل» للتنظيم، وهى فكرة مشتقة من دراما التنظيمات الماسونية، التى يتشابه الإخوان فى تحركهم بها.
ونجد أن مجموعة «حراس الهيكل» فى الإخوان، على رأسها يوسف ندا وإبراهيم منير الأمين العام للتنظيم الدولى وراشد الغنوشى ويوسف القرضاوى، والمستشار فتحى لاشين، والذى ظهر اسمه قبل ثورة 25 يناير فى بداية عام 2010، عندما اشتدت الخلافات فى الإخوان، أثناء الانتخابات بين أعضاء مكتب الإرشاد والتى تمت الإطاحة فيها بمحمد حبيب وعبدالمنعم أبوالفتوح ولعب لاشين وقتها دور الحكم وكان له الكلمة العليا فيها بعد أن شكك حبيب وأبو الفتوح فى وجود تزوير فيها.
ولذلك لا يظهر دور «حراس الهيكل» إلا فى وقت الأزمات التى تهدد بقاء التنظيم، لذلك تكون له الكلمة النهائية لهم فى التنظيم. ونجد أن بالفعل تحركات قادة الإخوان تأتى بعد أن أصبح واقع تحلل التنظيم ملموساً خاصة بعد أن ضربت الصراعات التى تفجرت داخل الإخوان على القيادة فى الفترة الأخيرة وصراعات على من يتولى القيادة سواء القيادات التاريخية أو مجموعة الشباب، ووصول الإخوان لحالة تحلل وبداية تفكك التنظيم داخل مصر، وانضمام مجموعات كبيرة منه لتنظيمات إرهابية، بل وتورطه بشكل مباشر فى عمليات إرهابية لا تقتصر على استهداف ضباط الجيش والشرطة، بل تنفيذ عمليات نوعية مثل استهداف السياحة، كما حدث فى عملية معبد الكرنك الأخيرة والتى تشير التحقيقات الأولية إلى أن من قام بتنفيذها عناصر تابعة للإخوان.
مما يعنى أن تحركات قادة الإخوان الأخيرة، تأتى نتيجة شعور لدى كهنة التنظيم، بأنه وصل لمرحلة اضمحلال وبدأت عوامل التفكك الداخلية تضرب فى جذوره، وليس كما يدعى الغنوشى أو ندا بأنها من أجل وقف العنف أو بغية المصالح فى مصر، التى لا تعنيهم أو يربط تنظيمهم بها أى انتماء سوى مصلحته، وتحقيق هدفه فى التحكم فى مقدراته.