د. نصار عبدالله يكتب : فى حرب اليمن (2ـ2)

مازلنا مع الأستاذ محمود مبروك مؤلف كتاب «يوميات ضابط فى حرب اليمن» الذى يروى لنا فى كتابه الممتع كيف أنه توجه فى عام 1962 إلى منطقة تجنيد الإسكندرية لكى يستخرج شهادة معاملة عسكرية تفيد بأنه لم يصبه الدور أسوة بزملائه من مواليد 1941 الذين أطلعوه بالفعل على شهادات المعاملة الخاصة بهم.. لكنه سرعان ما فوجئ بتجنيده بعدما تبين له أن الإعفاء يقتصر فقط على مواليد النصف الأول من ذلك العام بينما هو من مواليد أغسطس !!..وهكذا شاء له قدره أن يلتحق بكلية الضباط الاحتياط، وأن يكون بعد ذلك واحدا من أفراد العملية 9000وهو الاسم الكودى الذى أطلقته القيادة المصرية على الدعم العسكرى للثورة لليمنية بعد أن استنجد بها الثوار لمواجهة القبائل اليمنية التى أمدتها السعودية بالمال لكى تتصدى للثوار وتلتف حول الإمام المخلوع محمد البدر الذى كانت له مكانة فى نفوس الكثيرين من عامة الناس ترقى أو تتجاوز مكانة الأنبياء إلى حد أن الكثيرين منهم تركوا الصلاة بعد خلع الإمام وهم يقولون: ما فى إمام..ما فى صلاة!...هكذا قدر للمؤلف أن يكون واحدا من أفراد القوة المصرية التى حملتها الباخرة التى أقلعت من ميناء الأدبية فى السويس إلى ميناء الحديدة فى اليمن، ومن ميناء الحديدة إلى صنعاء عبر ذلك الطريق الأعجوبة الذى هو بكل المعايير معجزة هندسية فريدة فهو يتصاعد فى الجبال على هيئة زجزاج أى أنه يتجه إلى اتجاه معين لكى يرتفع مسافة معينة ثم يعود لكى يتجه إلى الاتجاه المضاد تماما لكى يرتفع مسافة أخرى، وهكذا دواليك، لتقليل ميل الصعود إلى درجة تسمح بإمكان استخدام السيارات والمركبات المختلفة. ولقد تعددت الروايات عن إنشاء ذلك الطريق وكلها كما يقول المؤلف تشبه الطريق ذاته أى أنها أقرب ما تكون إلى الأساطير غير أن أشهرها وأكثرها طرافة هو أن الإمام يحيى حميدالدين والد الإمام أحمد كلف مهندسا صينيا بإقامة الطريق مقابل ستة وعشرين مليون جنيه إسترلينى، وقد استغرق العمل المضنى عشر سنوات من التخطيط والتنفيذ الذى قام به ألوف من المهندسين والعمال، وبعد وفاة الإمام يحيى وقبل انتهاء العمل جمع الإمام أحمد المنجمين ليقرءوا طالعه، فأبلغوه أن هذا الطريق سيكون شؤما عليه وسببا فى زوال ملكه !!..وعندما ذهب المهندس إلى الإمام يهنئه باكتمال العمل فى الطريق ويطالبه بقيمة المقاولة، أجابه الإمام: أنا لا أريد هذا الطريق المشئوم !! ونزلت هذه الإجابة كالصاعقة على رأس المهندس، لكنه تماسك وقال: لكن وزير الأشغال وقع العقود مع شركتى، فأمر الإمام بأن يؤتى بوزير الأشغال، وحين جاء، أمر بأن تقطع رأسه، فقطعت!، ولم يحتمل المهندس المشهد فمات بالسكتة القلبية !!، وهناك رواية أخرى تؤكد إعدام وزير الأشغال لكنها تختلف عن الرواية الأولى فى كيفية موت المهندس، حيث تذهب الرواية الثانية إلى أن الذى تعاقد على الطريق كان هو الإمام يحيى قبل وفاته، وعندما نفذ المشروع كان الإمام الذى تولى من بعده هو الإمام أحمد، وحين طالبه المهندس بقيمة العقد، قال له إنه لم يتعاقد معه، ولم يطلب منه أى شىء!!، قال المهندس: والدكم طلب، فقال الإمام: والدى رحل، فقال المهندس: وزير الأشغال، وقع العقود!، فأتى بالوزير وضرب عنقه!!، وخرج المهندس وهو فى حالة هيستريا، وقاد سيارته حيث انقلبت به فى جرف سحيق على حافة الطريق، وأيا ماكانت الرواية الصحيحة، فإن من المؤكد أن الثورة اليمنية قد انتقلت باليمن قرونا إلى الأمام، حتى وإن لم تصل بها إلى شاطئ الأمان.