فضائيات اللحى المحتلة بالبراغيث
الغباء من الأمراض المعدية. التجربة هى التى علمتنى أن أتجنب النقاش مع الأغبياء، عملاً بالحكمة القائلة: الوقاية خير من العلاج. فلا يوجد فى الواقــع ما هو أدعى إلى الشعــور بالملل من أن تضطرنا الظروف أحياناً إلى تـكــرار شــرح البديهيات، كأنما نحن مطالبون باختراع العجلة من جــديد كـل ثـلاث دقائق. وعلى الذين يمكن أن يتساءلوا: أمازال فى الدنيا مـن يتجادلون حول أنصع الحقائق العلمــية إلى الآن؟ على هؤلاء أجيب: أنا على المستوى الشخصى تقـابلت مراراً فــى أمـاكن متفرقــة من الوطن العربى مع أشخــاص يرددون بالصوت الحيانى أن كـل هذا ليس سوى سخافــات من تلك التى يستهدفنا بها علماء الغرب الكفرة الذين لا هـم لهـم سوى تـدمــير أمة الإسلام. أغلب المؤشــرات تؤكد أن هؤلاء حالياً يتقافزون إلى السطح، كالعقارب التى تحاول النجاة من جردل ماء، ليعبروا عن هذه النوعية من الخرافات.
الأرض كــرويـة غـصـبٍ عن عــيـن تاجر السمك الحـمــار فــى السـكــرتير الفــنى لفؤاد المهندس، أو مـن يضاهيه أو يتفوق عليه فى الحـمــوريـة، أياً ما كان المـوقـع الذى يبرك عليه. وعلى الرغم من أن رواد الفـضاء الذين شاهدوهاـ منذ ما يقرب من سبعين عـاماًـ من خـــارج الغـلاف الجوي، أكدوا بالصور الملتقطة أنها من حيث الشكــل أقـرب ما تكون إلى حـبة الكـمثرى، فإنها تظل كـــرويـة على نحـو ما. كـرويـة بمعنى أن الـواحـد إذا سار فى خــط مستقيم، فلا بد أن يعود يوماً إلى نقـطــة البداية.
هكذا هى الأرض. كــرويـة غـصـبٍ عن عــيـن كـــل مـن يطلقون الفتاوى من على مساطب الغباء والأكلان أو فضائيات اللحى المحتلة بالبراغيث.
أما التاريخ، فليس كروياً كالأرض، بالعــند فــى مـن لا يرون المستقبل إلا كصــورةٍ بالكربون مما كان. التاريخ ليس كروياً غـصـبٍ عن عــيـن مـن تخيلوا أن الديمقراطية ما هى إلا نـوع من النيو لوك. أنـف أخرى غـيـر المناخــير القــديمة التى لا تعجب المزز. أسـلوب مبتكـر فى تــرك اللحية شعثاء على طبيعتها كالنباتات الشيطانية، أو فى التطلع بأسى مصــطنع إلى الفقراء مع التنهيدة المنصوص عليها فى لوائح الجماعة أو التنظيم الإرهابي، بينما هم يرددون: ربنا يتولاهــم برحمته! طريقة مختلفة فى التلاعب بالأحبال الصوتية أو بملامح الوجه أو التلويح بالذراعين أو الأصابع لزوم التأثير فى المتلقي، كأئمة المساجد أو الممثلين. ليس كروياً بالعــند فيمـن تخيلوا أن الديمقراطية تتركز فى كيفية الـحــديث بتطــرف عن الاعتدال. التاريـخ ليس كروياً غــصـبٍ عن عـــين القــتلة الإرهابيين الذين يريدون أن يلقوا بالبلاد فى غياهب القرون الوسطى. كلهم يتوحمون كمريضات الحمل الكاذب على التقهقر إلى الخلف. يتوحمون على إنجاب طــفل يشبه زمناً ولى إلى الأبد.
نظرة خاطفة إلى الساحة السياسية فى مِصر الآن، تكفى لندرك أن كهنة معظم الأحزاب أو التنظــيمات المطروحة، علناً أو فى السر، يتعرضون إلى الجرجرة نحو الغــد مجذوبين من قفاهم،بينما هم لا يرفعون أعينهم عن حقبةٍ ما أصبحت فى ذمــة التاريخ. البعض يراهنون على أن العودة إلى العادات أو التقاليد أو الأعراف الاجتماعية التى سادت فى الماضى السحــيق هى الحــل. هل يكفى لكى نحرر القدس أن نواظب على تناول الأطعمة التى كانت شـائعــة فــى زمـــن صلاح الدين الأيوبى؟ كل المنكفئين على الذات تكورياً يتطلعون بحسرة إلى الوراء. كلهم يحلمون بالعودة إلى العصر الذهبى الذى أسهموا هم فى نسج أسطورته، انطلاقاً من خرافةٍ مـؤداها أن الإنسان لو ظل يسير نحو الماضى فى خــط مستقيم، فإنه لا بد أن يصل يوماً إلى المستقبل. الجغرافيا لا تنفصل عن التاريخ. لكنها ليست التاريخ.
صـعـبة دى؟ يظـهـر كده!