د. رشا سمير تكتب : حُرية العصافير
يقول فيكتور هوجو «تبدأ الحُرية حيث ينتهى الجهل»..
فلو كانت حُرية التعبير هى الحل لبات كل من له لسان حُرا..
ولو كانت الحُرية هى أن نُحلق عاليا فى السماء دون فهم لكانت العصافير هى الكائن الوحيد الذى حقق حُلمه على وجه الكُون..
الحُرية هى مأرب الجميع منذ أمد الدهر.. القيمة التى بحث عنها الرجال والنساء.. الشعوب والأوطان.. الأسود والعصافير..
كانت الحُرية فكرة كتبت مبدأ فرسمت حُلماً فكسرت قيداً فأيقظت أمماً..
واليوم وقعنا فى صراع كلمة الحق التى يُراد بها باطل..
بالأمس حين نصب الإخوان المسلمون أنفسهم مدافعين عن الإسلام فوقفوا أمام الاتحادية بالأسلحة يقاتلون من أجل بقاء رئيسهم جاثما على كرسى الحُكم، تحولوا إلى مجموعة من المغتصبين.. وتحولت دولتهم إلى دولة باطل..
واليوم يقفون مثل القرود فى قفص الاتهام مستهزئين بالقضاء الذى كان يوما قضيتهم، فطالما دافع عنه محمد مرسى مُهللا مؤكدا مُحذرا من إهانته...
فكيف لامرئ أن يخوض نفس المعركة مرتين مرة مدافعا عن الحق ومرة مطالبا برأسه..
ولو كان الشىء بالشىء يُذكر.. فها قد قامت الفضائيات اليوم بالتشدق بحقوق المرأة وحريتها والوقوف معها فى معركتها لخلع الحجاب..
فاستوقفتنى فكرة أن تنقسم الدولة ما بين مؤيد ومعارض فى وقت لا تحتاج فيه الدولة إلى معركة داخلية لأن معاركها الخارجية كفيلة بوأدها..
ولكن لأن تسليط الضوء على الأماكن المُظلمة أصبح أشد خطرا من قسوة الظلام، فقد وجد الإعلام والمواقع الاجتماعية دعوة خلع الحجاب مادة دسمة، وليت الحوار كان مثمرا أو النقاش كان مُحترما.. بل تحولت البرامج إلى اثنين من الضيوف يتبارزان بالسيوف ويتقاذفان بالكلمات الخارجة، فهذا يصف نظيره بالتخلف والآخر يقذفه بتهمة العلمانية!.
الحقيقة أننا فى مصر فقدنا قيمة مهمة جدا وهى قيمة مرتبطة بالمعنى الحقيقى للحرية وهى قيمة (احترام الآخر) بل وانقرضت بيننا فكرة (الإنصات دون هجوم)..
خلع الحجاب ليس المُعضلة.. والدعوة لن تُقدم ولن تؤخر، إن اختلافنا مع الدعوة لا يجعل صاحبها زنديقا ولا يجعل منا ملائكة..
ماذا لو تركنا لأصحاب القضايا حرية التصدى لها؟..
يقول سيدنا على بن أبى طالب: (حين سكت أهل الحق عن الباطل، توهم أهل الباطل أنهم على حق)..
المأساة الوحيدة فى مصر اليوم أننا لم نعد نعرف من هم أهل الحق ولا أين هم أهل الباطل!.
لو كان من حق المجتمع المطالبة بحق المرأة فى خلع الحجاب لكان من حقه مطالبتها بارتدائه..
والحقيقة أن لا المجتمع ولا البشر من حقهم التحكم فيما تريده النساء، دعوهن يتصدين لمعاركهن منفردات.
يوم نزل قاسم أمين مطالبا بحقوق النساء لم تكن لهن وقتها صوت ولا حقوق..
أما اليوم فالمرأة قادرة بأن تصرخ فى وجه المجتمع لأن صوتها لم يعد عورة..
هل يستطيع أحد فى أمريكا أو أوروبا أن يدعو الراهبات لنزع غطاء الرأس لأنه تكبيل لحريتهن؟ وهل يستطيع أحد فى أمريكا المناداة بأن يخلع الحاخامات طاقية الرأس لأن شكلها غير لائق؟.. لا أعتقد..
لماذا تظل المعارك الفارغة من نصيب العرب دائما؟..
لماذا يضعنا الغرب فى أقفاص ويتركنا لنتصارع فى حين يجلس هو فى مقاعد المتفرجين مبتسما مستخفا ولكنه يهرع نحو التقدم وسيادة العالم بالعلم؟..
لماذا تظل صراعات العرب دائما هى صراعات حول المرأة وقهرها وحريتها فى حين أن التعليم والثقافة هما الحل.