حسين معوض يكتب : رسائل نزار قبانى لـ«عادل حمودة»
الاقتراب من دفتر أسرار عادل حمودة.. خطر، فيه كلمات إن تبدو لنا تبهرنا، وفيه شخصيات إن اقتربنا منها تغيرت فيها وجهات نظرنا، وفيه جمل أن قرأناها أسكرتنا، وتاريخ تتواضع معه خطواتنا المهنية.. اجمع من حكاياته العابرة قصصاً لم نقرأ عنها.. وما اعتقدته نميمة تحول إلى قصة صحفية موثقة بالمستندات.. أتحدث عن رسائل نزار قبانى إلى عادل حمودة.. لم يبح الأستاذ بكل ما فيها، ولكنه لم يبخل علينا ببعض منها.
لم تسيطر السياسة وحدها على الرسائل المتبادلة بين عادل حمودة ونزار قبانى، كان فى الرسائل شعر، وكان فيها المرأة التى يتجمع حولها كل ألوان الطيف وكل المعانى.. وكان فى الرسائل ايضا أسرار.. تحديدا أحد عشر سرا، يقول عادل حمودة إنه لا يملك حتى الرغبة لفض بكارتها.
فى خريف عام 1994 كانت مجلة روزاليوسف تتربع على عرش الصحافة العربية.. تجاوز توزيعها حاجز الـ 100 ألف نسخة للمرة الأولى فى تاريخ المجلة العريقة، وقتها كان عادل حمودة هو المسئول عن تحرير المجلة «من 92 حتى 98».
فى هذا الخريف قررت «روزاليوسف» كسر الحصار العربى على نزار قبانى بعد قصيدته الشهيرة «متى يعلنون وفاة العرب» كانت القصيدة ممنوعة من النشر، وصاحبها محاصراً من لوبى «كتاب النظام»، محاصراً من كتاب كل الأنظمة العربية.. ولم يكتف هؤلاء بالحصار والمنع من الظهور والنشر، ولكن امتدت أقلامهم لتمزق سيرة واحد من أبرز شعراء العربية خلال القرن العشرين.
جرأة روزاليوسف دفعت نزار قبانى لإرسال فاكس يشكر فيه الكاتب الكبير عادل حمودة.. كانت الفرصة مناسبة للتواصل.. يقول عادل حمودة: بدأت أتحدث معه.. كانت فرصة لأى كاتب أن يتواصل مع نزار.. استخدمت نفس أسلوبه لأعرف ظروف وملابسات كتابة القصيدة ولماذا يعتقد أن العرب ماتوا ويجب أن يدفنوا؟
كان رد نزار صادماً، لقد شاهد مؤامرة كبرى، وتوقع أن تمتد كالسرطان لتلتهم الأقطار العربية، كان يجلس فى فندق سان جورج ببيروت، وهو احد الفنادق السياسية فى لبنان، هناك شاهد عدداً كبيراً من ضباط المخابرات يتآمرون لتنشيط الخلافات الداخلية فى لبنان، وكان نزار يعتقد وقتها أن لبنان تحارب نيابة عن العرب، وتوقع أن يكون هذا الموديل هو آخر صيحات الحروب التى تقسم البلاد العربية، وقتها لم يكن مصطلح «الجيل الرابع من الحروب» قد صك بعد..
نزار اكتشف اننا أمة يسهل تقسيمها واللعب بداخلها، فلدينا ما يكفى من الاختلافات الطائفية والعرقية والثقافية والدينية، اكتشف أن سوريا بها 28 مذهباً، واليمن بداخله بذرة 8 دول، ولبنان 7 فرق، ومصر فيها مسلمون ومسيحيون وفيها نوبيون وطوائف اخرى.. الموديل الذى رصده نزار قبانى هو ما يحدث الآن فى بلادنا العربية.
لم تكن قصيدة «متى يعلنون وفاة العرب؟» هى الازمة الوحيدة العاصفة فى حياة نزار.. كانت «هوامش على دفتر النكسة» تبعاتها أيضا صعبة، وقتها كتب رسالة إلى رجاء النقاش الذى حمل الرسالة إلى جمال عبدالناصر وشرح فيها نزار موقفه ومشاعره بعد النكسة، ووافق عبدالناصر على عودة نزار لى مصر.
لم تتوقف رسائل نزار قبانى إلى عادل حمودة، ولا رسائل عادل حمودة إلى نزار قبانى، وبين الرسائل كانت هناك لقاءات، التقيا فى لندن فى «الدوشيستر»، رأى عادل حمودة لأول مرة فى حياته عفريت الشعر يتجسد، وملامح الوجه وحركة اليد تتغير والعيون تجحظ ونزار يلتقط مفرشاً من الورق ليكتب عليه قصيدة «لوليتا».. قصة البنت الصغيرة التى تعشق الرجل الكبير.
بعد العودة إلى القاهرة سأله عادل حمودة عن سر «اللوليتا»، يقول نزار إن الفتاة تطمئن للرجل الكبير، تصل إليها خبراته بسهولة، ولا تشعر معه بالخطر، تشعر البنت برغبة فى الاكتمال.. وقتها كان نزار فى «اللوليتا».
كانت آراء نزار فى علاقات المرأة والرجل صادمة ومختلفة، كان سؤال بسيط من عادل حمودة لنزار عن إيمانه بالمرأة التى تملك الاخلاق!! كان هذا السؤال كفيلاً بأن يفصح نزار عن نظرة ونظرية خاصة فى سبب حب الرجل للمرأة، والأهم هو اتهام الرجل العربى بالكذب فى علاقته بالمرأة.. تقوم نظرية ونظرة نزار على أن الجاذبية الجنسية هى سر تعلق الرجل بالمرأة والعكس صحيح تتعلق المرأة جنسيا بالرجل قبل أى شىء آخر..
ويرى نزار انه بعيدا عن الجنس تكون عملية الارتباط كذباً اجتماعياً، أو يضطر الرجل للتعبير عن حالة الشبق التى تتملكه بجمل مختلفة مثل «احبها لأخلاقها أو لروحها الحلوة أو لشخصيتها..».
عرف عادل حمودة مبكرا أن نزار قبانى الحقيقى يختلف كثيرا عن نزار فى خيال محبيه ومعجبيه.. فالرجل شديد التواضع ويعترف بأنه لم يكن دونجوانا كما تخيله قراؤه، كان يحمر خجلا عندما تداعبة فتاة جميلة، طلبت منه احداهن أن يكتب لها إهداء.. كان ذلك داخل مدرسة راهبات فى بيروت.. رفضت الفتاة أن يكتب نزار الإهداء على القصيدة أو فى ورقة أو على منديل.. اشترطت أن يوقع باسمه على فخذها.. احمر وجه نزار خجلا وسقطت عيناه على الارض.
دخل الحب قلب نزار 3 مرات فى حياته، هو نفسه يعترف بأن الرجل يحب امرأة جديدة كل 25 عاما.
أرسل نزار 4 رسائل إلى عادل حمودة يحكى فيها عن مقتل السادات، كانت الرسائل فى التسعينيات، ومقتل السادات فى بداية الثمانينيات، إلا أن بعض الكلمات ظلت تنتظر الانتظام فى جمل متبادلة بين نزار وعادل حمودة.. كان نزار يعود إلى محادثات كامب ديفيد التى عاش فيها السادات وكأنه فى حالة حداد، أطلق لحيته وكان قد اختفى فترة طويلة عن الانظار.. وكان رأى عادل حمودة أن زيارة السادات لإسرائيل أفقدت مصر مكانتها ودورها لسنوات طويلة.
كانت رسائل نزار قبانى تقترب من السياسة والحب، عاش حياته متأثرا بقصة انتحار شقيقته الكبرى بعد أن أرغمتها الاسرة على الزواج بشخص لا تحبه.. كان نزار طفلا وقتها، ولكن تلك القصة أثرت فى العائلة طوال سنوات العمر، فقد اجبرت الاب على التعامل برقة مع ابنائه وفى نفس الوقت قويت شوكة الام.