حسين معوض يكتب : سقطات هيكل فى «حرب نهاية الخدمة»

مقالات الرأي



■ منع حواراته من الإذاعة فى «CBC» بعد فشل توقعاته للقمة العربية وتأكيده أن العرب لن يستطيعوا اتخاذ قرار بالحرب فى اليمن
 ■ وصف «عاصفة الحزم» بـ «العدوان العربى على اليمن».. وقال إن قوات أمريكية تحارب الحوثيين

فى عالم الفن البقاء للأذكى.. للقادرين على الانسحاب بعيدا عن الأضواء فى الوقت المناسب، يحفظ لهم التاريخ قيمتهم.. ويبقى لهم فى الخيال الشعبى مكانة خاصة.. يستوى فى ذلك الذين اتخذوا قرار الابتعاد عن الأضواء مع الذين رحلوا عن دنيانا "خطفهم الموت"، معادلة خلدها الدهر، فلا تستوى ليلى مراد ومريم فخر الدين، الأولى انسحبت فى الوقت المناسب والثانية استنزفت تاريخها وصورتها التى تعلق بها الحالمون والباحثون عن الجمال.

خطف الموت عبد الحليم حافظ ومارلين مونرو.. مبكرا.. فخلدهم الزمان، وحتى الآن نرسم مستقبلاً مختلفاً لعبد الحليم حافظ وأحمد زكى لو كان الزمان أمهلها بضع سنوات أخرى!!

فى عالم الإبداع أنعم علينا الدهر بسنوات النضج والحكمة، سنوات اطول من أهل الفن، فيها نرى العالم بشكل مختلف ونحلل بعمق وهدوء، لكن ذلك مرهون بقدرتنا على جمع المعلومات، فمهما كانت حكمتنا لا نستطيع أن نقرأ مشهداً لا نملك معطياته.

من هنا كانت أسطورة هيكل.. محمد حسنين هيكل، اقترب كثيرا من مراكز صنع القرار فى سنوات مبكرة من مسيرته المهنية، جمع قدراً أكبر من المعلومات، مع براعته فى القراءة والصياغة، فتحول الى اسطورة.. لكن الاستاذ فقد قدرته على التواصل فبات يكرر نفسه، ويخلط بين المعلومات والتوقعات، ويعتقد أن دولا تبحث لنفسها عن مستقبل فى أوراقه، ظن أنه قارئ فنجان وليس جامع معلومات..

كانت نبوءات هيكل مثار سخرية على هامش القمة العربية، بعض السياسيين والدبلوماسيين تناقلوا النبوءات على أنها نميمة مؤكدة، اعتقدوا أنها حكايات للصفوة فقط، اكتشفوا فى وقت متأخر أن هيكل اعترف بفشله فى قراءة المشهد العربى، ونشرت جريدة «الوطن» خبرا يؤكد أن هيكل طلب عدم إذاعة الحلقة التى تم تسجيلها مع لميس الحديدى للحديث عن القمة العربية والموقف العربى من اليمن.

عندما تتحدث "الوطن" عن "سى بى سى" نصدقها فالمالك واحد وهو السيد محمد الأمين، نقلت الصحيفة عن "مصدر مطلع" قوله إن هيكل طلب إعادة تسجيل الحلقة، وإجراء تعديلات جوهرية وتأجيل البث، وأكد "المصدر المطلع" أن هيكل ألح لعدم إذاعة الحلقة لأن تحليله للقمة العربية التى ستنعقد فى شرم الشيخ والأزمة اليمنية جاء مخالفًا لما حدث على أرض الواقع، حيث تم تسجيل الحلقة قبل بدء الضربات الخليجية العربية على اليمن "عاصفة الحزم".

وأكدت الصحيفة أن الكاتب الكبير ذكر فى الحلقة معلومات وتحليلات أثبتت تطورات الأحداث خطأها، ما جعل الحلقة خارج سياق الأحداث والتطورات، لافتًا إلى أن هيكل ذكر لإدارة القناة أن إذاعة الحلقة سيعرضه لحرج بالغ، والكاتب الكبير استبعد تمامًا فى تحليله، اتخاذ العرب ودول الخليج قرارًا حاسمًا بالتدخل العسكرى فى اليمن، ما يظهر معلوماته وتحليلاته غير صحيحة وبعيدة عن دوائر صنع القرار دوليًا وعربيًا.

هيكل أشار لنقطة ضعفه، الرجل ابتعد بحكم السن وتغير الأنظمة عن دوائر صنع القرار، لم يبق له الكثير من الكواليس التى ينفرد بها.

لم تكن السقطة الوحيدة لهيكل فى هذا الملف هى عدم المامه بكواليس قصور الحكم فى العواصم العربية، الرجل تورط أكثر ووصف الضربة العربية على الحوثيين فى اليمن وبأنها "عدوان"، والغريب أن جريدة لبنانية إلكترونية تابعة لحزب الله اللبنانى "الشيعى" هى التى نقلت تصريح هيكل ووصفه للضربة بأنها «عدوان».

وجاء نص الخبر فى موقع جريدة "العهد" اللبنانية كالتالى:

"قال الكاتب والصحافى المصرى الكبير محمد حسنين هيكل فى معرض تبريره تأجيل حلقة حوارية معه على قناة "سى بى سى" إن "الاحداث الطارئة سبقت بقرار العدوان العسكرى على اليمن، بواسطة 10 دول عربية ضمنها مصر"، والتى أعلنت أنها "سوف تشارك فى القتال بقوات جوية وبحرية وبرية إذا اقتضى الأمر".

ورأى أن هذه الاحداث سبقت كل الترتيبات، وأولها مؤتمر القمة العربية ذاته، فقد كان من المتصور أن يكون التدخل العسكرى لاحقا للقمة، ونتيجة لقراراتها، خصوصا أن أهم البنود الواردة فى جدول أعمالها كان بند إنشاء قوة عربية مشتركة، ومعنى بداية العمليات قبل القمة أن عشر دول عربية قررت أنها لا تستطيع الانتظار ساعات، وتصرفت دون انتظار غطاء سياسى جامع يغطى هذا التصرف باعتباره إرادة عربية موحَّدة.وأضاف هيكل أن "ما جرى لم يعد مجرد احتمالات، وإنما أصبح أمرا واقعا تشارك فيه جيوش عربية، ضمنها "قوات مصرية من الجو والبحر والبر إذا لزم الأمر"، وعندما تكون هناك جيوش عربية فى طليعتها قوات مصرية، فإن دماء المقاتلين لها حرمة تفوق حرمة أى كلام. كما أشار إلى أن الطيران الأمريكى يشارك صراحة فى القتال، وتلك أحوال تدعو أغلب الظن إلى أن هناك ما دعا إلى المواجهة العسكرية فى أقصى الجنوب فى "اليمن".

لم ينف هيكل وصفه للعملية العسكرية العربية فى اليمن على انها "عدوان"، ولم ينف تصريحه بأن قوات أمريكية تقاتل الحوثيين فى اليمن، ولم يذكر لنا مصادر معلوماته، فاذا كان الرجل قد استبعد التدخل العسكرى بناء على قراءته لكواليس قصور الحكم وكذبت نبوءاته، فكيف نصدقه وهو يتحدث عن قوات أمريكية تحارب فى اليمن.. كنا ننتظر أن يقول إن قوات إيرانية تحارب فى صفوف الحوثيين ولحسابهم وبسلاح إيرانى، لكن موقف هيكل لم يبتعد كثيرا عن موقف قطر التى تحدثت فى صباح ليلة الضربة العسكرية وتغزلت أمام العرب فى إيران.