نادية صالح تكتب: الخال الأبنودى وغيابه الطاغى
لأن «الخال والد» كما تقول الأمثال تعمق الإحساس بالغياب داخلنا، ولأن هذا الخال منجم من «الألماظ» ومن أندر أنواع الألماظ خرج علينا فى دواوين شعر ومشاعر، كلمات حب ضفرتها موهبة الخال (عبد الرحمن) فى حكاوى وسيرة، ولأنه قطعة نادرة من قلب الصعيد جاءت بها الأيام علينا، ولأنه ولأنه ولأنه.. أصبح الخال الغالى أكثر غلاوة، فالمودة فى كلماته والوطنية فى أشعاره والمصرية فى صوته والصعيدية فى لهجته، أشياء كثيرة يستدعيها اسم وشعر الأبنودى ولذا كان غيابه طاغيا حتى استدعى فينا بعضا من حلاوة عشرتنا وطيبة قلوبنا بعد أن كدنا نفقدها بعد فوضى الثورات.. فكان أن تجمعنا أو على الأصح جمعتنا الأحزان على الخال.
صحيح أن صحتك اعتلت وصحيح أيضا أن الفراق محتوم لكننا ما عهدناك تفاجئنا إلا بحلو الكلمات أو توضيح الأشياء من أجل حبيبتك الأهم وحبيبتنا جميعا مصر.. مصرك ومصرنا.. صعيدك وصعيدنا.
نحن لا نسكن فى كلماتك وأشعارك ياخال بقدر ما تسكننا كلماتك وأشعارك حتى كدنا نقوم وننام على حب بلدنا الذى قلت إنه «ابدا للنهار».. أعطيتنا الأمل مهما غامت السماء واحتجب ضوء الشمس، أهديتنا أحلى سيرة ومسيرة للهلالية و«حراجى» حتى دخلنا بالخيال بيتك هناك فى أبنود قبل أن تستقر ويجبرك المرض على سكن الإسماعيلية.. عرفنا اسم (أمك) فاطمة قنديل أو (قنديلة) كما كتبت عنها قبل رحيلك بقليل، عرفنا (آمنة) امرأة عمك ووصاياها.. كأننا دخلنا بيتك وأكلنا من (وكلك) كما تقولون هناك فى الصعيد عن الأكل أو الطعام، أدخلتنا ببساطة ورقة شعور إلى دنياك حتى اعتليت عرش الشعر بالعامية، أبدعت، وسارت مركب الصعيدى الآتى من أبنود يعلو شراعها ويعلو بمجدافك الحانى والصلب فى ذات الوقت (وهى معادلة لايعرفها إلا أنت) وكما كان حضورك طاغيا أصبح غيابك طاغيا لأنك حملت من الصدق الكثير..
أحببتنا فأحببناك، وللإعلام والإعلاميين كان حظ لقائك موفورا.. وقد أسعدنى كثيرا استحضار كلمات المكالمة الهاتفية بيننا قبل رحيلك وقبل أن يثقل عليك المرض وبعدما اعطتنى السماعة الغالية (نهال).. ثم ضاحكتنى كما هى عادتك واستحسنت كتاباتى وبخفة ظلك امتدت المكالمة قليلا حتى اشفقت على صحتك،وهأنذا استحضر بالذاكرة ليلة قضيتها فى منزلى بصحبة العزيزة زوجتك (نهال) وبحضور الراحلة الغالية جدا صفية المهندس التى تطلق عليها (أم الإذاعيين).
أخيرا وليس آخرا لابد أن تكشف لنا المذكرات والدراسات عن الجانب الآخر للأبنودى فهو أحد ظرفاء العصر ولابد أن يجمع بعضهم ملاطفاته وحواراته التى امتلأ بها مشواره ودائما شاعر الشعراء ومصرى المصريين الطيبين وصعيدى الصعيد الجاد والواعر، الضاحك الباكى..
غيابك طاغٍ ولكن كلماتك تسكننا ونسكنها، تجمل حياتنا وتعمق معانيها.. فى جنة الله العظيم بإذنه ورحمته، والغاليين نهال وآية ونور فى قلوبنا بين الحنايا والضلوع، زوجة وبنات وأحباب الخال عبدالرحمن الأبنودى.