حسين معوض يكتب : أخطر تقرير أمنى من داخل ليبيا عن صناعة أمراء الإرهاب بأموال تركيا وقطر

مقالات الرأي




■ رصد مكالمة لمدير مكتب الجزيرة بليبيا تؤكد تعاونه مع الميليشيات الإسلامية المتطرفة وينقل طلباتهم إلى الدوحة
يبدأ التقرير برصد الدعم القطرى للإسلاميين، من أيام المجلس الانتقالى ببنغازى إلى اليوم، يقول التقرير: إن قطر تورطت مبكرا فى دعم الجماعات المسلحة فى ليبيا، بل إنها صنعتهم لتضمن تطبيق مخطط مكتوب سلفا لإحكام السيطرة على ليبيا وثرواتها، ولتحجيم مصر وضمان سيطرة الإخوان عليها.

كان القطريون يعرفون جيدا أنهم لا يدعمون ثوارًا، كانوا يصنعون جيوشا متناحرة.. تسليحها لا ينتهى سوى بتقسيم ليبيا، وفى سبيل ذلك تم إطلاق فضائية قطرية تبث من الدوحة باسم ليبيا لكل الأحرار- وإطلاق فضائية ليبية تبث من الدوحة باسم ليبيا الحرة- وإنشاء شبكة اتصالات هاتفية موازية بالمنطقة الشرقية، وتزويدها بمنظومة رقمية متقدّمة، وإمداد قادة المتمردين ببنغازى وطبرق ودرنة والبيضاء وغرف عمليّاتهم بأجهزة اتصال فضائية متقدمة وأنظمة تجسس إلكترونى للإفلات من مراقبة الأجهزة الأمنية الليبية، وحماية المتمردين من التنصّت والاختراق.. وقتها كانت قطر تعرف أنها تصنع نظامًا ودولة موازية فى ليبيا، وليس مجرد دعم لثوار يرغبون فى التغيير للأفضل.. والمؤكد أن ليبيا لم تذهب إلى المستقبل الأفضل بفضل اللعبة القطرية.

فى مارس 2011، ساعدت قطر فى إنشاء مجموعة الاتصال بشأن ليبيا، واستضافت واحدا من اجتماعاتها.. فى إبريل 2011، شرعت قطر فى بيع نفط الشرق الليبى لـحساب من وصفتهم بالثوار، كانت قطر ترغب فى ضمان السيطرة على مصادر دخل أعداء النظام الليبى ليسهل التحكم بسلوكهم وتوجيههم وفق الأجندة القطرية.. ولتتمكن قطر من استعادة اموالها التى انفقتها على المجلس الانتقالى والتى قدرتها بمبلغ مبالغ فيه وهو 3 مليارات وتمكنت من استعادتها كاملة.

كانت قطر تقدم السلاح للإسلاميين قبل غيرهم فى البريقة، وزوارة والزنتان.. واستخدموا نفودهم فى تونس التى سيطروا عليها بعد سقوط نظام بن على خاصة ميناء جرجيس، وقاعدة رمادة جنوبى تونس لنقل الأسلحة إلى الداخل الليبى، بالإضافة إلى تهريب السلاح والمقاتلين من بنغازى إلى مصراتة.

يقول التقرير: إن القطريين استخدموا حاويات الصليب الأحمر الدولى والهلال الأحمر والمستشفيات الميدانية ومعسكرات اللاجئين لتهريب السلاح وإمداد المقاتلين المتشددين بالصواريخ ومعدات التجسس والتصوير والاتصال.. وشارك ضباط وخبراء قطريون فى غرف عمليات المتمردين بالشرق والغرب.

كما شاركت عناصر عسكرية قطرية فى إدارة مخيمات لاجئين بمدينة تطاوين التونسية بهدف تجنيد المرتزقة.

وزار رئيس أركان الجيش القطرى حمد بن على العطيّة وضباط كثيرون مدينة الزنتان والتقوا شيوخ قبائل عديدة بمنطقة الجبل الغربى حاملين معهم كميات هائلة من السيولة النقدية لغرض استمالة القبائل وضمّها للحرب ضد الدولة الليبية.

فى مايو 2012 قام وليّ عهد قطر تميم بن حمد بتكريم آلاف الجنود والضباط القطريين الذين شاركوا فى الحرب على ليبيا، وقالت صحيفة آرجومونتى نيدللي الإيطالية فى إبريل 2012، نقلا عن مصادر استخبارية: إن القطريين متورطون فى قتل معمر القذافى حيث تلقّى أحد عناصرهم أمرا مباشرا من الدوحة بتصفية القذافى بمجرد إلقاء القبض عليه صبيحة يوم 20 أكتوبر 2011، وهذا ما أكده الرئيس الروسى بوتين فى لقاء له قبل توليه منصب رئيس جمهورية روسيا.

ورصد التقرير مكالمة مسربة لمدير مكتب الجزيرة فى ليبيا الكردى العراقى الإخوانى محمد عبدالعظيم مع سالم الصبحى قيادى بالجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة من مدينة أجدابيا شرق ليبيا، وتوضح المكالمة أن محمد عبدالعظيم يقوم بدور اخر بالاضافة إلى عمله فى قناة الجزيرة كإعلامى وهو دور تنسيقى بين قادة وأمراء الميليشيات الإسلامية المتطرفة وينقل طلباتهم إلى الدوحة، وينقل تعليمات البلاط الأميرى إلى الإسلاميين فى كل من بنغازى وطرابلس. وفى أحد التسجيلات المسربة، يجرى الحديث بتفصيل شديد عن هذا الأمر وهو يطلب الدعم القطرى للميليشيات المتطرفة للسيطرة على أجدابيا وبنغازى، وأكد من خلالها نقطة فى غاية الأهمية أن أى دعم قطرى إلى ليبيا لا بد أن يكون عن طريق عبدالحكيم بلحاج وهو أمير الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة يقيم بطرابلس والذى وصفه بالمسئول الأول ولابد من إبلاغه وطلب إذن منه.

1

قطر تشترى أرشيف الجيش الليبى

مباشرة بعد سقوط طرابلس، انتشرت تجارة الوثائق والمستندات التى تعود إلى مؤسسات الدولة الليبية المختلفة.. ويتحدث كثيرون عن حملة لشراء المستندات بأسعار متفاوتة لفائدة أجهزة أجنبية عاملة على أراضى ليبيا على رأسها الاستخبارات القطرية، والميليشيات الموالية لها. وعلى مستويات أخرى، يتحدث كثيرون عن قيام ميليشيا عبدالحكيم بلحاج بالاستيلاء على السجل الوطنى الليبى كاملا لحساب الدوحة التى استلمته بأكمله، بما فى ذلك أرشيف الجيش الليبى.

أسفرت انتخابات ليبيا 2012 البرلمانية عن فوز الليبراليين ممثلين فى تحالف القوى الوطنية بغالبية مقاعد المؤتمر الوطني، لكن زيارة ولى عهد قطر تميم بن حمد إلى طرابلس فى يونيو 2012 سرعان ما قلبت الموازين، حيث تمت استمالة المستقلّين فانضموا إلى الإخوان والسلفيّين والجماعة المقاتلة بما سمح لهم بالحصول على أغلبية برلمانية حرمت تحالف جبريل من منصبَى رئيس الحكومة ورئاسة المؤتمر.

وبعد عامين من الإخفاقات والغرق المستمر لليبيا، وبعد مماطلة طويلة من الإسلاميين بسبب ما رأوه من مصير الإخوان فى مصر، انصاعُوا لمبدأ إجراء الانتخابات البرلمانية، التى أسفرت كذلك عن خسارتهم.

رفض حلف مصراتة - الإخوان تسليم السلطة إلى البرلمان المنتخب وإعلان إحياء المؤتمر الوطنى وتكوين حكومة موازية بطرابلس أدخل ليبيا فى مواجهات عسكرية دامية بين ميليشيا فجر ليبيا الإخوانية والدروع التابعة لها، والتى أسستها قطر لمنع قيام جيش وطنى ليبى، وبين بقايا الجيش الليبى بقيادة حفتر.

السلاح القطرى والعناد الإخوانى يزيدان فى شدّة الاستقطاب السائد فى ليبيا حاليا. ولا يوجد أى بوادر على قرب انتهاء الأزمة، بل يبدو أن العكس هو الذى سيحدث على الأرجح، للاعتبارات الآتية: الساحة الليبية هى المعقل الأخير الذى يسمح للإسلاميين بالتواجد المسلّح فيه- الموقع الاستراتيجى لليبيا، والثروات والمساحة الشاسعة تضمن: تدفق المقاتلين، التمويل، التسليح، فضاءات التدريب- صناعة الاضطرابات الأمنية فى مصر تضعف حكم البرلمان المنتخب وقبضته على المنطقة الشرقية- المراهنة على تدهور الأوضاع بشرق ليبيا لضمان تدفق السلاح نحو مصر وغزّة من أجل دعم العمليات الإرهابية لعصابات أنصار بيت المقدس، والإرهابيين بسيناء، وبعض بؤر الإرهاب الأخرى- الرغبة فى تطويق مصر لاتزال هدفا قطريا تركيا إخوانيا رئيسيا، وأدوات تحقيقها تجسدت فى محاولات قطر الدخول على خط إغراء الإثيوبيين بالإصرار على تنفيذ سدّ النهضة الخطير على الأمن القومى لمصر. ثم فى توقيع معاهدات عسكرية للشراكة والدفاع والتعاون بين قطر والسودان- الدور السودانى فى تخريب إمكانات الحلّ فى ليبيا يبدأ وينتهى دائما بتسهيل عبور شحنات السلاح نحو إرهابيى الشرق والوسط الليبى، يعنى مصراتة وبنغازى ودرنة- استغلال دقّة المرحلة التى تمر بها الجزائر حاليا لفرض تأييد جماعات فجر ليبيا التى تحارب البرلمان المنتخب فى ليبيا، وتتعامل تعامل الدولة الشرعية.

2

خدعة أردوغان

وقف الأتراك فى البداية على الحياد إزاء الأزمة الليبية، وهذا راجعٌ بالأساس إلى المصالح الاقتصادية الكبيرة التى كانت تربط تركيا بليبيا، سواء ما يتعلق بوجود أكثر من 25000 تركى يعملون ويقيمون بالمدن الليبية، أو بالعقود الإنشائية والنفطية والصناعية والتجارية التى تربط مؤسسات كثيرة داخل الدولة الليبية بشركات تركية مقيمة أو غير مقيمة على أراضى ليبيا.

ارتبط أردوغان والدكتور البغدادى المحمودى آخر رئيس للحكومة الليبية بعلاقات جيدة، وبفضل العلاقة الشخصية التى تربطه بالبغدادى المحمودي، استطاع أردوغان إقناع الطرف الليبى بالتعاون من أجل إخلاء الرعايا الأتراك بالآلاف من موانئ بنغازى ومصراتة وطبرق. وقد وافقت الحكومة الليبية على ذلك، لتكتشف فيما بعد أنها قد وقعت فى فخّ تاريخى نصبه أردوغان لليبيا.. فقد كانت السفن التركية الوافدة على مصراتة تُجلِى الرّعايا الأتراك، لكن بعد أن تفرغ حمولتها من المقاتلين الأجانب المتمرّسين وشحنات غير معلومة الحجم من السلاح والعتاد مكّنت مصراتة من صدّ هجمات الجيش النظامي.

حاولت تركيا النأى بنفسها عن العمل العسكرى الأطلسى ضد ليبيا لتحافظ على هامش مناورة يسمح لها بإدارة مصالحها مع بنغازى وطرابلس. لكن حيادها لم يمنعها من تقديم خارطة للحلّ فى مايو 2011 تنصّ فى بعض نقاطها على سحب الجيش الليبى من المدن، ورحيل معمر القذافى. ولم يستمر الحياد التركى طويلا، حيث أعلنت أنقرة اعترافها بالمجلس الانتقالى ممثلا شرعيا ووحيدا لليبيين فى 11 يوليو 2011.

3

أمراء الحرب عملاء للمخابرات التركية

تحوّلت تركيا إلى فضاء استقطاب جذاب لعناصر وقادة الميليشيات الإخوانية والتكفيرية المتشددة فى ليبيا. وفى الوقت الذى كانت التقارير تتحدث فيه عن كميات ضخمة من الأموال والذهب (إعلان ضبط موفد من عبدالحكيم بلحاج إلى اسطنبول بحوزته كميات من الذهب عام 2012)، كانت عمليات بيع وشراء ضخمة تتم بين رجال أعمال ليبيين جدد هم قادة وأمراء الحرب الليبية ووكلاء للاستخبارات التركية منتحلين شخصيات تجار أتراك متخصّصين بشراء الآثار والمستندات والمعادن النفيسة.

- إن أغلب المسيطرين على المشهد العسكرى والسياسى فى ليبيا هم اليوم تنظيم الإخوان المسلمين وأذرعته السياسية والعسكرية بمختلف مسمياتها وأغلب قيادات التنظيم تتفق فى كونها من أصول غير عربية وغالبا ما تكون لها جذور تركية فى المدن التى عرفت عنها تاريخيا أن أصل سكانها القريب من تركيا وهم (شركس - كرغلية - مقاوبة) وهم ينتشرون أغلبهم فى مدينة مصراتة وثم مدينة الزاوية - ثم منطقة سوق الجمعة فى طرابلس وينحاز اليهم ذوو الأصول الأمازيغية ويعتبرون أنفسهم فى حرب مع القبائل البدوية العربية.

لعنة حلفاء أردوغان وآل ثانٍ فى أرض الشام

أصطفاف حكومة أردوغان إلى جانب الإخوان والقطريين والتيار التكفيرى الذى يحارب الدولة فى سوريا، حوّل أراضيها إلى معبر للسلاح الليبى والمقاتلين الليبيين يقودهم التكفيرى المهدى الحاراتى «الذى شكل لواء الأمة فى سوريا وكل عناصره من المتطرفين وهو من تولى الدعم بالمقاتلين من ليبيا والأموال والأسلحة».

ومن بنغازي، ومن مصراتة، ومن زوارة تبحِرُ بواخر كثيرة نحو سواحل سوريا أو لبنان وإلى عمق المياه الإقليمية التركية لتفريغ شحنات من السلاح الليبى لإمداد حلفاء أردوغان وآل ثانٍ فى أرض الشام.

وبضغوط تركية - قطرية دعم المجلس الانتقالى المتمردين فى سوريا بمبلغ 100 مليون دولار بحجة قضايا انسانية بينما كان الدعم لشراء السلاح.

بالإضافة إلى الرحلات البحرية، تستقبل تركيا أفواجا من المقاتلين التكفيريين الشباب بعد أن يجرى تدريبهم وشحنهم أيديولوجيًا فى معسكرات ليبية، وبعد أن يشتركوا فى بعض المعارك الدائرة بين قوات الجيش الليبى بقيادة حفتر وتحالف فجر ليبيا.. وقد تم تخصيص ميناء امعيتيقةبطرابلس لغرض تسفير المقاتلين واستقبال الدعم التقنى واللوجستى اللازم لحرب فجر ليبيا ضدّ برلمان وحكومة طبرق.

خلال عامى 2012 و2013 بالخصوص، تم تنفيذ عمليات كثيرة لتهريب السلاح إلى مصر وغزّة عبر موانئ الشرق، وعلى متن الشاحنات العابرة للحدود البرية بمنفذ المساعد، دعما للإخوان وحماس والفصائل التكفيرية بسيناء.

أصبح الدعم التركى للمجموعات الليبية المتشددة معلنا، خصوصا بعد بدء التحالف الإخوانى المصراتى هجومه على مطار طرابلس ضمن ما يسمى عملية فجر ليبيا. وقد اتّهم رئيس البرلمان الليبى عقيلة صالح تركيا وقطر والسودان صراحة بدعم الجماعات المتطرفة، وميليشيات الدروع فى ليبيا عسكريا وماليا ولوجستيا، خلال زيارته إلى مصر فى أكتوبر 2014.

فى شهر ديسمبر أصدرت مجلة ماريان الفرنسية تقريرا يتحدث عن رغبة قطرية تركية فى الانتقام لفشل الإخوان المسلمين فى مصر. وأن مصادر متطابقة تتحدث عن تدفق أموال كثيرة وأعداد هائلة من المقاتلين إلى ليبيا، عبر مطار اسطنبول، لتكوين جيش إسلامى ضخم.

وفى أواخر أغسطس 2014، أطل أردوغان بعد أيام من انتخابه رئيسا لتركيا على قناة الجزيرة القطرية، مدليا بتصريحات تكشف عمق الاستياء والغضب من الهزيمة الإخوانية فى ليبيا، معتبرا أن اجتماع البرلمان الليبى بطبرق خطأ جدى، وأضاف. لماذا يجتمع البرلمان فى طبرق وليس فى العاصمة الليبية طرابلس؟ نحن لا نقبل بهذا أصلا، هذا أمر غير مقبول، هنا نحن فى مواجهة وضع غير صحيح، ولهذا فإن ما حصل فى طبرق هو عملية نزوح وتشريد للبرلمان.