احمد يونس يكتب : العالم السرى خلف ستائر الحرملك المخملية

مقالات الرأي



الغلمان والجوارى ودسائس القصور والخيانات لأقرب الناس، فضلا عن التسلط المنقطع النظير والولع الهيستيرى بإراقة الدماء، كانت هذه هى الهوايات الرسمية لدولة الخلافة العثمانية، إلا من شذ على طريقة الاستثناء الذى يثبت القاعدة، اشتهروا، فيما اشتهروا،بالممارسات الجنسية الخارجة عن المألوف بما فى ذلك ما هو وارد حتى ضمن الكتب السرية فى تراث جميع الشعوب، لكن الحديث عن هذه الأمور كان بالضرورة سريا هو الآخر، تلك كانت ومازالت من المسائل المسكوت عنها: كما هو الحال فى سائر المجتمعات المشابهة، إلى درجة أن الأوراق القليلة التى عثر عليها بعض المؤرخين، سارع الأتراك المحدثون بتوجيه الاتهامات إلى كل من كتبها، قالوا إنهم إما من الروم أو الشيعة أو الأرمن الذين يكرهون الاسلام، أو يمتلئون بالأحقاد على عظمة الامبراطورية إفشاء أسرار ما يجرى خلف ستائر الحرملك المخملية، يظل من الجرائم التى تفضى بالشخص إلى التعذيب حتى الموت.

كانوا من البدو الرحل الذين عاشوا قرونا يجوبون الأراضى التركية، بحثا عن المراعى، أصابتهم تشكيلة الأمراض التى تنتشر فى المجتمعات المغلقة التى بلا وطن، إلى أن جاء شخص لا سقف لطموحه هو عثمان باشا مؤسس الدولة.

واحد من الذين ارتكبوا جريمة الكتابة عن الأمر، كان قبرصيا يدعى: فيروز كان من بين الغلمان الذين أخذوهم ضمن غنائم الحرب ضد قبرص، يقال أنهم ساقوا من الجزيرة عشرات الآلاف من الغلمان بعد اخضاعها، وقد عمل فيروز كخادم بقصر سليمان القانونى، قال إن السلطان اعتاد أن يمارس ما نسميه اليوم بالجنس الجماعى، لم يكونوا من اخترعوه بالطبع الوثائق كلها تشير إلى أن الجنس الجماعى ظهر مع الإنسان، وأن الجنس هو النشاط البشرى الذى تنطبق عليه أكثر من أى مجال آخر المقولة الشهيرة: لاجديد تحت الشمس.

الزوجة المقربة إلى قلب السلطان هى: حوريم، لم تتوقف عن الشكوى لوصيفاتها مرارا من اشتراك جاريتين تمارسان معها السحاق، بينما سليمان القانونى يتفرج، المشهد كان يثيره إلى أبعد الحدود، كذلك يحكى فيروز أنه حاول أن يشارك، بدلا من شاب مفتول العضلات اسمه: طه، يساعد السلطان على أداء مهمته مع حوريم من الخلف، لولا أن سليمان كان شغوفا بالآخر، كما شكت الزوجة الأثيرة عند سليمان من أن السلطان قد يغيب عنها بالأسابيع، نظرا لانشغاله فى الحب مع إبراهيم باشا، ولم يكن فى عاصمة الخلافة من لم يسمع عن إبراهيم باشا الذى نشأ مع السلطان منذ الطفولة، هو فى الأصل غلام يونانى، خطفه الجنود أثناء الحروب الكثيرة التى اندلعت بين الخصمين التاريخيين، راح إبراهيم باشا يترقى على السلم الوظيفى حتى صار كبير الوزراء.

على أن النهايات جاءت غاية فى التراجيدية، أمر السلطان بالتخلص من أعز الناس أمر أولا بقتل صديق العمر إبراهيم باشا، عندما بلغته أخبار تشير إلى أنه على علاقة بذكر آخر، غير أن المصاب الأكبر فى حياته هو عندما أمر بقتل ولى العهد ابنه البكر مصطفى، خوفا من أن يفكر فى الاستيلاء على العرش، احتفظ على فراشه بجثمان أكثر من أحب، إلى أن انتزعوه بأوامر من الصدر الأعظم، الأيام المتبقية له فى الدنيا قضاها فى البكاء عليهما، آلة الدعاية الأردوغانية، مالت على الدوام إلى انكار كل ما هو منسوب تاريخيا إلى الخلافة العثمانية المسماة فى أيامها الأخيرة بالرجل المريض، وعلى هذه الصورة، فإن من الطبيعى أن تكيل إلى فيروز ما لا يخطر على البال من الاتهامات بما فى ذلك أنه أسلم شكليا فقط، وأنه كان جاسوسا لأعداء الخلافة وشاذا جنسيا، لكنها لم تنف شيئا مما حكاه.